تتضاءل الآمال بالعثور على ناجين في مدينة درنة شرق ليبيا، بعد ستة أيام على حدوث فيضانات مدمرة اجتاحت المدينة، وتسببت في مقتل آلاف الأشخاص، إضافة إلى إجبار عشرات الآلاف الآخرين على الخروج من منازلهم، فيما تدفن السلطات الضحايا في مقابر جماعية.
وتواصل السلطات الليبية جهود البحث والإنقاذ في درنة، التي بات 8% من سكانها قتلى أو مفقودين جراء الفيضانات، فيما مُسح ربع أحيائها من الخريطة، في معدل غير مسبوق لا مغاربياً ولا عربياً ولا حتى عالمياً في القرن الحادي والعشرين.
كانت عاصفة قوية قد ضربت، الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023، شرق ليبيا، وتسببت الأمطار الغزيرة بكميات هائلة في انهيار سدّين في درنة، ما تسبّب بتدفّق المياه بقوة في مجرى نهر يكون عادة جافاً.
جرفت المياه معها أجزاء من المدينة بأبنيتها وبناها التحتية، وتدفقت المياه بارتفاع أمتار عدة، وحطمت الجسور التي تربط شرق المدينة بغربها، وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، إن المياه الجارفة خلفت وراءها مشهد دمار، ويبدو كما لو أن زلزالاً قوياً ضرب جزءاً كبيراً من المدينة.
قبل الكارثة كان عدد سكان المدينة مئة ألف نسمة، وفي ظل صعوبة الوصول والاتصالات وعمليات الإغاثة والفوضى السائدة في ليبيا حتى قبل الكارثة، تتضارب الأرقام عن أعداد الضحايا، وقد أعطى وزراء في حكومة الشرق أرقاماً غير متطابقة.
لكن في آخر حصيلة لهم، أفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة الشرق، يوم الأربعاء، أن أكثر من 3800 شخص قضوا في الفيضانات، في حين أعلن الهلال الأحمر الليبي، الخميس، أن حصيلة القتلى في درنة ارتفعت إلى 11300 قتيل، وسط ترجيحات مسؤولين بأن ترتفع الأعداد.
من جانبه، قدّر الصليب الأحمر الدولي بأن عدد المفقودين بالآلاف، فيما تحدثت المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح أكثر من 38 ألف شخص في الشرق الليبي، بينهم 30 ألفاً من درنة، وقالت الأمم المتحدة إن "ما لا يقلّ عن عشرة آلاف شخص" ما زالوا في عداد المفقودين.
مقابر جماعية في درنة
يأتي هذا فيما يواجه سكان وفرق الإغاثة في درنة صعوبة كبيرة في التعامل مع آلاف الجثث التي أعادتها الأمواج لليابسة أو تتحلل تحت الأنقاض، بعد أن دمرت الفيضانات المباني وألقت بالكثيرين في البحر.
منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثة أخرى طالبت السلطات في ليبيا بالتوقف عن دفن ضحايا الفيضانات في مقابر جماعية، قائلة إن هذا قد يتسبب في مشكلات نفسية طويلة الأمد للعائلات، أو قد يحدث مخاطر صحية إذا كانت الجثث مدفونة بالقرب من المياه.
تقرير للأمم المتحدة أشار إلى أن أكثر من ألف شخص دفنوا بهذه الطريقة حتى الآن، منذ أن تعرضت ليبيا لأمطار غزيرة، وقال بلال سبلوح مدير الطب الشرعي لمنطقة أفريقيا باللجنة الدولية للصليب الأحمر، في إفادة صحفية في جنيف "الجثث متناثرة في الشوارع، أو تعيدها الأمواج إلى الشاطئ، أو مدفونة تحت المباني المنهارة والأنقاض. في غضون ساعتين فقط أحصى أحد زملائي أكثر من 200 جثة على الشاطئ بالقرب من درنة".
كذلك دعت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بشكل مشترك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى تحسين إجراءات الدفن.
وقال كازونوبو كوجيما، المسؤول الطبي عن السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي في برنامج الطوارئ الصحية التابع لمنظمة الصحة في البيان المشترك: "نحث السلطات في المناطق المنكوبة بالمأساة على عدم التسرع في عمليات الدفن الجماعي أو حرق الجثث بشكل جماعي".
أيضاً دعا البيان إلى تحسين إدارة عمليات الدفن، لتكون في مقابر فردية محددة وموثقة بشكل جيد، قائلاً إن عمليات الدفن المتسرعة يمكن أن تؤدي إلى مشكلات نفسية طويلة الأمد لذوي الضحايا، بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية وقانونية.
وضع فوضوي
من جهتها، وصفت مانويل كارتون، المنسقة الطبية لفريق من منظمة "أطباء بلا حدود"، التي وصلت قبل يومين إلى درنة، الوضع بأنه "فوضوي" ويمنع حسن سير عملية إحصاء الضحايا والتعرف على هوياتهم.
أكدت كارتون أن "غالبية الجثث دفنت (…) في مدافن وفي مقابر جماعية" والكثير من هؤلاء "لم تحدد هويتهم خصوصاً أولئك الذين انتشلوا بأعداد كبيرة من البحر". وأوضحت "الناس الذين يعثرون على الجثث يدفنونها فوراً".
كذلك فإن الوضع السياسي في ليبيا يعيق عمليات الإغاثة والتنسيق ما بين السلطات في شرق البلاد وغربها.
من جهتها، دعت الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني وليامز، وهي ممثلة الأمم المتحدة السابقة في ليبيا، إلى تدخل دولي عاجل، وكتبت عبر منصة "إكس" أن "الواجب الأخلاقي (…) المتمثل بحماية (المدنيين) الذي كان دافعاً للتدخل (العسكري) في 2011 (ضد نظام معمر القذافي) يجب أن يوجه تحرك الأسرة الدولية إثر الفيضانات التي اجتاحت شرق ليبيا، وتسببت بمقتل آلاف الليبيين الأبرياء، والأجانب".
كما دعت وليامز إلى إنشاء "آلية مشتركة وطنية ودولية، للإشراف على أموال المساعدة" متحاملة على الطبقة السياسية الليبية "الضارية" التي تميل إلى استخدام "حجة السيادة" لتوجيه عمليات المساعدة "بحسب مصالحها".
يُشار إلى أن ليبيا غارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتتنافس على السلطة فيها حكومتان، الأولى تتخذ من طرابلس في الغرب مقراً ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرى في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حمّاد، وهي مكلّفة من مجلس النواب، ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.