خفتت حدة الاحتجاجات في مناطق الساحل السوري خلال الفترة الماضية، بعد تصاعدها المفاجئ خلال شهر أغسطس/آب 2023، لا سيما أنها مناطق موالية لنظام بشار الأسد، في حين أعاد ناشطون سبب ذلك إلى الدور الذي يلعبه "المجلس الملي العلوي" بالتعاون مع النظام لوقف الأصوات الغاضبة، والحد من المظاهرات، وهو الأمر الذي كان لافتاً خلال الشهر الجاري سبتمبر/أيلول.
إخماد أصوات العلويين المناهضة
دفع الإعلان عن "حركة 10 آب"، المناهضة للنظام، ومقرها مناطق موالية، إلى لقاء النظام السوري أعضاء وشخصيات تمثل "المجلس الملي العلوي" في اللاذقية، لبحث آخر المستجدات والتطورات والاحتجاجات التي تشهدها سوريا مجدداً، وفقاً لمصادر خاصة بـ"عربي بوست".
وأشار مصدر سوري علوي، فضل التحفظ على اسمه لضرورات أمنية، إلى أن اللقاء جرى منتصف يوليو/تموز 2023، بين بشار الأسد وعدد من الشخصيات لم يحدد أسماءها، ومعظمهم أعضاء من "المجلس الملي العلوي".
وقال لـ"عربي بوست"، إنه جرى النقاش بالتطورات الراهنة في البلاد، وركز المشاركون في الاجتماع على أهمية إخماد الحراك الشعبي المناهض للنظام في مناطق الساحل السوري (الموالية للنظام) ومسقط رأس بشار الأسد، بشتى الطرق والوسائل.
وأكد أنه بناءً على توصيات من "المجلس الملي العلوي"، بادرت أجهزة النظام السوري إلى إطلاق حملة اعتقال الناشطين من الطائفة العلوية، وعرف منهم "أيمن فارس وأحمد إبراهيم إسماعيل ولمى عباس"، وعشرات الناشطين الآخرين، مع التلويح بمعاقبة كل من يتجرأ على الخروج باحتجاجات بأقصى العقوبات والتهديد بالاغتيال.
وكشفت مصادر عدة، عن أن المجلس الملي العلوي، أسهم في تسهيل الوصول إلى أسماء الشخصيات المناهضة للنظام، وأنه قام بالتواصل مع شخصيات محلية وقبلية في مناطق الساحل السوري، لإسكات الأصوات المعارضة، ومحاولة وقف الاحتجاجات.
تأتي المظاهرات غير المسبوقة في مناطق الساحل السوري الموالية للنظام، احتجاجاً على تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي وتوقف دفع الرواتب، إضافة إلى ظهور أصوات معارضة لناشطين علويين تشجع على الحراك الشعبي، تزامناً مع عصيان مدني في محافظة السويداء جنوب سوريا.
يسلط هذا التقرير الضوء على مدى نفوذ النظام السوري وهيمنته على قرار الطائفة "العلوية"، التي ينتمى لها بشار الأسد، رأس النظام، والتي تشكل قرابة 12% من نسبة سكان سوريا، البالغ عددهم وفقاً لتقديرات "الأمم المتحدة" 17.501 مليون نسمة، في عام 2020.
ما هو المجلس الملي العلوي؟
المجلس العلوي الأعلى أو ما يعرف بـ"مجلس الملي العلوي"، يمثل الطائفة العلوية التي ينتمي لها رأس النظام السوري بشار الأسد "دينياً واجتماعياً"، في مناطق الساحل السوري.
بحسب ناشطين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإنه جرى اعتقال ما يقارب 20 ناشطاً علوياً علت أصواتهم في أوساط أبناء الطائفة في مناطق الساحل السوري غربي سوريا، وغالبيتها من العلويين، تضامناً مع احتجاجات السويداء، واحتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
"المجلس العلوي الأعلى في سوريا"، أو ما يعرف محلياً بـ"المجلس الملي العلوي"، يدير شؤون الطائفة العلوية وله دور بارز في إدارة البلاد "بصورة سرية"، وفق ما يؤكده معارضون، الذين يؤكدون نفوذ العلويين بعد وصولهم إلى الجيش السوري ومشاركة أبنائهم في الانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا بين عامي 1949 و1970، عقب استحواذهم على حزب البعث.
ويقولون إن حكم العلويين ترسّخ في السلطة منذ عام 1963، حتى وصول حافظ الأسد وبعده ابنه بشار إلى السلطة.
يعرف هذا المجلس بولائه ودعمه للنظام السوري، وكان موقفه معارضاً للثورة السورية على مدار 12 عاماً، وفقاً لمواقفه المعلنة.
ولا يعرف عن هذا المجلس في الوقت الحالي من يرأسه، ومن هم أعضاؤه.
تأسيسه وأعضاؤه.. و"سرية" تلفّه
يشير أحد الضباط المتقاعدين -فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية- إلى مدى انخراط "المجلس العلوي الأعلى" في سوريا، في الأحداث والانقلابات التي هزت سوريا في ستينيات القرن الماضي، بهدف الوصول إلى حكم سوريا.
وقال لـ"عربي بوست": "كان الضباط العلويون المدفوعون من المجلس حينها وبمساعدة ضباط من الطائفة الإسماعيلية والطائفة الدرزية قد تمكنوا من الوصول للسلطة عام 1963 في انقلاب عسكري، عرف وقتها باسم ثورة الثامن من آذار، وسرعان ما قام الضباط العلويون بالتخلص من شركائهم بدءاً من الضباط الدروز عبر اعتقالهم، وآخرين اتهموا بتصفيتهم".
وروى أن ذلك كان "قبل أن يحظى حافظ الأسد بثقة المجلس العلوي على حساب كل من اللواء محمد عمران واللواء صلاح جديد، اللذين ينتميان للطائفة العلوية، واعتقالهما لكونها بدآ بالتمرد على قرارات المجلس، وقبل أن يتفرد الأسد بحكم سوريا بدعم مطلق من قبل المجلس العلوي الأعلى الذي يمثل العلويين في البلاد".
وأوضح أنه "طيلة حكم حافظ الأسد لسوريا كان يراجع (المجلس الملي العلوي) في كل قراراته، حيث يضم المجلس نخبة الطائفة العلوية من العسكريين البارزين وعلى رأسهم اللواء علي دوبا، واللواء علي حبيب، واللواء محمد ناصيف، ورجال الدين وبعض المثقفين، وخصوصاً من آل الأحمد وآل كنج وآل ناصيف وهواش وخير بيك ومخلوف"، وهي أبرز العائلات العلوية.
نقلاً عن أجداده، يذهب علي.م (48 عاماً)، وهو أحد أبناء الطائفة العلوية في محافظة اللاذقية غربي سوريا، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، إلى "تاريخ تشكيل الملة العلوية، الذي يعود إلى خمسينيات القرن الماضي (إبان انجلاء الاحتلال الفرنسي عن سوريا)، وكانت الطائفة العلوية حينها أكثر الطوائف السورية ولاءً لفرنسا، باعتبارها هي من خلصتهم من حكم العثمانيين"، وفق قوله.
وقال: "سعى العلويون خلال الاحتلال الفرنسي إلى إقناع الفرنسيين بمنحهم دولة علوية خاصة بهم، إلا أن ذلك لم يتحقق، ما دعا الطائفة العلوية غربي سوريا، وعبر عشائرها التي تنتشر من حدود تركيا شمالاً إلى حدود لبنان جنوباً، إلى تشكيل مجلس علوي (سراً)".
وأوضح أن الهدف من ذلك كان "إدارة شؤون الطائفة العلوية وضمانة حقوقها الاقتصادية والسياسية إبان خروج الفرنسيين من سوريا، وانخراط المجلس في ستينيات القرن الماضي في مؤسسات الدولة السورية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، عبر شخصيات علوية".
وتابع: "لعب هذا المجلس دوراً مهماً بوصول العلويين إلى الجيش السوري وتولي مناصب قيادية في الجيش، عقب حركة انقلابية قام بها ضباط علويون وإسماعليون ودروز، عرفت حينها باسم ثورة الثامن من آذار، ليتحول "المجلس العلوي" بعدها وحتى الآن إلى مجلس سياسي (سري)، يدير البلاد عبر حافظ الأسد وابنه بشار".
الحديث عن أسراره جريمة
من جانبه، قال م.ع، أحد الناشطين العلويين في ريف طرطوس، الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة، إن "غالبية العلويين يعلمون منذ ستينيات القرن الماضي، أن ثمة مجلساً للطائفة مكوناً سراً، يعمل على إدارة شؤون العلويين في سوريا، وكان مجرد الحديث عن موقع المجلس أو السؤال عن المنتسبين له يعرّض صاحبه للاعتقال، وأحياناً إلى الموت بطرق سرية وغامضة".
عن سبب ذلك، قال إنه يأتي "نظراً للسرية والغموض الذي يلف المجلس، وكل ما يدور بفلكه وما يصدر عنه من قرارات، وإن كل ما يعلم به العلويون من العامة هو أن هناك مرجعيات اجتماعية تناقش القضايا والشؤون العلوية فيما بينها، وترفع إلى القيادة السورية المتمثلة برأس النظام السوري السابق حافظ الأسد، لعدم إعطاء أي إشارة أو دليل على أنه فعلاً كان هناك مجلس خاص بالعلويين يدير شؤونهم ووصل إلى حد إدارة البلاد".
ولفت إلى أن "أحد الأسباب الأخرى التي كانت تضع المجلس الملي العلوي في حالة الغموض والسرية، هو إبعاد الصبغة الطائفة العلوية عن الحكم في سوريا، وضمان أمنها وسلامتها من أي حالة أو ردة فعل أو انتقام من أي طائفة سورية أخرى، فيما لو أقدم نظام الأسد، الأب والابن، على أي سلوك يضع العلويين ككل في موضوع الاتهام والمشاركة".
حليف روسي يؤكد وجود المجلس
كشف لقاء في 2015، أجرته قناة "روسيا اليوم" مع الفريق "فلاديمير فيودوف" الملحق العسكري الروسي السابق في دمشق، عن وجود هذا "المجلس الملي العلوي" في سوريا.
وأكد فيودوف خلال اللقاء، أن "روسيا أبدت مؤخراً المزيد من الاستعداد للتعاطي العلني مع المجلس الملي العلوي، فضلاً عن أن المجلس كان عاملاً حاسماً في حكم سوريا".
وأضاف: "توريث بشار الأسد ما كان ليتم لولا موافقة المجلس الملي العلوي، وأن موسكو تتفهم التركيبة الطائفية، والتعقيدات داخل الطائفة بين العائلات والعشائر المتنافسة، التي تطمح الآن لوراثة آل الأسد".
ولا يتوفر مزيد من المعلومات حول هذا المجلس، إلا أن العديد من الناشطين السوريين يقولون إن الجميع في سوريا يعلم به، ولكن لا تتوفر لديهم معلومات عن قيادته وأعضائه، ولا أماكن وجود مقراته.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.