منذ ساعات صباح الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، تشهد الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية عاصفة لم تهدأ بعد، عقب موافقة الحكومة على وصول مدرعات أمريكية إلى السلطة الفلسطينية وأسلحة ومعدات ومركبات مصفحة ومعدات تجسس متقدمة وتدريب خبراء سيبرانيين، قدمتها الولايات المتحدة، وتم نقلها عبر الحدود الأردنية.
رغم إعلان الحكومة الإسرائيلية أن هذه الوسائل القتالية ستستخدمها السلطة لمحاربة حماس وناشطي المقاومة، لكنَّ أوساطاً داخل الائتلاف اليميني اعتبروا الخطوة انصياعاً للضغوط الأمريكية بدعم السلطة.
أسلحة متنوعة
بدأت القضية بالكشف عن أن أسلحة تم نقلها من الأردن إلى السلطة الفلسطينية بموافقة إسرائيل، وشملت ناقلات جند مدرعة، ومركبات عسكرية، 1500 بندقية، قسم منها من طراز M16، والآخر من طراز كلاشنيكوف، وكلاباً لكشف المتفجرات، ووسائل لتفريق المظاهرات، بما فيها الهراوات وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، وكلها نُقلت من قواعد عسكرية أمريكية في الأردن، عن طريق معبر أللنبي.
تأتي هذه الصفقة العسكرية لتعزيز السلطة الفلسطينية، وأجهزتها الأمنية، التي تقدمت بطلب خاص بهذا الشأن للإدارة الأمريكية وبعض الأوساط الإقليمية، والتأكيد على أن هذه الأسلحة والعربات المدرعة ستُستخدم من قِبَل قوات الأمن الوطني التابعة للسلطة الفلسطينية لملاحقة المقاومة ومطاردة المقاومين في الضفة الغربية، خاصة في شمالها، حيث توجد مدينتا جنين ونابلس، ومخيماتهما التي شهدت تنفيذ المئات من العمليات الفدائية خلال العشرين شهراً الماضية، وتسببت بسقوط عشرات القتلى ومئات المصابين الإسرائيليين.
مسؤول فلسطيني أكد لصحيفة "إسرائيل اليوم" أن "المعدات التقنية الجديدة لقوات الأمن الفلسطينية تسمح بتنفيذ عمليات تجسس وجمع معلومات استخباراتية، بما فيها اختراق الهواتف المحمولة الفلسطينية، وهو إجراء لم يكن متاحاً للفلسطينيين حتى الآن بسبب المعارضة الإسرائيلية التي خشيت استخدام هذه الأجهزة لكشف العملاء الفلسطينيين الذين يعملون مع المخابرات الإسرائيلية، لكن هذه الأجهزة اليوم من شأنها أن تسهل على السلطة الفلسطينية تعقب المسلحين في مخيم جنين، والقيام بالاعتقالات".
مع أن أوساط الأمن الإسرائيلي تزعم أن المقاومة نشرت خلال العام ونصف العام شبكة متطورة من الكاميرات أتاحت لها مراقبة تحركات الجيش الإسرائيلي والأمن الفلسطيني على مدار الساعة، بالتالي فإن هذه المعدات الجديدة ستسمح للسلطة الفلسطينية باختراق هذا النوع من نظام الكاميرات، وسيقوم خبراء أردنيون وأمريكيون بتدريب عناصر الوحدة السيبرانية الفلسطينية الجديدة على كيفية استخدامها، وسيكون مقرها في بلدة بيتونيا؛ حيث مقر الأمن الفلسطيني.
دعم أمريكي إقليمي
ترتبط هذه الخطوة بعدة لقاءات عقدها أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، خلال الأسبوعين الماضيين، مع مندوبين أمريكيين وأردنيين، خاصة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في عمان لبحث الجهود المبذولة لوقف التدهور في الأراضي الفلسطينية، وإيجاد أفق سياسي حقيقي، وضرورة وقف الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية.
فيما أجرى رئيس السلطة محمود عباس عدة مباحثات مع قادة أجهزتها الأمنية، وأمرها بالتحرك بشكل حاسم ضد المقاومين الذين يظهرونها للأمريكيين والأوروبيين ككيان عاجز لا يستطيع السيطرة على الوضع الأمني، مع العلم أن مسؤولين أمنيين فلسطينيين طلبوا الحصول على هذه الأسلحة ومدرعات أمريكية إلى السلطة منذ أكثر من عام، لكن إسرائيل رفضت ذلك، وصادقت لاحقاً عليها عقب قمتَي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين.
كما تأتي هذه الخطوة عقب اتهام الجانب الأمريكي للسلطة الفلسطينية بعدم القدرة على محاربة الخلايا المسلحة المنتشرة في جنين ونابلس وطولكرم، وهي المناطق الساخنة في الضفة الغربية، فيما تواجه إسرائيل صعوبة في عملها دون مساعدة القوات الجوية والبرية، ما دفع الجانب الأمريكي لتفهم مطالب السلطة في هذا الشأن، ولذلك فقد بدأ العمل على تجهيزها بالمعدات اللازمة، سواء بناقلات جند مدرعة، أو أسلحة آلية حديثة لاستخدامها في العمليات ضد المقاومين في تلك المناطق.
وذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أن "نقل الأسلحة ومدرعات أمريكية إلى السلطة الفلسطينية يشكل خطوة واحدة بين سلسلة خطوات تجري دراستها، وأن خطوتين أخريين مشروطتين بتقديمها "إنجازات عملياتية" تنفذها ضد تنظيمات فلسطينية في جنين، وإعادة التنسيق الأمني بشكل رسمي".
لكنّ شرطين إسرائيليين لافتين واكبا الكشف عن هذه الصفقة، أولاهما أن توجه السلطة هذه الأسلحة ضد "مطلوبين" من حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، "وليس ضد مجرمين جنائيين"، وثانيهما أن تكون هذه الأسلحة بحوزة قسم من أجهزة الأمن الفلسطينية فقط، وهي: الأمن العام والأمن الوقائي والشرطة.
بداية العاصفة
كان واضحاً أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي معنيان بعدم الكشف عن الخطوة تحسباً لعدم ظهور معارضة داخلية لديهما، لاسيما الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي يدرك رئيسها بنيامين نتنياهو أنه سيواجه جملة ضغوط كبيرة عليه من شركائه الأكثر يمينية، لكن التسريبات التي خرجت في الساعات الأخيرة أفسحت المجال لاندلاع هذه العاصفة الإسرائيلية.
فقد بدأت ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة من هذه الخطوة، وتصدّر هذه الردود وزيرا المالية بيتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي إيتمار بن غفير، باتهامهما لنتنياهو بأنه من خلال هذه الخطوة يسعى لتشكيل حكومة تضم "المعسكر الوطني" برئاسة وزير الأمن السابق بيني غانتس، وهدّدا بأنه ستكون للخطوة عواقب، في تلميح لانسحابهما من الحكومة.
بن غفير خاطب نتنياهو بالقول إنه "إذا لم تتعهد بصوتك بأن النشر حول نقل أسلحة إلى "مخرّبي" السلطة الفلسطينية خبر خاطئ، فستكون لذلك عواقب، وإذا كنت تعتزم السعي لحكومة أوسلو 2، فرجاء أن تطلع وزراءك والجمهور، وسنعمل بما يلائم ذلك، لأن هكذا قرارات تنفذ دون موافقتنا".
أما مقربو سموتريتش، الذين يشغلون مناصب بوزارة الأمن، ومسؤولون عن الإدارة المدنية بالضفة الغربية، فقد كشفوا أنه "استشاط غضباً، معتبراً أن نقل الأسلحة ومدرعات أمريكية إلى السلطة الفلسطينية، بجانب الاتصالات في ديوان الرئيس الإسرائيلي حول خطة "الإصلاح القضائي"، هما ثمن يقدمه نتنياهو لغانتس من أجل تشكيل حكومة يسارية تسعى لإحياء اتفاقيات أوسلو، التي تصادف اليوم الذكرى السنوية الثلاثين للتوقيع عليها، مما سيدفعه لعقد مشاورات عاجلة مع أوساطه".
ليس ذلك فحسب، فقد اقتحم وزراء إسرائيليون مجموعة الواتساب الحكومية، عبّروا فيها عن رفضهم للقرار، وباءت محاولة سكرتير مجلس الوزراء يوسي فوكس تهدئة الاحتجاج الذي جاء بشكل رئيسي من وزراء الصهيونية الدينية والليكود، بالفشل.
اختلاف الائتلاف
بدأ المحادثة الساخنة على مجموعة الواتساب الوزارية، وزير المساواة الاجتماعية والمتقاعدين عميحاي شيكلي من حزب "العصبة اليهودية" بهجوم جاء فيه أنه "ببساطة أمر مثير للسخرية، ومن العار ألا يكون هناك على الأقل نقاش في مجلس الوزراء قبل الموافقة على منح الأسلحة ومدرعات أمريكية إلى السلطة، وكأننا نسينا أن من يرأسها أحد أكبر كارهي إسرائيل، منكر المحرقة، والمعادي للسامية (عباس)"، وفق تعبيره.
أما وزيرة الاستيطان من حزب "الصهيونية الدينية" أوريت ستروك، فطلبت: "لا تعطوهم أسلحة، إذا كانوا لا يعرفون كيفية الاعتناء بجنين وطولكرم ونابلس، ليتنحوا جانباً، لأنهم لا يقتلون الإرهابيين على أي حال، بل يأخذونهم للسجن في ظروف الفنادق، وإذا صادروا أسلحة منهم، لا ينقلونها إلينا، بل يأخذونها لأنفسهم، ولا نعلم إن كانت كل هذه الأسلحة ستنقلب ضدنا، نحن أمام اتفاقية أوسلو الثالثة".
في حين أن يوآف كيش، وزير التعليم من حزب الليكود، خاطب ستروك بقوله إنه "من المحتمل أن مثل هذه القرارات تم اتخاذها في المنتدى الذي يتواجد فيه رئيس حزبك، سموتريتش، وأقترح عليك التحدث معه، ونفس الشيء بالنسبة لعميحاي"، ليردّا عليه بالقول إنه "مسموح لوزراء الحكومة بالتعبير عن رأيهم في مثل هذه الخطوة الصادمة، وبالتأكيد بعد أن استفسرنا عن خطوة نقل مدرّعات أمريكية إلى السلطة، وقيل لنا إنه لا يوجد نقاش في مجلس الوزراء بشأنها، لأنه ليس هناك حاجة"، أما وزير الصحة موشيه أربيل من حزب شاس الديني، فوصف تسليم الأسلحة ومدرعات أمريكية إلى السلطة بأنه "غير محتمل".
أما توفيا سموتريتش، شقيق الوزير، فدعا لحلّ الحكومة، بالقول إنه "إذا كان هذا صحيحاً حقاً، فإن الذهاب لخامس انتخابات أخرى من شأنه أن يوقف هذا الجنون، أنا لست مهتماً بالإصلاح القانوني، لكن هناك أمور لست على استعداد لأن أكون جزءاً منها تخص التطورات في جنين ونابلس، لا تعطوهم أسلحة، لأنه إذا سمحتم لهم، فسوف يراق الكثير من الدماء هنا".
عضوة الكنيست تالي غوتليب من الليكود زعمت أن "الدولة العميقة واليسار يتسللان لقرارات الحكومة، وعليها أن تعود لرشدها، لا نحتاج أن نكون عباقرة، عدوّنا القاسي يريدوننا في البحر"، وكذلك اعتبر عضو الكنيست تسفي سوكوت من الصهيونية الدينية أن "توريد الأسلحة ودرعات أمريكية إلى السلطة الفلسطينية أمر فظيع، فظيع، وإذا كان هذا صحيحاً، فلا أعرف كيف أتعايش معه بأي شكل".
ليمور سان خار-ميلخ عضوة الكنيست من العصبة اليهودية، أكدت أن "التأكد من هذه الأنباء حول تسليم الأسلحة ومدرعات أمريكية إلى السلطة الفلسطينية لن يجعلنا جزءاً من هذا الائتلاف، ولن نجد أنفسنا مضطرين للبقاء في الحكومة".
لم تتوقف المعارضة الإسرائيلية لهذه الخطوة عند الائتلاف الحاكم فقط، بل تعدّتها لرؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية، الذين اعتبروا أن "هذه الخطوة إن كانت صحيحة، فهي جنون بالتأكيد"، كاشفين أنهم التقوا مع قائد المنطقة الوسطى بالضفة الغربية الجنرال يهودا فوكس، لكنه لم يطرح هذا الأمر في الاجتماع، فيما كشف مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أن الأمر لم يمرّ مباشرة عبرهم، رغم أنه قد يكون تم بالتشاور مع الأطراف ذات الصلة بالموضوع.
آري أوديس المرشح لرئاسة المجلس الاستيطاني في جبل الخليل، عقَّب على خطوة نقل الأسلحة بالقول إن "حكومة اليمين خسرت وهي تقوم بمحاولات مثل كارثة أوسلو مرة أخرى على حساب دمائنا، لأن كل عاقل يدرك أنه لا قيمة لالتزامات السلطة الفلسطينية، وعاجلاً أم آجلاً سيوجه هذا السلاح إلينا".
لم ينتظر مكتب نتنياهو كثيراً أمام هذه الاتهامات، حيث عقّب بالقول إنه "لا حدود للأخبار الكاذبة، ونقل الأسلحة الحالية هو تطبيق لقرار من حكومة نفتالي بينيت السابقة، لأنه منذ تشكيل هذه الحكومة لم تنقل أي أسلحة، ولا حتى سلاح واحد، للسلطة الفلسطينية، ما فعلناه هو تنفيذ قرار اتخذه وزير الأمن بيني غانتس في حكومة بينيت- لابيد في يناير 2022، بنقل عدد من العربات المدرعة لتحل محل مركبات مدرعة أخرى عفا عليها الزمن"، لكنّ مسؤولين في الحكومة السابقة نفوا أي قرار اتخذته بهذا الخصوص.
فيما أصدر مكتب وزير الأمن، يوآف غالانت، بياناً دفاعياً عن نفسه جاء فيه أنه "خلافاً للصورة الكاذبة التي تتعالى من التقارير المنشورة، فإنه منذ دخوله منصبه، لم تتم المصادقة على نقل أسلحة أو وسائل قتالية للسلطة الفلسطينية، وما تم نقله فقط عشر مركبات محصّنة لتفريق مظاهرات من أجل تمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة في جنين ونابلس".
هجوم المعارضة
في الوقت الذي يبدو مفهوماً الهجوم الذي شنه أقطاب الائتلاف اليميني على الحكومة بسبب موقفهم من السلطة الفلسطينية، ودعوتهم لحلّها وإسقاطها، فقد جاء الهجوم الذي شنه أقطاب المعارضة على الحكومة لافتاً، ليس لأنهم ضد نقل هذه الأسلحة للسلطة الفلسطينية، ولكن رغبة منهم بإظهار تناقض الحكومة الحالية، وعجزها عن حماية الإسرائيليين.
عضو الكنيست، هيلي تروفر، من حزب أزرق-أبيض، ردّ على اعتراضات الائتلاف بالقول إنه "من الأفضل للحكومة أن تتعامل مع تعزيز الأمن، والاقتصاد، ورأب الصدع، بدلاً من تصدر العناوين الرئيسية، وتحويل المسؤولية للآخرين كما فعلوا منذ عشرة أشهر".
لابيد ينفي الموافقة عليها
رئيس المعارضة يائير لابيد "نفى الادعاء بأن نقل أسلحة ومركبات للسلطة الفلسطينية تمت الموافقة عليها خلال ولاية حكومته السابقة، لم يحدث ذلك في عهدنا، وحتى لو حدث، فالسؤال الذي يطرح نفسه: من فتح البوابة لهذه التسليمات هذه الأيام؟"، فيما ذكر المتحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق التابع لوزير الأمن أنه "لم يتم نقل أي أسلحة إلى السلطة الفلسطينية خلال العام الماضي".
عضو الكنيست المعارض زئيف إلكين تساءل عقب الكشف عن هذه الخطوة بقوله: "هل نحن أمام حكومة يمينية في عهدها ما زالت العمليات الفلسطينية تشتعل؟"، كما اتهم المعسكر الوطني المعارض "الحكومة بأنها تبني نظريات المؤامرة حول أمن الدولة، وتديرها في وسائل الإعلام، وهي لا تستحق ذلك، ولا يمكنها الحفاظ على أمن مواطني إسرائيل".
بالعودة سنوات إلى الوراء، فقد شهد 2007 إبان ولاية رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت ووزير الأمن عمير بيرتس نقل 1000 بندقية كلاشينكوف للسلطة الفلسطينية؛ وفي 2018 عندما كان نتنياهو رئيساً للوزراء وأفيغدور ليبرمان وزيراً للأمن تم نقل 530 بندقية؛ وفي 2021 الذي شهد تولي نتنياهو وبينيت رئاسة الحكومة بصورة متوالية، وبقي غانتس وزيراً للأمن في الحكومتين، تم نقل 30 قطعة سلاح فقط، وفي 2022، في عهد غانتس خلال حكومة بينيت- لابيد تمت الموافقة على نقل 100 قطعة سلاح، ما يجعل الصفقة الجديدة الحالية هي الأولى لعام 2023.