تسعى الجزائر لإيجاد صيغة سياسية سلمية مقبولة في النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي طال البلاد هناك، في الوقت الذي وصل فيه المبعوث الفرنسي الخاص المكلف بالساحل كريستوف بيجو، إلى الجزائر، لإجراء محادثات مع المسؤولين في الخارجية الجزائرية، حول الأزمة القائمة في النيجر، والوضع في منطقة الساحل بشكل عام، إضافة إلى قضايا تخص العلاقات الثنائية والاستحقاقات المقبلة، وهي خطوات تستهدف البحث عن مخرج للأزمة في المنطقة بالكامل والتي ترى حركة مجتمع السلم الجزائرية في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنها أزمة تستهدف استقرار الجزائر في المقام الأول.
كان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، قد سلم نسخاً من مبادرة بلاده لحل أزمة النيجر، إلى عدد من سفراء دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" لدى بلاده. وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان، إن عطاف استقبل سفيرة نيجيريا عائشة محمد عازب، التي تترأس بلادها حالياً مجموعة "إيكواس"، إضافة إلى سفراء السنغال سريني دياي، وكوت ديفوار فوهو ساهي، وغينيا بيساو ممادو جالو، لدى بلاده، وفق البيان.
وسبق أن أعلن عطاف عن مبادرة لحل الأزمة في جارة بلاده الجنوبية النيجر، تفضي إلى عودة النظام الدستوري بعد 6 أشهر وقال إن المبادرة تشمل 6 محاور، بينها تعزيز مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية، وصياغة ترتيبات بموافقة جميع الأطراف دون إقصاء لأي جهة، تحت إشراف سلطة وطنية تتولاها شخصية وطنية تحظى بقبول جميع الأطراف في النيجر.
حركة مجتمع السلم تكشف أسباب الانقلاب في النيجر والساحل
من جانبه قال عبد العالي حساني شريف رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن القارة الأفريقية، خاصةً منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، تشهد حراكاً سياسياً واجتماعياً متسارعاً، ساهم في إحداث تغيرات سياسية وعسكرية متصلة بالتحولات العالمية الكبرى التي تؤسس لتغيير عميق في البنية الجيوسياسية للنظام العالمي، بوجود منطقة الساحل الأفريقي باعتبارها قلب أفريقيا؛ لما تتمتع به من توفر للموارد الطبيعية والبشرية الهائلة ولما تحوزه من تنوع ثقافي وايكولوجي واقتصادي كبير، وأضاً لكونها منطقة صراع نفوذ عالمي مرتبط بالماضي الاستعماري والحاضر الاقتصادي، ما شكّل مسرحاً حقيقياً لحراك سياسي إفريقي شعبي وعسكري.
اضاف حساني في تصريحاته لـ"عربي بوست": " شهدت المنطقة انقلابات عسكرية منذ سنة 2021 مست أهم دول الساحل، هي مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وغينيا والسودان والغابون، ولعل المتتبع لهذا السياق المتحول في المنطقة، يؤكد تطابق الدوافع وتشابه المظاهر وتماثل المآلات".
دوافع الانقلاب في النيجر ودول أخرى
كشف حساني أن دوافع هذه الانقلابات هي المسؤول والمتسبب في الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتمثل في المستعمر الغربي القديم، الذي بقي متحكماً في المصير السياسي للدول الأفريقية المنضوية تحت المظلة الفرانكوفونية، ووقوفه إلى جانب الأنظمة الاستبدادية والانقلابية لأجل رعاية مصالحه والاستمرار في النهب المقنن للثروات التي تزخر بها المنطقة.
كذلك فإن أحد الأسباب التي دفعت إلى ذلك هي حالة الفقر والتخلف والانتشار الواسع لكل عوامل التفكك الاجتماعي والتخلف الاقتصادي، والتي كرست بقاء شعوب هذه الدول في دائرة المآسي المتعددة، ودفعتها إلى الثورة ضد هذا الواقع المرير بكل أسلوب متاح، حتى ولو كان ذلك انقلاباً عسكرياً مناقضاً للأساليب الديمقراطية للوصول إلى السلطة.
إضافة إلى مساهمة مكونات النظام العالمي القديم في الإبقاء على دول المنطقة ضمن بؤر التوتر التي تشكل نقاط تجاذب بين معسكرات الصراع التقليدية.
كذا للإبقاء على دول المنطقة مسرحاً لممارسة كل أنواع الجريمة المنظمة العابرة للبلدان كالاتجار بالسلاح وتهريب المخدرات، ونهب المعادن النفيسة وتدفق أمواج البشر نحو الهجرة غير الشرعية.
أضاف حساني أن أحد أسباب الانقلاب في النيجر وفي دول أفريقية أخرى هو استهداف استقرار دول الشمال الأفريقي، خاصةً الجزائر، باعتبارها دولة مناهضة للسياسات الاستعمارية والغربية القائمة على تكريس التطبيع.
الجزائر ترفض الحل العسكري في النيجر
أشار رئيس حركة مجتمع السلم إلى أن الجزائر باعتبارها المعني الأول بأمن واستقرار المنطقة وسبق أن تحملت اتفاقات تفاهم وسلام في كل من مالي والنيجر؛ عملت منذ الوهلة الأولى على الدعوة إلى تجنب الحلول العسكرية واستنفاد المساعي السلمية القائمة على الحوار وتطبيع الحياة السياسية.
وشدد على أن ما حدث في النيجر وفي دول أفريقية أخرى يجب أن يعمل على تحقيق الاستقلال التام عن كل أشكال التبعية للمستعمر القديم، والتخلص من الأنظمة المستبدة التي عملت على استمرار هذه التبعية.
أضاف أن موقف حركة مجتمع السلم ينطلق من المبادئ الدستورية والسياسية القائمة على رفض التدخل الأجنبي في السياسات الخاصة بهذه البلدان سواء من الناحية العسكرية أو السياسية، وكذا عدم اللجوء إلى الحلول العسكرية التي تساهم في تعميق هذه الأزمات واستفحالها، وتدعو إلى ضرورة العودة إلى الحياة الدستورية القائمة على التداول الديمقراطي للسلطة، ودعم كل الجهود الرامية إلى حل الأزمة عبر الحوار والأساليب الديمقراطية.
إضافة إلى دعم مبادرة الجزائر المنبعثة من الحرص على الاستقرار، والحفاظ على الأمن القومي لدول المنطقة، وإبعاد كل عناصر التمزيق والتفتيت.
يذكر أن الجزائر تسعى من خلال التحركات الدبلوماسية، إلى إيجاد حل سياسي للأزمة التي دخلتها النيجر، عقب إطاحة مجموعة من الضباط بالرئيس محمد بازوم، في 26 يوليو/تموز 2023. وتعتقد الجزائر أن فرص التسوية السلمية ما زالت قائمة، وأن خيار استخدام القوة الذي تلوح به "إيكواس" ضد قادة الانقلاب في النيجر "تهديد مباشر لها". وتشترك الجزائر والنيجر في حدود يبلغ طولها أكثر من 950 كيلومتراً.
في حين تطالب دول "إيكواس" (تضم 15 دولة) وفرنسا قادة انقلاب النيجر بإطلاق سراح بازوم، وإعادته إلى منصبه، وهو ما قوبل بالرفض حتى الآن.