بالتزامن مع تصاعد الأزمة الإسرائيلية المستحكمة، والتحذيرات المتزايدة من تبعاتها المترتبة، داخلياً وخارجياً، فقد تواترت الأنباء عن "طوابير" الإسرائيليين أمام مقار السفارات الأوروبية في تل أبيب بغرض الحصول على جوازات سفرها.
وكشفت مكاتب سياحية غربية تعمل في إسرائيل عن إقبال لتحصيل جوازات بجانب الجواز الإسرائيلي، لاسيما في ضوء تصاعد الدعوات بالهجرة من إسرائيل بسبب الأزمة الداخلية، عقب إعراب الإسرائيليين ذوي الميول الليبرالية عن اهتمام متزايد بالهجرة للخارج.
طوابير السفارات
وأعلنت دائرة الهجرة والحدود البرتغالية (SEF) أن 21 ألف إسرائيلي تقدموا بطلبات للحصول على جنسيتها منذ بداية العام، وجاءوا في المرتبة الأولى بين الجنسيات الأخرى، رغم أن القليل منهم يختارون العيش في البرتغال، حيث يعيش فيها 569 منهم فقط، من أصل 60 ألف إسرائيلي يحملون جنسيتها.
مع أن السهولة التي يحصلون بموجبها على جوازها تعود لقانون "عودة الأحفاد"، الذي أصدرته عام 2015 لمن تعتبرهم أحفاد اليهود المطرودين خلال محاكم التفتيش في القرن الـ16، المعروفين باسم "السفارديم"، وتتمتع الجنسية البرتغالية بجاذبية واسعة النطاق للإسرائيليين، أهما أنها تتيح حرية التنقل، وتكاليف معيشتها أقل من إسرائيل.
في الوقت ذاته، باتت مكاتب المحاماة الإسرائيلية التي تعمل لتسهيل حصول الإسرائيليين على الجنسيات الأوروبية، عنواناً مقصوداً للآلاف منهم لهذا الغرض، ومنها مكاتب "توتي أشفال" و"عميحاي زيلبربيرغ" و"درور حايك"، التي أعلنت أن هناك زيادة بنسبة 10% في عدد الاستفسارات الجديدة بخصوص الجنسيات البرتغالية والألمانية والبولندية منذ تشكيل الحكومة الحالية.
كما انتشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الكثير من أحاديث الإسرائيليين حول الهجرة وإصدار جوازات السفر الأجنبية، وباتت الكلمة الأكثر شيوعاً في عمليات البحث على محرك جوجل في إسرائيل هي "الانتقال"، وتشكلت على فيسبوك مجموعة تسمى "ترك الأرض معاً"، وتعلن أننا قررنا بعد التغيير الذي شهدته إسرائيل تنظيم مجموعات لمغادرتها.
تضاعف طلبات السفر للاتحاد الأوروبي
يُظهر الفحص الذي أجرته الجهات الإسرائيلية مع السفارات الأجنبية وشركات المحاماة العاملة في هذا المجال أنه منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عقب إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حصلت زيادة كبيرة في عدد الطلبات الإسرائيلية المقدمة للحصول على جنسية دول الاتحاد الأوروبي، مما يمنح حامليها فرصة العيش والعمل والدراسة في جميع أنحاء الاتحاد.
وفي الشهور الأخيرة حصلت زيادة بـ10٪ في الطلبات الإسرائيلية الجديدة للحصول على الجنسية الألمانية، وذات النسبة للحصول على الجنسية البرتغالية.
من جهتها كشفت السفارة الفرنسية في إسرائيل عن زيادة مماثلة في عدد طلبات الحصول على جنسيتها، إذ تلقت في أكتوبر/تشرين الأول 1210 طلبات، إلا أن العدد في نوفمبر/تشرين الثاني بعد الانتخابات ارتفع إلى 1365، بزيادة 13٪.
وتشير التقديرات إلى أن هذا الاتجاه سيستمر، لأن المعدلات في أعوام 2020 و2021 و2022 تظهر قفزة بـ45٪ في عدد الطلبات، لكن الطلبات قفزت منذ نوفمبر 2022 إلى 6 أضعاف.
مكتب الاتحاد الأوروبي في تل أبيب أقرّ بحصول زيادة في عدد الراغبين الجدد بالحصول على جنسيات دوله، فيما رفضت سفارة الولايات المتحدة الإجابة عن سؤال عما إذا كان هناك تغيير في عدد طلبات الحصول على جنسيتها.
مفاضلات الدول
بات الشغل الشاغل الذي يؤرق آلاف الاسرائيليين في ظل التوترات التي شهدتها الدولة مؤخراً هو بحثهم عن اسم الدولة التي سيحصلون على جواز سفرها، والانشغال في محاولة توفير إجابات عن تساؤلات.
ويتساءل الإسرائيليون: ما الدول التي تمنح جوازاتها لهم دون تعقيد؟ وكم تطلب من دفع مبالغ مالية؟ وما تلك التي خففت شروط منحها لجواز سفرها؟ بل وصل الأمر بالإسرائيليين للإقبال على للتعرف على الأنظمة القانونية ذات العلاقة بالتجنيس، وأسماء الدول التي تفتح أبوابها للإسرائيليين الباحثين عن ملجأ في الخارج؟
ويعتقد الإسرائيليون أن حصولهم على واحدة من الجنسيات الأوروبية يعتبر من الخيارات الأكثر تفضيلا بالنسبة لهم، لأنهم يشعرون أنه يفتح لهم نافذة من الفرص، ويسمح لهم بزيارة الولايات المتحدة بسهولة أكبر.
فالإسرائيلي ذو الجواز الإسرائيلي يجب أن يمرّ عبر القنصلية الأمريكية للحصول على تأشيرة، أما حين يصبح أوروبياً، فما عليه سوى الاتصال بالإنترنت، وملء نموذج، ودفع الرسوم الأساسية، وهكذا يصبح الإجراء أبسط.
كما عمدت مكاتب السفر والهجرة والجنسية لإغراء الإسرائيليين الراغبين بالحصول على جواز السفر الأجنبي مقابل الاستثمار، وعمّمت في شبكات التواصل نشرات توضيحية وجدت طريقها عبر الإعلانات الممولة.
الأمر يشجع الإسرائيليين للحصول على جواز السفر الأوروبي أن هناك 28 دولة تقع ضمن الاتحاد الأوروبي، وجواز سفر أي واحدة منها يسمح لهم بدخول أكبر عدد من بلدانه دون أي إجراءات، ويمكنهم من العيش في أوروبا كلها، والدراسة مجاناً فيها، ونقل هذا الامتياز لأطفالهم، باعتبار ذلك أحد أشكال الأمان.
ولقد تنامت خلال الأشهر الماضية بصورة ملحوظة العديد من المؤشرات في أعداد الإسرائيليين الراغبين في الحصول على جوازات سفر أوروبية، ووصلت أعدادهم لأرقام غير مسبوقة، بجانب تزايد استفساراتهم للحصول على تأشيرة هجرة وإقامة دائمة.
دبلوماسي أوروبي، أخفى هويته، أكد لصحيفة يديعوت أحرونوت، "التقارير بشأن تدفق الإسرائيليين على السفارات الأجنبية، وأن هناك المزيد من عائلاتهم الراغبة بالحصول على جوازات السفر الأوروبية، وأن طوابير الانتظار تتزايد لتصل أعدادا لم نشهدها من قبل، ونشعر أن الأمر أصبح ظاهرة.
وفيما يربط بعض الإسرائيليين الأمر بالتشريع القضائي، يعتقد البعض الآخر أن السبب هو ارتفاع تكاليف المعيشة في إسرائيل".
وممن رصدت هذه الظاهرة سفارات فرنسا وهولندا ورومانيا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا، التي أعلنت أنه خلال الشهور الماضية حدثت زيادة في طلبات الحصول على جوازات سفرها.
من المفارقات أن إمارة دبي، في الإمارات العربية المتحدة، باتت أحدث وجهة بديلة للراغبين في النزوح عن إسرائيل، بل إن بعض المشاهير ورجال الأعمال الإسرائيليين اختاروها موطناً لهم.
الجواز أولا ثم الهجرة
في المقابل، فإن تصاعد الأزمة الإسرائيلية القانونية تدفع المزيد من الإسرائيليين للتفكير بالانتقال للخارج، فيما تعلن شركات استشارات الهجرة عن زيادة نشاطها، وتبلغ الشركات المتخصصة في إصدار جوازات السفر الأجنبية وإعادة التوطين عن "طوفان من الاستفسارات".
أما هيئة الإسكان الإسرائيلية، فتزعم أنه ليس لديها معلومات عن عدد طلبات الحصول على الجنسية الأجنبية، لكن الضغوط محسوسة بشكل جيد في الميدان، وفي الواقع الافتراضي، تزايدت مجموعات فيسبوك وواتساب التي تتناول موضوع الحصول على الجواز الأجنبي تمهيدا للهجرة من إسرائيل،.
ودفع التهديد الذي يتعرض له النظام السياسي الإسرائيلي بالعديد من الإسرائيليين للتفكير بـ"خطة هروب"، والبدء بالاستفسار عن الوجهات المحتملة للهجرة، وتم نشر منشورات لطلب المشورة والمساعدة والأسئلة العملية حول الهجرة.
ليو بيكمان رئيس المعهد الإسرائيلي للتطور، أكد أن "الإسرائيليين يخشون ما يحدث، وهناك زيادة في نسبة طلبات الحصول على الجنسية الأجنبية، ويسارعون للحصول على جواز سفر أجنبي".
وأضاف المتحدث أن "إسرائيل لم تعد مكاناً مناسباً للعيش فيه، والإسرائيليون يسألون: أين المكان الجيد لشراء عقاراتهم، وأين يمكنهم تحويل أموالهم للاستثمار، وهم بذلك يمهدون الطريق للهجرة".
عديدة هي الأسباب التي دفعت الإسرائيليين للتقدم بطلبات الحصول على جوازات أجنبية، أهمها أن العلاقة الطبيعية وغير المشروطة التي ربطتهم بدولتهم تضعضعت الآن.
وفجر غيورا شالغيه الرئيس السابق لشركة رفائيل لأنظمة الدفاع التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، تصريحاً كشف من خلاله أنه "لم يعد هو وأحفاده متحمسين للبقاء في إسرائيل".
وتصدر اعترافه هذا عناوين الصحف لأنه يعدّ بالمعايير الإسرائيلية "أيقونة الالتزام الإسرائيلي"، رغم أن هناك عشرات الآلاف الآخرين يفكرون بالخروج من إسرائيل، لكنهم لا يتصدرون عناوين الأخبار.
مع العلم أنه حتى وقت قريب، كان يُنظر للهجرة من إسرائيل أنها ضرب من الأعمال التي ترقى لمستوى الخيانة، لكن النظرة تغيرت الآن، والنتيجة القائمة حالياً أن الحصول على جواز سفر ثانٍ في هذه المرحلة يعتبر لمعظم الإسرائيليين نوعاً من التأمين للأيام المقبلة.
وبالتزامن مع الظاهرة الجديدة لحصول الإسرائيليين على جوازات سفر أجنبية، فقد ظهرت حركة يهودية تُدعى "نغادر البلاد معاً"، تسعى لتجنيد 10 آلاف إسرائيلي لمغادرة إسرائيل، على خلفية الانقلاب القانوني.
ويقود الحركة يانيف غورليك، أحد الناشطين في التظاهرات ضد نتنياهو، وبجانبه أحد ناشطي "الكونغرس الصهيوني" مردخاي كهانا، رجل أعمال إسرائيلي أمريكي، الذي قرّر مساعدة الإسرائيليين للمغادرة لأمريكا، بعد سنوات طويلة من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وأوكرانيا لإسرائيل.
ترى هذه الحركة أنه حان الوقت لتقديم بديل للحركة الصهيونية في حالة استمر تدهور الوضع في إسرائيل، لأن نتائج الانتخابات الأخيرة، وإجراءات الحكومة الحالية قد تدمّرها.
وترفع الحركة شعار "كيبوتس..الخطة ب" من داخل مزرعة بولاية نيوجيرسي الأمريكية، حيث تلقت عشرات الطلبات من إسرائيليين علمانيين للحصول على الهجرة، ممن يديرون شركات تكنولوجيا صغيرة يرغبون بنقل مكاتبهم للولايات الأمريكية.
ولم تأت رغبة عشرات آلاف الإسرائيليين للحصول على الجواز الأجنبي بصورة اعتباطية، بل متزامنة مع تصاعد أعداد من يريدون مغادرة الدولة لأسباب كثيرة، وتتحدث آخر المعطيات أن أكثر من ربعهم يفكرون بذلك، وبدأ بعضهم في التحرك بهذا الاتجاه، لما يواجهونه من دولة منقسمة، ومخاوف من حرب أهلية.
كابوس اليوم التالي
تتزامن هذه المعطيات الإسرائيلية مع النقاش الذي تشهده العديد من المنظمات والحركات الإسرائيلية حول "اليوم التالي"، حيث تسعى العديد منها لتحويل الأزمة إلى فرصة، في ظل ما يواجهه الإسرائيليون من ارتباك وخوف وتردد، وقد باتوا يتداولون أفكاراً حول الحكم الذاتي، وفك الارتباط الجزئي، ومعارضة المعسكرات، وإنشاء كانتونات داخل الدولة لكل جزء من اليهود على حدة.
ويعود تنامي أفكار الإسرائيليين للحصول على الجواز الأجنبي إلى التظاهرات الضخمة الرافضة للانقلاب القضائي، وبدء كل عائلة يهودية تفكر بنفسها، مع احتمالات الانتقال والهجرة، معاً أو بشكل منفصل.
وأصبح الكثير من اليهود غير مقتنعين بأن مستقبلهم ليس هنا، وقد تكون هذه التحركات بداية وداعهم للدولة، مع تزايد أحاديثهم عن حزم الأمتعة، والمغادرة، ما دام الوضع سيصبح أكثر خطورة مما هو عليه الآن.
ومعظم الإسرائيليين الذين يفكرون في الحصول على جواز سفر أجنبي لا يعرفون مخرجاً آخر، والوضع الحالي يضطهدهم، وقد لاحظوا أن هناك جملة عمليات ديموغرافية وأيديولوجية تخيفهم، مما يجعل من البيانات التي تتحدث عن الطوابير المصطفة أمام السفارات الأجنبية مثيرة، لأن أكثر من ربع اليهود في إسرائيل يجيبون بالإيجاب حين سئلوا عما إذا فكروا بمغادرة الدولة، أو حثوا أطفالهم عليها، أو ما إذا بدأوا بخطوات نحوها.
الاستطلاع الذي أشرف عليه البروفيسور كاميل فوكس لعينة تمثيلية من ألفي إسرائيلي كشف أن أكثر من ربعهم يعتبر أن مغادرة الدولة خيار معقول، وتقول نسبة أخرى إنهم بدأوا بالتحرك بهذا الاتجاه.
وبلغة الأرقام، فإن مليوني إسرائيلي يفكرون بالهجرة، وكلما زاد دخلهم زاد احتمال تفكيرهم بالمغادرة، فمن لديهم المال يمكنهم تحمل نفقات الهجرة، ونضيف هنا رقماً آخر، وهو أن نفس نسبة الإسرائيليين الذين يفكرون بالهجرة، يفكرون بسحب الأموال من الدولة.
اللافت أنه فيما تنشط إسرائيل لاستقدام آلاف اليهود حول العالم، واستغلال الحرب الأوكرانية لإفساح المجال أمام هجرة اليهود الروس والأوكرانيين، فإن بيانات الهجرة من داخل إسرائيل لخارجها تشهد قفزة حادة في أعدادهم، فيما يمكن تسميتها بـ"الهجرة المعاكسة"، لأسباب مختلفة، وبلغ عددهم 756 ألفاً نهاية 2020، ويقيمون حالياً في الخارج.
وتعيد الظاهرة الإسرائيلية الجديدة في 2023 لأذهان الإسرائيليين ظاهرة مشابهة في 1990 حين غادر الدولة 14 ألف يهودي بسبب تدهور الوضع الأمني الناجم عن انتفاضة الحجارة.
ثم ارتفعت مرة أخرى إلى معدل حاد بلغ 18 ألفاً عند اشتداد العمليات الاستشهادية في 1993، وفي عام 1995 حصلت قفزة أخرى في الهجرة إلى الخارج بلغت 19 ألف مهاجر، وهذه أرقام مثيرة للقلق الإسرائيلي.
وكشفت إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي أن ما بين 572-612 ألف إسرائيلي يعيشون خارج الدولة، ولا يشمل هذا التقدير عدد من وُلدوا في الخارج، مما أعاد من جديد المخاوف الإسرائيلية من نقص أعدادهم لأسباب كثيرة.
وهذه الهجرة العكسية تحيي مخاوف إسرائيلية قديمة من تأثر أعداد الإسرائيليين الملتحقين في صفوف الجيش، فضلاً عن كون المسألة قد تحمل في طياتها، ولو بصورة غير واضحة حتى الآن، فكرة التخلي عن إسرائيل، رغم أن هؤلاء المهاجرين العكسيين قد يكونون غادروا الدولة لأسباب مختلفة: اقتصادية، أمنية، شخصية، أو الالتحاق بالأسرة الممتدة.
الفشل الصهيوني
إن الإقبال الإسرائيلي المتزايد على طلب الجواز الأجنبي، والتفكير بمغادرة الدولة، دفعت بالرئيسة السابقة للجنة استيعاب المهاجرين في الكنيست "كورت أفيتال" للقول إنه "لأول مرة في تاريخ الصراع، أثبت الفلسطينيون للإسرائيليين أن الاحتلال أمر مكلف، لدرجة أنهم ودون أسلحة متطورة وحديثة، خلقوا ميزان رعب، ولم يكن بالصدفة أن عدد المهاجرين من إسرائيل يفوق عدد القادمين إليها في السنوات الأخيرة، فقد وصل معدل عدد القادمين 21 ألفا، بينما وصل عدد المهاجرين منها 27 ألف يهودي.
أما رئيس بلدية القدس الأسبق، تيدي كوليك، فاعتبر ذلك فشلاً للمشروع الصهيوني الذي عجز عن جلب اليهود للدولة، قائلاً إن "المرء لا يكاد يصدق ما تراه عيناه، وهو يرى الحجم الكبير للهجرة العكسية من إسرائيل للخارج، فاليهود لا يهمهم العيش في دولة يهودية، بقدر ما يعنيهم العيش في بيئة آمنة ومربحة".
مع العلم أن "المهاجرين الإسرائيليين الجدد" خارج إسرائيل، ممن يسعون للحصول على جواز سفر أجنبي جديد، أو يهاجرون للدول الأوروبية، يوصفون بأنهم نشطاء بارزون في المنظمات اليسارية، ومنها "صندوق إسرائيل الجديد" و"كسر جدار الصمت" و"بيتسيلم" و"ائتلاف النساء من أجل السلام".
وبالتالي نحن أمام فئة من النشطاء المثقفين والمتعلمين، وليسوا من عوام الإسرائيليين، مما يعني إدراكهم أن المشروع الصهيوني وصل نهاياته، ولا أمل لهم بالبقاء في هذه الأراضي المحتلة، وبتراجع اهتمامهم في الدولة اليهودية، بل إنهم يديرون خطاباً نشطاً يقظاً ضد المشروع الصهيوني بأكمله، يدعون لإعادة قراءة أحداث النكبة، وحقيقة حدود 48 و67.
الحديث لا يدور عن عشرات من النشطاء، بل عن صف طويل من الإسرائيليين الذين يتبنون خيار الانشقاق عن الدولة، والدعوة للتخلي عنها، ويعتبرون حصولهم على جواز سفر أجنبي اعترافاً منهم بفشل نضالهم من داخل إسرائيل بتغييرها، وباتوا اليوم مقيمين في العواصم الأوروبية مثل لندن وباريس وبلجيكا وأمستردام وأستراليا ونيويورك وسواها.
وتعيد هذه الظاهرة إلى الأذهان نتائج استطلاع للرأي بين الإسرائيليين، كشف أن 40% منهم يفكرون في الهجرة المعاكسة، وطرحوا لذلك تفسيرات عديدة، كالتدهور الحاصل في إسرائيل لأسباب كثيرة، كالوضع الاقتصادي، وعدم المساواة، وخيبة الأمل بسبب تعثر التسوية مع الفلسطينيين.
في الوقت ذاته، فإن فشل الحل السياسي مع الفلسطينيين دفع أوساطاً عديدة من الإسرائيليين لإظهار مزيد من علامات القلق الدالة على اليأس، ويتقدم الكثير منهم للحصول على الجنسية الأجنبية، حرصاً على مستقبل أطفالهم، على اعتبار أن بعضهم يقول بصوت عالٍ إن إسرائيل لن تكون موجودة لفترة طويلة، وأن إقامتها من الأساس كانت مغامرة فاشلة، ولذلك فهم يعيشون حالة متشائمة، تضعف قدرتهم على تحمل الواقع، ويحثون على الهروب قبل وقوع الكارثة.