خرجت محافظة السويداء عن سيطرة النظام السوري عسكرياً وإدارياً، بحسب ما أكدته مصادر محلية هناك لـ"عربي بوست"، موضحة أنه تم توقف العمل بالإدارات الحكومية ما عدا أفران الخبز، وسط مطالب بتطبيق ما يشبه "نموذج إدلب" في السويداء التي تحكمها فصائل محلية بإدارة مدنية شمال البلاد.
وتشهد السويداء إضراباً عاماً وعصياناً مدنياً وخروج الأهالي بالمظاهرات الشعبية اليومية المناهضة للنظام السوري، في المنطقة ذات الغالبية الدرزية، جنوب سوريا، لليوم الـ17 على التوالي.
تأتي هذه التطورات استكمالاً لحراك مفتوح، احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بعد أن لاقت دعماً من شخصيات ومرجعيات "درزية" دعمت الاحتجاجات مع توسعها إلى عموم المحافظة، مطالبة بإسقاط النظام السوري، وفرض تنفيذ القرار الأممي "2254"، الذي يقضي بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، مع نقل السلطة إلى حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية تحت مظلة "الأمم المتحدة ومجلس الأمن".
مطالب بتطبيق "نموذج إدلب"
مع ارتفاع سقف مطالب المحتجين في محافظة السويداء، وقناعتهم بـ"عدم قدرة النظام السوري على تلبية مطالبهم الرئيسية الأولى" المتعلقة بتوفير الكهرباء والماء والوقود والمواد الغذائية والدواء وضبط الأسعار وإنقاذ الاقتصاد، طالب محتجون بنموذج مشابه لمحافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية التي تخضع لسلطة المعارضة السورية واتفاقية "خفض التصعيد"، وتطبيقه في السويداء.
والمناطق المذكورة، أُقرت باتفاق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وإيران في 4 مايو/أيار 2017، وهي الدول التي لها وجود عسكري في الشمال السوري.
بدأت هذه المناطق بعدها، استقراراً نسبياً على الصعيد الأمني والعسكري، في حين شكّلت القوى الفاعلة في إدلب حكومة محلية، لتنظيم الحياة المدنية والإدارية وتوفير خدمات أخرى للمواطنين، وفي مقدمتها الكهرباء التي وفرت على المواطنين الكثير، وشجعت رؤوس الأموال من السوريين المحليين والمغتربين على إطلاق مشاريع صناعية، قلصت من خلالها حجم البضائع والسلع المستوردة من تركيا ودول غربية.
أسهم ذلك بخفض أسعار السلع على جيوب المواطنين، وبات مضرب مثلٍ لدى المحتجين في السويداء.
من جهته، قال أحمد شقير من محافظة السويداء لـ"عربي بوست": "باتت الظروف ملائمة جداً للانتقال بمحافظة السويداء من محافظة خاضعة لسلطة النظام السوري الذي أثبت فشله بإدارة سوريا اقتصادياً وغذائياً وإنسانياً وحتى أمنياً، إلى محافظة أشبه بنموذج إدلب في السويداء، التي يعيش سكانها شمال البلاد منذ سنوات حالة اكتفاء يكاد ينعدم في مناطق السويداء وكل منطقة خاضعة لسلطة الأسد".
واعتبر أن تطبيق نموذج إدلب في السويداء، "يوفر حلاً سياسياً شاملاً لكل سوريا، يقضي بنقل السلطة من نظام أعاد سوريا 100 سنة إلى الوراء، وغرقت بمصانع وتجارة المخدرات إلى سلطة جديدة".
وقال: "بإمكان السويداء، بأهلها وأبنائها، إدارة محافظتهم كمحافظة إدلب التي يتوفر فيها كل شيء مفقود في المناطق السورية الخاضعة لسلطة النظام السوري مثل الطعام والدواء والغاز والمحروقات والكهرباء وحليب الأطفال، وكذلك فرص العمل، لا سيما وأن كل الدوائر الحكومية في المحافظة (التي لم تقدم للمواطن السوري أي خدمة منذ سنوات) مغلقة منذ أسبوعين تقريباً، فضلاً عن أنه لدى أبناء السويداء قوة عسكرية من أبنائها، قادرة على الدفاع عن نفسها من أي خطر أو أي عمليات تهدف إلى الإخلال بالأمن وسلامة المدنيين"، وفق قوله.
وكشف ناشطون في السويداء عن خطوات عملية بهذا الاتجاه، قائلين إن "هناك بعض الكيانات السياسية (المعارضة) ولجان مدنية، التي تشكلت بالفعل داخل السويداء على إثر الاحتجاجات، من بينها حزب اللواء السوري، الذي برز اسمه مؤخراً كجسم خدمي وأيضاً عسكري معارض للنظام صدر عنهم".
وأضافوا، طالبين عدم الكشف عن هويتهم، إن "حزب اللواء السوري مع بدايات إعلان تأسيسه وانطلاقته في 2022، قدم نفسه جسماً إدارياً بديلاً عن إدارات النظام السوري، لكنه بدأ يلقى قبولاً الآن بشكل أكبر على وقع الاحتجاجات".
وتبنى هذا الحزب بحسب المصادر "العديد من الخدمات مثل توزيع المياه وتقديم الدعم المالي للعائلات الفقيرة وسلل غذائية وتأسيس البلديات والمراكز الطبية".
وكشفت عن أنه "يتلقى الدعم من التحالف الدولي لمحاربة الوجود الإيراني وعصابات المخدرات جنوب سوريا، مع ارتباطه بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من خلال اجتماعات ضمّت عدداً من كوادر الحزب".
هذا الأمر "يثير جدلاً حوله، ولذلك لم يحصل على تأييد كبير من الناشطين في السويداء".
من بين المؤيدي، قوى عسكرية محلية مثل "حركة رجال الكرامة" التي يقودها ليث بلعوس، وكذلك فصيل "أحرار جبل العرب" الذي يقوده سليمان عبد الباقي، فيما عارضت وجوده ومشروعه حركات ومنظمات مدنية وسياسية لكونه يحمل فكراً مشابهاً لفكر "قسد" المتهم بالسعي إلى الانفصال عن سوريا، فيما يصر أهالي محافظة السويداء على "المضي في الحراك الثوري الذي يؤدي إلى إسقاط النظام ولم شمل سوريا"، بحسب الناشطين.
السويداء خارج إدارة النظام السوري
من جهته، قال الناشط ليث الحوراني من جنوب سوريا لـ"عربي بوست": "يبدو أن الاحتجاجات الأخيرة بالسويداء بدأت بشكل مختلف عن الاحتجاجات السابقة (المتقطعة)، التي شهدتها المحافظة، فلم تقتصر على المطالب المعيشية والاقتصادية وتحسين الأوضاع، وإنما ارتفع سقفها سريعاً لتطالب بالتغير السياسي وتنحي الرئيس بشار الأسد".
وأضاف أن "تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية لا يمكن إلا بحدوث تغيير سياسي للسلطة في سوريا".
تابع بأنه "رغم سيطرة النظام على السويداء منذ بداية الأحداث السورية 2011، تمتعت هذه المحافظة بحرية التعبير، نظراً للحالة الخاصة بالأقلية وتمرّدها على النظام في العديد من المناسبات، ووجود فصائل مسلحة فيها من أبناء الطائفة نفسها، تضم آلاف الشباب من المقاتلين، إضافة تخلف معظم أبناء المحافظة عن الخدمة العسكرية الإلزامية".
وقال: "لا شك أن الحالة الخاصة التي تشهدها السويداء حول حرية التعبير غير مقبولة لدى النظام السوري مع استمرارها وتصاعدها حتى اليوم، وما يخشاه النظام بأن تنتقل عدوى الاحتجاجات عليه (النظام) إلى مناطق الأقليات الأخرى في الساحل السوري التي تُعد الحاضنة الشعبية الأقوى للنظام في سوريا، خاصة بعد أن عَلت العديد من الأصوات لناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من تلك المناطق تنادي بالتغيير بسبب سوء الأوضاع التي وصل إليها السوريون نتيجة قرارات وتصرفات الحكومة وأجهزتها الأمنية".
ورفع متظاهرون صور سلطان باشا الأطرش، وهو زعيم ثوري سوري قاوم الاحتلال الفرنسي في الجنوب السوري قبل جلائه في أربعينيات القرن الماضي.
واعتلت صوره أسطح المباني الحكومية في السويداء (بعد إغلاقها وإخلائها من الموظفين التابعين لحكومة النظام)، ومنها مبنى مديرية المالية، إضافة إلى الهتافات التي يرددها المتظاهرون والمحتجون يومياً في ساحة السير/الكرامة وسط المدينة، في مقدمتها: "واحد واحد.. الشعب السوري واحد" و"الشعب السوري يريد إسقاط النظام" و"من السويداء للقامشلي وحلب واحد".
وأكد أسامة أبو حمدان، وهو أحد مواطني السويداء المحتجين، لـ"عربي بوست"، أنه "ليس بسريرة أي مواطن في السويداء أي نية أو هدف بفصل السويداء عن سوريا الأم، ونعتبر أن من يروّج إلى عكس ذلك، فهو يردد ادعاءات واتهامات يحاول النظام وموالوه ترويجها، لكنها ليست سوى محض كذب وافتراء لتشويه حقيقة الاحتجاجات، والتمهيد لقمعها بالقوة".
لكنه رأى أن قمع الاحتجاجات لن يتم، "لأسباب كثيرة أهمها أن محافظة السويداء برجالها وشبابها ونسائها باتوا على قلب واحد وهدف واحد هو الاستمرار ومواصلة الاحتجاجات حتى يعلن النظام السوري تنحيه عن الحكم، لنبني نحن وأهلنا السوريون في المحافظات الأخرى، سوريا الجديدة بسواعدنا".
إسرائيل والأردن عقبة بوجه النظام
سبب آخر أشار إليه عمر حاج حسن، وهو ناشط سياسي سوري، بشأن استبعاده في حديثه لـ"عربي بوست"، ذهاب النظام إلى الخيار الأمني والعسكري لقمع الاحتجاجات الشعبية في السويداء، قائلاً إن "المحافظة ذات خصوصية مذهبية درزية بالغالبية، وتعد من الأقليات الدينية السورية، وهذا لن يعطي فرصة للنظام السوري فرصة باتهام أبنائها بالدواعش".
وقال إن "النظام لن يقدر على أن يصف ما يجري في السويداء كما كان يفعل ضد أي حراك في المناطق السنية، بأن يصف المتظاهرين بالمتطرفين، ليبرر لنفسه وللرأي العام العالمي هجومه وارتكابه المجازر بحق السوريين السنة، أما مناطق الأقليات يقتصر وصفه لها بالخيانة والتآمر مع جهات خارجية كالمسيحيين والدروز".
وأضاف: "قد يلجأ إلى اتباع أساليب أخرى لخلط الأوراق في السويداء، ومرجح أن يدفع بمجاميع مسلحة مجهولة تحت اسم تنظيم (داعش)، وارتكاب مجازر بحق أبنائها ليعطي لنفسه الحق بالتدخل والسيطرة مجدداً على المحافظة".
وأوضح أن "هناك أمران آخران يمنعان النظام من ارتكاب أي حماقة عسكرية أو أمنية قد تدفع بمنطقة الجنوب بما فيها السويداء إلى حالة الفوضى والصراع المسلح، أولاً لقربها من الأردن الذي ضاق ذرعا بالمخدرات التي يصدّرها أعوان النظام، وبات أقرب إلى التدخل في الجنوب السوري لقمع عمليات التهريب، وثانياً قربها من إسرائيل التي تترصد أي فرصة تسمح لها بالتدخل والتوغل داخل الأراضي السورية".
وكانت السويداء قد اتخذت قراراً جامعاً منذ اندلاع الحرب في سوريا، بأن نأت بنفسها عن الانخراط في المعارك مع دعوة أبنائها إلى الانشقاق عن قوات النظام والعودة إلى ديارهم، وتخلف الآلاف من شبابها عن الالتحاق بالتجنيد الإجباري.
وحاول النظام السوري بين الحين والآخر خلال السنوات الماضية استفزاز تلك المحافظة، واتهم بتنفيذ اغتيالات سرية لشخصيات دعت للحراك ضد سياساته وإدارته الفاشلة للبلاد، دفع بأبنائها إلى تشكيل قوى عسكرية، أهمها "رجال الكرامة" لتكون قوة عسكرية تدافع عن أهالي محافظة السويداء من أي خطر.