تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر طائرات هليكوبتر وهي تطلق الملايين من البعوض فوق إحدى المدن في الولايات المتحدة، وقيل إن هذه الطائرات تعود لمؤسسة بيل غيتس ضمن مخطط شرير لإعادة نشر الملاريا في العالم، وإن هذه الطائرات تنشر البعوض في الليل عادةً، لكنّ تأخراً في إقلاع الطائرات جعلها تنشرها نهاراً، ما فضح المخطط أمام العامة. فما حقيقة هذا الفيديو؟ ولماذا ينشر بيل غيتس البعوض رغم ضرره المعروف والأمراض التي ينشرها بين الناس؟
مكافحة البعوض بالبعوض
وفقاً لتقرير الملاريا الصادر عن منظمة الصحة العالمية في 2022، يموت من 600 ألف إلى 900 ألف سنوياً بسبب مرض الملاريا التي ينقلها البعوض. في عام 2021 وحده أصيب 247 مليون شخص بالملاريا، وكان العبء أثقل ما يكون في الإقليم الأفريقي، حيث قُدّر انتشار 95% من حالات الوفيات هناك، و78.9% من إجمالي الوفيات في هذه المنطقة تقع بين الأطفال دون سن الخامسة.
تشبه مكافحة البعوض لعبة القط والفأر، إذ يطور البشر طرق وقاية جديدة باستمرار- مثل الناموسيات والمبيدات الحشرية والعلاجات- لحماية أنفسهم من البعوض، لكن البعوض لديه قدرة مذهلة على التكيف، ما يجعله يجد دائماً طرقاً جديدة للمراوغة وتطوير مقاومة لأحدث الطرق البشرية للمكافحة، وبالتالي يعود البشر لتطوير ابتكارات جديدة للتغلب على البعوض، وهكذا دواليك.
أتت شركة أوكسيتيك (Oxitec) لتغيّر من هذه الآلية، فبدلاً من أن تستخدم القط مقابل الفأر، تحاول أن تستخدم الفأر مقابل الفأر، أو في هذه الحالة البعوض مقابل البعوض.
شركة أوكسيتيك متخصصة في استخدام البعوض لمحاربة البعوض الآخر، وذلك من خلال التقنية الجينية التي طوّرتها. تنشر الشركة بعوضاً يحمل جيناً خاصاً لمنع نسل البعوض من البقاء على قيد الحياة حتى مرحلة البلوغ، علماً أن إناث البعوض هي التي تلدغ وتنشر الملاريا.
تكمن الفكرة في أن تنشر الشركة الذكور المعدلة جينياً في البرية، لتتزاوج مع إناث البعوض متسببة في موت جميع ذريتها. وتبقى أفراد البعوض الذكور حيّة لتستمر بالتزاوج مع الإناث البرية الأخرى، متسببة في موت المزيد من الإناث وذريتهم، ما يقلل بشكل كبير من أعداد البعوض وانتشار الملاريا.
أكدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2016 ووكالة حماية البيئة في عام 2022 أن بعوض أوكسيتيك لا يشكل تهديداً للإنسان أو البيئة، وقد جرى إطلاق أكثر من مليار بعوضة أوكسيتيك في جميع أنحاء العالم، دون أيّ آثار سلبية حتى الآن.
علاقة بيل غيتس بالمشروع ونشاطه بالولايات المتحدة وأفريقيا
قال متحدث باسم مؤسسة الملياردير الأمريكي بيل غيتس إن المؤسسة لم تمول أيّ عمل يتعلق بإطلاق البعوض في الولايات المتحدة، رغم أنها قدمت التمويل والدعم لمكافحة الملاريا. ووفقاً لوكالة أسوشيتد برس، فإن مؤسسة غيتس تدعم شركة أوكسيتيك التي تطلق البعوض المعدّل جينياً في فلوريدا، ضمن مخطط معني بمكافحة الأمراض، لكن المتحدث باسم مؤسسة غيتس قال إن عملها في الولايات المتحدة لا يتم تمويله من قبل مؤسسة غيتس.
وبالنسبة للشائعات القائلة بأن البعوض الذي تنشره أوكسيتيك قد يكون سبباً في انتشار الملاريا في الولايات المتحدة، تقول الشركة إن هذه الفكرة مستحيلة لسبب واحد بسيط: أن البعوض المعدل الذي يُطلق ليس من النوع الذي ينقل الملاريا.
وعقّب جوشوا ڤان رالتي، في بريد إلكتروني لوكالة أسوشيتد برس: "لا توجد أي حقيقة لهذه الادعاءات على الإطلاق، إنها مستحيلة علمياً".
وكان غيتس قد أعلن، في شهر أغسطس/آب الماضي، عن اتفاق شركة أوكسيتيك مع الجهات الصحية في جيبوتي، لتنفيذ خطة إطلاق البعوض المعدل وراثياً في هذا البلد الإفريقي، بغرض التخلص من مرض الملاريا.
أشار غيتس إلى أن جيبوتي كادت أن تنجح في القضاء على الملاريا منذ 10 سنوات، ولكنها بعد أن وصلت إلى تسجيل 27 حالة فقط في 2022، ارتفع العدد مجدداً بسرعة كبيرة، حتى تجاوز 73 ألف مصاب في 2020.
وأوضح أن سبب انتشار المرض مجدداً بعوضة تُعرف باسم "أنوفيليس ستيفنسي"، هاجرت من جنوب آسيا وشبه الجزيرة العربية إلى إفريقيا. وقال الملياردير الأمريكي: "إذا تُركت هذه البعوضة دون رادع فسيكون 126 مليون شخص إضافي في القارة معرضين لخطر الإصابة بالملاريا".
وشرح بيل غيتس: "تعد هذه البعوضة خطيرة لأنها على عكس معظم البعوض الحامل للملاريا في إفريقيا، والذي يتكاثر بشكل أساسي في المناطق الريفية، فإنها تنمو في البيئات الحضرية"، لافتاً أن 40% من سكان القارة يعيشون في المدن.
وتابع: "ما يزيد الأمور سوءاً أن بعوضة ستيفنسي أظهرت مقاومة للعديد من المبيدات الحشرية".