يضاف الانقلاب الذي أعلنه ضباط في جيش الغابون على السلطة، الأربعاء 30 أغسطس/آب 2023، إلى سلسلة انقلابات شهدتها قارة أفريقيا منذ عام 2020، دفع الأمر برئيس غينيا بيساو لتعزيز فريقه الأمني، مهدداً بأن "أيّ تحرّك مشبوه سيقابل بالردّ المناسب".
هذه الخشية من انقلاب عسكري جديد في غينيا بيساو، يبررها وقوع 8 انقلابات عسكرية في أفريقيا منذ 3 أعوام فقط، تشمل الانقلاب الجاري في الغابون.
وشهدت غينيا بيساو 4 انقلابات عسكرية منذ استقلالها عام 1974، آخرها كان عام 2012، ومحاولة فاشلة في عام 2022.
وقال الرئيس عمر سيسوكو إمبالو: "صحيح أنّ الانقلابات التي ينفّذها ضباط الأمن الرئاسي أصبحت رائجة"، مردفاً أنّ "أيّ تحرّك مشبوه سيقابل بالردّ المناسب".
8 انقلابات عسكرية
إليك استعراضاً للانقلابات العسكرية منذ 2020:
- في أغسطس/آب 2020، أطاحت مجموعة من القادة العسكريين، يتزعمها أسيمي غويتا، بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا.
- استولى الجيش في التشاد على السلطة، في أبريل/نيسان 2021، بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في أرض المعركة، أثناء تفقد قوات تحارب المتمردين في الشمال.
- استولى العسكر، بقيادة غوتا، على السلطة في مالي، في مايو/أيار 2021.
- انقلاب السودان في ديسمبر/كانون الأول 2021، بقيادة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة المدنية، برئاسة عبد الله حمدوك.
- وقع انقلاب عسكري في غينيا كوناكري، في سبتمبر/أيلول 2021، بقيادة العقيد مامادي دومبويا.
- وحدث انقلاب آخر في يناير/كانون الثاني 2022، في بوركينا فاسو بقيادة العقيد بول هنري زامبيا.
- وتلته محاولة انقلاب في غينيا بيساو، في فبراير/شباط 2022، للإطاحة بإمبالو.
- ثم انقلاب النيجر في 26 يوليو/تموز 2023.
- انقلاب الغابون في أغسطس/آب 2023.
لماذا تتكرر الانقلابات؟
حول أسباب تكرار الانقلابات في أفريقيا، قال شريف عبد الله مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، في حديثه لـ"عربي بوست"، إن هناك مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وراء ذلك.
لكنه أوضح أولاً أن "الانقلابات في أفريقيا عادة قديمة وليست جديدة، وزاد حدوثها فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، ولكن في التسعينيات خفتت نوعاً ما، بعد أن وضع الاتحاد الأفريقي والمنظمات الأفريقية الأخرى شروطاً بعدم الاعتراف بأي انقلاب عسكري".
لكن بعد 2020 زادت حدة الانقلابات، وباتت واضحة جداً في المنطقة التي فيها صراع دولي، لا سيما بين فرنسا المستعمِرة سابقاً للمنطقة، ودخول أمريكا إلى القارة التي لم تكن من أولوياتها قديماً، لكنها الآن مهتمة بها بشكل كبير، خصوصاً بغرب أفريقيا بسبب الثروات ومكافحة الإرهاب والجريمة، بالإضافة إلى صراعها مع الصين التي دخلت أفريقيا مبكرة كقوة اقتصادية، وكذلك دخول روسيا، ما زاد من حدة الانقلابات في ظل وجود التنافس الدولي في هذه المنطقة، وفق قوله.
عن الأسباب أيضاً، أضاف إليها: "وجود العسكر الذي لا يسلّم السلطة لأية جهة مدنية، بسبب تطلعاته إلى الحكم، خصوصاً من الرتب الصغيرة من الشباب صغار السن خريجي المؤسسات العسكرية وتدريبهم راقٍ، وهم مشاركون في عمليات عسكرية كونت لديهم خبرة عسكرية، لذلك لديهم تطلعات كبيرة إلى الحكم".
تابع بأن هناك هشاشة كبيرة في مؤسسات الدولة، إلى جانب كون المؤشرات السياسية متدنية من حقوق الإنسان وانتشار البطالة والفساد، وغيرها، يضاف إلى ذلك وجود سيادة غير مكتملة وغير مسيطرة على دول أفريقيا.
وقال إن هناك سبباً آخر متعلقاً بالتقسيمات التي حدثت خلال فترة الاستعمار، إذ لم تراعَ الديموغرافية الاجتماعية للقبائل والمجتمعات الموجودة في أفريقيا، فالهاوسا مثلاً مقسمة على أكثر من 4 أو 5 دول.
أما عن الأسباب الاقتصادية، فقال إن جزءاً أساسياً من الانقلابات في أفريقيا مرتبط بجانب اقتصادي، فالفشل السياسي في بعض الدول والفشل في تحقيق التنمية ساهم في الانقلابات الـ8 التي حدثت، حيث التدهور الاقتصادي وعدم قدرة الدولة على تنويع مصادر الدخل.
وأوضح أن الدول الأفريقية تملك ثروات كبيرة، وهذا الأمر ساهم في التوعية إليه الإعلام، الذي عرّف المواطن الأفريقي بحجم ثروات بلده، وأنه يعيش على بحر من الثروات والغنى، في حين أنه يعاني من فقر مدقع.
عامل مهم آخر وفق عبد الله، يتمثل بـ"توتر العلاقة بين المدنيين والعسكريين، أي بين السياسي والعسكري في هذه الدول، فالانقلابات تؤدي إلى انتشار العدوى بين العسكريين وإعطائهم الرغبة في الحكم، لسهولة العملية، ما يجعل هناك عدم ثقة لدى السياسيين بهم، في المقابل فإن العسكر يحمّلون النخب العسكرية مسؤولية ما تعاني منه الدول الأفريقية من فساد وبطالة وحالة اقتصادية سيئة".
من العوامل الخارجية أيضاً، أضاف عبد الله أن "الاستعمار الفرنسي يتحمل جزءاً من مشكلة الانقلابات في أفريقيا، فهناك رغبة في طرد الوجود الفرنسي العسكري والدبلوماسي، وعداء من الشعوب لفرنسا يستغله العسكر".
وأكد أن "الإعلام والثقافة وانتشار التعليم والميديا بين المواطنين الأفارقة، وانفتاح العالم أمامهم، يجعلهم يريدون التخلص من المستعمر الفرنسي".
أما عن كيف يمكن وقف هذه السلسلة من الانقلابات في أفريقيا، قال عبد الله إن ذلك يمكن من خلال "إعادة تشكيل مفهوم الدولة، ووضع علاقة طبيعية بين المكونين المدني والعسكري في هذه الدول، وإنهاء الفساد، وإيجاد تنمية مستدامة، وتنويع الإنتاج، ورفع المعاناة عن المواطن، وإيجاد مشاريع بناءة اقتصادياً ترفع من كفاءة المواطن، والحد من المحسوبية".
ولفت إلى أنه في حال تم إيجاد حلول لهذه المشاكل داخلياً، فإنه يمكن وقف الانقلابات، "فالانقلابيون يأتون بصورة وردية للمواطنين، بأنهم يعانون بسبب النخب السياسية، الذين كانوا يسرقون الثروات، ويوجهون إليهم تهم خيانة وفساد ورشوة بعد أي انقلاب".
أكثر الدول الأفريقية التي شهدت انقلاباً
تعد بوركينا فاسو من البلدان التي شهدت أكبر سلسلة من الانقلابات العسكرية، بلغت في مجملها 10 محاولات، كان آخرها في يناير/كانون الثاني 2023.
أما أوغندا، فمنذ استقلالها عن بريطانيا عام 1962، فقد شهدت أكثر من 6 انقلابات عسكرية.
كذلك السودان، الذي شهد منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 نحو 20 محاولة، نجحت منها 5 محاولات.
يشار إلى أن جنوب أفريقيا لديها عدد أقل من الانقلابات مقارنة بشرق وغرب القارة، وذلك بسبب تركز الثروات فيها.