ما زال الجدل متواصلاً في ما يتعلق بوضع القضاء، منذ صدور "الحركة القضائية" في تونس بنقل وتغيير أماكن عمل القضاة، بعد تأخرها لسنتين بشكل غير مسبوق رغم أنها سنوية، لتكون الأولى منذ "الإجراءات الاستثنائية" للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، التي يصفها معارضون بـ"الانقلاب".
ولم تشمل الحركة القضائية في تونس عودة القضاة المعزولين لمباشرة مهامهم، على الرغم من صدور حكم استعجالي منذ أكثر من سنة يقضي بإيقاف تنفيذ عزل عشرات القضاة بقرار من سعيد.
المسّ باستقلال القضاء
وصف القاضي حمادي الرحماني الحركة القضائية في تونس بـ"بأفسد حركة في تاريخ البلاد"، معتبراً أنها "تتطاول على أحكام القضاء، لا سيما أنها من إعداد السلطة السياسية".
الرحماني الذي هو من بين القضاة الذين تم عزلهم، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "الحركة القضائية في تونس تمكنت السلطة بموجبها من وضع يدها على كامل مفاصل القضاء، وعلى كامل جهاز النيابة العمومية والدوائر القضائية بمحاكم تونس، تمهيداً لمحاكمات سياسية محتملة"، وفق تقديره.
شملت الحركة القضائية في تونس 1088 قاضياً توزعوا بين 425 من قضاة الرتبة الثالثة و332 من قضاة الرتبة الثانية و331 من قضاة الرتبة الأولى، ووصفت بأنها أكبر الحركات القضائية التي عرفها القضاء العدلي، إذ مسّت أكثر من 40% من القضاة المباشرين.
علق على ذلك المحامي كريم المرزوقي، العضو في هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين، بأن الحركة القضائية في تونس "أكدت سطوة رئاسة الجمهورية على الوظيفة القضائية، بعد سابق الإجهاز على ضمانات استقلالها دستورياً وتشريعاً، وفرض واقع قضاء الموالاة واقعاً"، بحسب تعبيره.
ورأى المرزوقي في حديثه لـ"عربي بوست" أن "الحركة تدشن مرحلة جديدة في مسار وضع اليد على القضاء، وتؤكد هشاشة المجلس الأعلى المؤقت للقضاء".
ووصف المحامي المرزوقي الحركة القضائية بـ"العقوبة الجماعية لعدد من القضاة المعروفين بانخراطهم العلني، دفاعاً عن استقلالية القضاء، وإسناداً لزملائهم المعفيين في مجزرة يونيو 2022، وذلك عبر نقلهم بشكل يضمن إبعادهم من تونس العاصمة، من دون طلب منهم".
تشير الأرقام إلى أن الحركة شملت 13 رئيس محكمة ابتدائية من أصل 29، وتغيير 16 وكيل جمهورية، كما تم تغيير 10 رؤساء محاكم استئناف من مجموع 16 و10 وكلاء عامين لدى محاكم الاستئناف.
القضاة يستعدون للتصعيد
غابت أسماء عشرات القضاة المعزولين عن الحركة القضائية، على الرغم من صدور قرار من المحكمة الإدارية في دعوة استعجالية يقضي بإيقاف تنفيذ عزلهم، وحقهم في العودة لمناصبهم.
منذ أكثر من سنة، صدر حكم استعجالي بإيقاف تنفيذ عزل 49 قاضياً عن العمل من أصل 57، وهو حكم ينفذ فوراً وغير قابل للطعن.
وظل القضاة ينتظرون عودتهم عبر "الحركة" الجديدة، غير أن ذلك لم يحصل، ما أثار استنكاراً واسعاً من طيف من القضاة والمحامين والسياسيين.
من جهته، قال أحد القضاة المعزولين محمد الطاهر الكنزاري في تصريح لـ"عربي بوست": "لم يتم تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدتنا، ولكن لن نتنازل عن حقنا، وسنحاسب كل ما تسبب في ظلمنا مهما طال الزمن".
وأكد أنه "كان عاماً صعباً على كل المستويات كعاطلين عن العمل، مع ظروف مادية صعبة، ولكن ما زلنا متمسكين بتطبيق القانون، وإنصافنا، لأنه لا حل غير ذلك".
وأضاف أن "القضية الأصلية ما زالت جارية، وهي متواصلة مع العودة الجديدة وانتهاء العطلة القضائية"، وأن "التحركات لا تتوقف، ونحن في تنسيق مع المعنيين بالأمر من قضاة وفريق دفاع، والأمل سيبقى دائماً مهما طال ظلمنا".
فور صدور عزل العشرات منهم في يونيو/حزيران 2022، دخل قضاة في تحركات احتجاجية عدة، من بينها الإضراب عن العمل لمدة شهرين متتالين، فيما دخل عدد منهم في إضراب جوع، على إثر قرار سعيد.
وأكد رئيس جمعية القضاة الشبان الذي تم عزله أيضاً، مراد المسعودي لـ"عربي بوست"، أنهم "بصدد التنسيق لإتخاذ قرار تحركات تصعيدية في قادم الأيام، لأنهم لن يتنازلوا عن حقهم في عودتهم لعملهم".
فريق من المحامين برئاسة المناضل والمحامي العياشي الهمامي والعميد السابق عبد الرزاق الكيلاني والمحامي كريم المرزوقي يتابع ملف القضاة المعزولين منذ صدور قرار العزل.
وأكد المحامي المرزوقي أن "القضية ما زالت جارية، وقدمنا شكايات ضد وزيرة العدل ليلى جفال، من أجل الفساد وعدم الامتثال للأوامر والقرارات وصدور حكم بات يقضي بإيقاف تنفيذ عزل القضاة".
يُذكر أن وزارة العدل بررت عدم تنفيذ قرار المحكمة بإيقاف تنفيذ عزل 49 قاضياً بوجود تتبعات جزائية ضد المشمولين بالإعفاء، فقد تم تعهيد النيابة العمومية بـ 109 ملفات ضدهم، توزعت بين قضايا بقطب مكافحة الإرهاب والقطب القضائي للفساد المالي وبمكاتب التحقيق المختلفة.
يُذكر أن 57 قاضياً عزل في تونس بقرار من الرئيس قيس سعيّد، إثر اتهامه إياهم بالفساد وحماية "الإرهابيين"، في حين رفضت السلطات تنفيذ أحكام صادرة من المحكمة الإدارية في أغسطس/آب 2022 بالسماح لـ49 قاضياً من المشمولين بالعزل، بالعودة إلى عملهم.