ترقب في المغرب وتفاؤل في الجزائر.. كيف سيؤثر الانقلاب في الغابون على علاقة السلطة الجديدة بالبلدين المغاربيين؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/05 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/05 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الغابوني المطاح به علي بونغو خلال القمة الإفريقية الأوروبية عام 2017/ رويترز

تدخل الغابون منعطفاً سياسياً جديداً، مع تولّي قائد الانقلاب العسكري، الجنرال بريس أوليغي نغيما، منصب رئيس المرحلة الانتقالية التي لم تُحدّد مدتها، فيما يترقب الجميع "مصير" العلاقات الغابونية مع كل من المغرب والجزائر بعد الانقلاب في الغابون.

وتعدّ الغابون دولة صديقة للمغرب، وتربطهما علاقات جد قوية، ما يجعل الرباط وليبرفيل نموذجاً رائعاً للتعاون جنوب-جنوب، القائم على قيم التضامن والتبادل والتقاسم، ما انعكس إيجاباً على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والصحية والتجارية.

أما بخصوص الجزائر، فالغابون تُعد بعيدة بعض الشيء، إلا أن السلطات العليا في هذا البلد العربي تشجب دائماً الانقلابات العسكرية والتغييرات غير الدستورية من أجل بلوغ السلطة، لكونها تحمل معها أخطاراً عديدة متعلقة بالتدخل العسكري الخارجي واللاأمن في المنطقة على العموم. 

ويوم الأربعاء 30 أغسطس/آب الماضي، استولت مجموعة من كبار الضباط في الغابون على السلطة، وتم حل جميع المؤسسات، وإلغاء نتائج الانتخابات التي أجريت السبت 26 أغسطس/آب 2023، وفاز فيها الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة.

خلال هذا التقرير سيرصد "عربي بوست" تأثير الانقلاب في الغابون على كل من المغرب والجزائر. 

موقف حيادي وتعامل برغماتي

تمتد العلاقة الاستثنائية بين المغرب والغابون منذ عدة عقود، بعدما أسسها الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس عمر بونغو أونديمبا، ثم تعززت في ظل حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس المطاح به علي بونغو.

يبدو أن هذا المُستجدّ ليس عادياً بالنسبة للمغرب، وإن كانت دبلوماسية المملكة تفاعلت على غير العادة بشكل فوري بعد الانقلاب في الغابون، مُعلنة في بيان، أنها "تتابع عن كثب تطوّر الوضع في الجمهورية الغابونية"، مؤكدة "أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد الشقيق وطمأنينة ساكنته".

ويعكس بيان الخارجية المغربية التزام المغرب موقف الحياد من الانقلاب في الغابون، مشدداً على "ثقته في حكمة الأمة الغابونية، وقواها الحية ومؤسساتها الوطنية، للسير قدماً نحو أفق يتيح العمل من أجل المصلحة العليا للبلد، وصون المكتسبات التي تحققت والاستجابة لتطلعات الشعب الغابوني".

رئيس الغابون المعزول علي بونغو/ رويترز
رئيس الغابون المعزول علي بونغو/ رويترز

رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، نبيل الأندلوسي، يقول إن هذا "الموقف الحيادي للمغرب، دون أدنى إشارة للانقلاب بشكل مباشر، أو تحديد موقف منه، انطلاقاً من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، رغم الموقف المبدئي الرافض للانقلابات".

وأوضح الأندلوسي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "ما يفسر هذا التوجه هو أن مصالح الدول الاستراتيجية تفرض التعامل ببرغماتية وواقعية حسب ظروف كل حدث، وهذا ما وقع في تعاطي الخارجية المغربية مع انقلاب الغابون". 

غير أنه "باستحضار حجم المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين، ونظراً لعدم تورط المغرب في دعم الرئيس المطاح به في هذا الانقلاب في الغابون، واستحضار الإشارات الخارجية والحياد، فإن العلاقات بين البلدين من المرجح أن تحافظ في عمومها على نفس التوجه، الذي يخدم مصالحها الاستراتيجية وفق مقاربة رابح-رابح"، يقول نفس المتحدث.

التزام واستمرارية مع الشركاء

وبعد مرور أسبوع على انقلاب العسكريين على الرئيس بونغو، دون أن تحدث أي تغييرات في علاقات ليبرفيل مع عواصم العالم، في ظل الرئيس الانتقالي الجديد، الجنرال نغيما، الذي أدى الإثنين 4 سبتمبر/أيلول اليمين الدستورية خلال مراسم بالقصر الجمهوري بالعاصمة.

وأبرز أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، خالد يايموت، أن "الرئيس الانتقالي، الجنرال بريس أوليغي نغيما، أكد أن بلاده تلتزم بالاتفاقيات والمصالح المتبادلة مع المجتمع الدولي، وهو بذلك خالف بشكل صريح منهج الانقلابات التي تضرب حالياً دول الساحل والصحراء".

هذا يعني، أن "التغيير الذي يقوده نغيما، يجسد، لحد الآن، استمراراً لنهج وسياسة الرئيس المعزول، ويعبر عن استمرار وصلابة علاقات الغابون الخارجية مع الشركاء الاستراتيجيين: مثل المغرب وفرنسا؛ ويمكن القول إن هذه العلاقات ستتطور وتشهد مزيداً من التطور في ظل النظام الحالي"، يقول يايموت لـ"عربي بوست".

وخلص ذات المصدر إلى أن "التحولات في الغابون عبارة عن تعديل من داخل السلطة لمسار الحكم، تداخل فيه العائلي مع القبلي والعسكري. وعليه فليس هناك مؤشرات على وجود تحول للعلاقات الخارجية والمصالح المشتركة الاستراتيجية بين المغرب والغابون".

دعم الصحراء وتربّص الأعداء

جانب مهم من المبادرات التي جسّدت إلى حد الآن العلاقات الاستثنائية بين المغرب والغابون، والتي تعكس دعماً راسخاً لليبرفيل لمغربية الصحراء، هو فتح القنصلية العامة الغابونية في مدينة العيون بالأقاليم الصحراوية للمملكة عام 2020.

وهو ما يطرح اليوم سؤالاً حول السيناريوهات الممكنة في المستقبل القريب بين البلدين بهذا الخصوص بعد الانقلاب في الغابون، خصوصاً مع تربص أطراف أخرى مناوئة للمغرب ولوحدته الترابية تتحرّك في نفس المجال الافريقي.

يجيب رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، نبيل الأندلوسي، في إفادته لـ"عربي بوست": "الأكيد أن خصوم المغرب يحاولون توتير الأجواء بينه وبين القيادة الجديدة في الغابون، لكن الدبلوماسية المغربية، قادرة على تقوية علاقات المغرب مع الحكام الجدد، أو القدامى الجدد".

وأوضح أندلوسي أن "القيادة الجديدة في ليبرفيل يعدون جزءاً من نظام علي بونغو، خاصة أن الأسرة الملكية، والملك محمد السادس، يحضون بتقدير واحترام النخب السياسية والعسكرية الغابونية".

لا خوف على مصالح المغرب

من جانبه، يذهب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد الملك السعدي بطنجة، عبد الله أبو عوض، إلى أن المغرب لا يتخوّف بتاتاً على مصالحه من الانقلاب في الغابون، لأن ما يربط الشعبين من أواصر التعاون والتآخي يتجاوز المصالح والسياقات السياسية الطارئة التي لا تؤثر على ما هو استراتيجي".

وتابع أبو عوض في حديثه لـ"عربي بوست"، "أن البلدين تربطهما اتفاقيات اقتصادية واتفاقيات تجارية لا يمكن أن يتم التراجع عنها من طرف النظام الغابوني الجديد، فهذه الاتفاقيات بنيت على نظرة تأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدين والشعبين".

وقال أستاذ العلاقات الدولية: "المغرب لن يتخلى عن التعاون مع الإرادة الغابونية التي تُمثّل الشعب الغابوني، لأن منطق العمل السياسي الدولي يفرض الاحتكام لإرادة الشعوب"، مشيراً إلى "حكمة الدبلوماسية المغربية من حيث التعامل مع المستجدات في ليبرفيل، وما يطرأ عنها من اختلافات استراتيجية وتدبيرية".

رئيس انتقالي درس في المغرب

لا يبدي المراقبون تخوفاً كبيراً من هذا الرئيس الانتقالي للغابون حالياً، باعتبار الجنرال نغيما الذي قاد الانقلاب في الغابون درس في المغرب وقضى فيه سنوات، وربطته بالمملكة علاقات مهمة.

في هذا السياق، يرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، محمد شقير، أن "إبعاد علي بونغو عن السلطة يُفقد المغرب أحد الشخصيات المحورية في مربع القرار بالغابون، لكن هذا قد يتم تعويضه بمتزعم الانقلاب والرئيس الانتقالي للبلاد  خلال الفترة المقبلة؛ بحكم أن نغيما هو خريج الأكاديمية العسكرية بمكناس، كما سبق أن عُيّن ملحقاً عسكرياً بسفارة الغابون بالرباط، ويعد من أحد المقربين من الرئيس المخلوع".

وأبرز شقير، في اتصاله بـ"عربي بوست"، أنه "لن تكون هناك قطيعة، الشيء الذي سيساهم في الحفاظ على مصالح المغرب الاقتصادية؛ سواء في قطاع البنوك، وأيضاً قطاع الاتصالات، وكذا قطاع المناجم الذي تستثمر في استخراج الذهب".

قائد الانقلاب في الغابون الجنرال نغيما/ رويترز
قائد الانقلاب في الغابون الجنرال نغيما/ رويترز

كما أن "نغيما بعث بعدة إشارات من خلال فتح الحدود الجوية والالتزام بالاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية بما فيها المغرب، وكذا الاجتماع مع أرباب العمل الغابونيين، والالتزام بتطبيق بعض مطالبها مع الالتزام بتحسين وضعية الساكنة، في تأكيد على ضمان المصالح الاقتصادية والاستثمارية الأجنبية بما فيها مصالح المغرب"، يلفت الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية.

لا وجود لتأثير مباشر على الجزائر

وفي هذا الصدد، يقول الخبير في القضايا الأمنية، أحمد ميزاب، إن "الانقلاب في الغابون قبل أيام ليس له تأثير مباشر إيجابياً كان أو سلبياً على الجزائر، وإنما نحن نتحدث عن المشهد العام في منطقة الساحل الأفريقي الذي يشهد مجموعة من التحولات المتسارعة والتطورات التي سوف يكون لها انعكاسات على المدى القريب والمتوسط". 

ويشير ميزاب في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "التغييرات غير الدستورية ستؤثر بشكل كبير على استقرار المنطقة باعتبار أنها تمنح فرصاً لبعض الأطراف الخارجية لاستغلال وتوظيف هذه الانقلابات في إطار إعادة بعثرة الأوراق في المنطقة من أجل استعادة مناطق النفوذ". 

ومن ناحية ثانية -يضيف المتحدث- أن "الخطر الحقيقي يتمثل في تطورات الأوضاع بالنيجر، والدليل أن كيفية تعاطي الأطراف الدولية مع الانقلاب في الغابون لم تكن بتلك الشدة التي عرفتها الأحداث في النيجر، لا سيما أنه كان هنالك تلميح بإمكانية استخدام القوة العسكرية والتدخل الأجنبي". 

ومن المؤشرات التي تظهر الفرق بين الانقلابين، يلفت الخبير إلى "الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين باريس والسلطات القائمة حالياً في النيجر والتي قد تتحول إلى أزمة أمنية، بالمقابل في الغابون هناك نوع من الرضا بالأمر الواقع باعتبار أنه لم يكن هناك مساس بالمصالح الفرنسية". 

ويعتقد ميزاب أن "المؤشرات الأمنية ودلالاتها في المنطقة لا تقدم لنا معطيات إيجابية بل بالعكس هناك إمكانيات في حدوث أزمات أمنية معقدة تكون لها انعكاسات على دول الجوار وتأثير على الإقليم بشكل أساسي، وهو ما تتخوف منه الجزائر وتسعى من خلال مبادراتها إلى احتواء الوضع وتفادي أسوء السيناريوهات المتوقع حدوثها في المنطقة".

الانقلاب في الغابون ليس حالة استعجالية

"عربي بوست" وفي خضم الحديث عن تأثير الانقلاب في الغابون على الجزائر تساءل عن مدى إمكانية استغلال مبادرة الجزائر بشأن الأزمة بالنيجر في حلحلة الوضع في الغابون، لا سيما أنها تحمل في طياتها نقاط متعلقة بنبذ التغييرات غير الدستورية. 

وفي إجابة على السؤال، يرى ميزاب أن "الوضع في الغابون مغاير تماماً عن الوضع في النيجر"، ويوضح هذه النقطة قائلاً: "الوضع في الغابون ليس له مؤشرات أمنية ولا يحمل تهديدات كاستخدام القوة لاسترجاع السلطة السياسية ولا يوجد هناك تلويح بالتدخل العسكري". 

وتابع في السياق قائلاً: "الأزمة في الغابون لا تشكل حالة استعجالية من أجل مبادرة مثل التي أطلقت في النيجر، لأن الوضع في هذه الأخيرة وضع استثنائي وحرج يستدعي التحرك من أجل احتواء ما يمكن احتواؤه بشكل سريع". 

الدبلوماسية الجزائرية والوضع في الغابون

وحول ما إذا بإمكان الدبلوماسية الجزائرية حلحلة الأزمة الغابونية، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، حسام حمزة، أنه "إلى حد الآن ليس هناك أزمة في الغابون بل هناك انقلاب، والخطاب الذي خرج به الانقلابيون هو خطاب ضدّ الرئيس السابق وضدّ التزوير في الانتخابات وضدّ الفساد بما فيه فساد الرئيس وأبنائه".

وتابع حسام حمزة، في حديثه مع "عربي بوست"، أنه "إلى غاية الآن ليس هناك أطراف خارجية واضحة تدخلت في الانقلاب في الغابون، كما ليس هناك خطاب معادٍ لطرف ما مثلما هو الأمر بالنسبة للنيجر"، وأضاف: "ولهذا أعتقد أن الحديث أصلاً عن أزمة في الغابون ينحصر على المستوى الداخلي وليست هناك أزمة إقليمية على الأقل في الوقت الراهن". 

أما فيما يخص تأثير هذه الانقلابات على الجزائر والمنطقة بصفة عامة، قال حسام حمزة: "يجب النظر إلى ما سيؤول إليه الانقلاب وليس إلى الانقلاب في حد ذاته، لأن تداعياته هي ما ستؤثر في المنطقة سواءً سلباً أم إيجاباً". 

وأوضح يقول: "بمعنى إذا كان هذا الانقلاب سيُعطينا واقعاً من عدم الاستقرار واللاأمن والمزيد من التهديدات، فأكيد هذه الانقلابات لا تخدم الجزائر ولا المنطقة، لكن إذا كانت هذه الانقلابات ستُعطينا أنظمة بغض النظر عن طريقة وصولها إلى السلطة قادرة على التحكم في أمنها وقادرة على التحكم في حدودها وقادرة على مواجهة التهديدات الداخلية وحصرها في إطارها الإقليمي ومنعها من الخروج نحو جوارها، فالأكيد أن هذه الأنظمة التي أتت عبر الانقلابات ستكون في صالح الجزائر".

حدود مشتعلة من جميع الجهات

وفي سياق متصل بالوضع الأمني على الحدود الجزائرية، يُشدّد متحدث "عربي بوست" على أن الحدود أصبحت مشتعلة في ظل وجود طوق من الأزمات يشتد حدة ويشتد تعقيداً مع مرور الوقت. 

ويعتبر ميزاب أنه يتوجب أن يكون هناك "تحرك في إطار تفادي الانزلاق أو تدهور الوضع في المنطقة وإمكانية الخروج بأخف الأضرار في ظلّ التقاء مجموعة من التهديدات والتحديات الأمنية مما يشكل صعوبة في التحكم في الوضع". 

ويتابع في هذا السياق: "سواءً كان ذلك على مستوى تصاعد الأزمات الداخلية والتدخلات الخارجية أو تنامي الهجمات الإرهابية وتصاعد الجريمة المنظمة إضافة إلى انفجار الأوضاع الأمنية في المنطقة بشكل متسلسل واتساع دائرة ورقعة هذه الأزمات". 

وقرّر قادة المجلس العسكري إحالة الرئيس بونغو إلى التقاعد ووضعه قيد الإقامة الجبرية، كما اعتقلوا مجموعة من الوزراء والمسؤولين ورموز النظام، ووجهوا لهم تهماً بالفساد والخيانة العظمى.

وساعات قليلة بعد ذلك قرّر قادة الانقلاب في الغابون تعيين قائد الحرس الجمهوري، الجنرال بريس أوليغي نغيما، رئيساً للمرحلة الانتقالية. 

وحكم علي بونغو الغابون طيلة 14 عاماً خلفاً لوالده عمر بونغو الذي تولى السلطة قرابة 42 عاماً، في حين أضرم متظاهرون النيران في مبنى البرلمان عندما اندلعت احتجاجات عنيفة سنة 2016، رفضاً لفوز بونغو بولاية ثانية.

تحميل المزيد