حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يُوجه انتقاداته للإعلام العام في بلاده، الذي أصبح حسب رأيه لا يقوم بعمله لمواجهة الدعاية ضد فرنسا في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدتها بعض الدول الأفريقية كالغابون والنيجر.
وجدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأكيده على أن مجموعة فرانس "ميديا موند"، التي تضم إذاعة فرنسا الدولية RFI وقناة فرانس 24 التلفزيونية، وإذاعة مونت كارلو الدولية "تمثل أداة نفوذ هائلة"، لمواجهة الدعاية الموجهة ضد بلاده.
واستباقاً لما يمكن أن يتعرض له من انتقادات، برَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعليقه على استراتيجية عمل مجموعة "ميديا موند" بكونها ممولة من المال العام، واعتباراً لمسؤولياته التي تفرض عليه ذلك.
رداً على هذه التصريحات التي جاءت في معرض كلمة لماكرون أمام سفراء بلاده خلال مؤتمر سنوي، انتقدت جمعية الصحفيين بمؤسسة فرانس ميديا موند ما وصفتها بمحاولة "توظيف الإعلام لخدمة مكاسب سياسية".
الرد على ماكرون
في بيانٍ توصل "عربي بوست" لنسخة منه، اعتبر الإطار المدني الذي يضم ممثلين عن مختلف أقسام هيئات التحرير أن حديث ماكرون عن المؤسسة باعتبارها رافعة لتعزيز نفوذ باريس، دعوة غير مباشرة لممارسة دور التأثير والضغط في مواجهة منظمات تتبنى منهج البروباغاندا.
هذه التصريحات، وفق الصحفيين الناطقين بلغات متعددة، "تخلق ارتباكاً خطيراً حول دور وسائل الإعلام، وقد تغذي الخلط المتكرر بين وسائل الإعلام العامة ووسائل الإعلام الحكومية التي تستخدمها الأنظمة الاستبدادية لضرب حرية التعبير".
من جهة أخرى، نبّه البيان إلى أن الدفاع عن قيم الجمهورية الفرنسية وإشاعتها لا يعني بالضرورة عكس وجهة نظر النظام السياسي أو خدمة أجندته، الصحفيون اعتبروا تصريحات الرئيس إشارة سيئة جداً في سياق الانخفاض المضطرد في الميزانية المخصصة للإعلام العام المرئي والمسموع، وما يرافق ذلك من شكوك حول استقلالية وسائل إعلام المؤسسة.
يأتي هذا الجدل في أعقاب إلغاء الرسم الضريبي الذي يمول الإعلام العام المرئي والمسموع، والذي تم التصويت عليه في شهر أغسطس/آب 2022، تنفيذاً لوعد إيمانويل ماكرون خلال حملته الرئاسية.
ويخشى معارضو إلغاء هذه الضريبة من أن تفقد وسائل الإعلام المعنية استقلاليتها من خلال خضوعها لمخصصات الطوارئ المتعلقة بالميزانية التي تقررها الدولة، بدلاً من طريقة تمويل مستقلة.
وارتباطاً بذلك، ذكّرت جمعية الصحفيين ماكرون بالتحديات التي تواجهها "فرانس ميديا موند"، خاصة على مستوى الوسائل والإمكانات، ما يحول دون تطوير مشروع تحريري يرقى إلى مستوى التطلعات، كما نبهته إلى أن اجتماعات الإليزيه أولى أن تكون مساحة لمناقشة التهديدات التي تحيط بمهنة الصحافة، لا أن تتحول بأي حال من الأحوال إلى غرفة تسجيل وإملاء للإرادة الرئاسية.
وبالصيغة ذاتها، دعا رئيس الدولة، العام الماضي، إلى "تبني استراتيجية التأثير والنفوذ لصالح فرنسا"، ما دفع صحفيي فرانس 24 وإذاعة فرنسا الدولية إلى إعلان رفضهم أن يكونوا "لساناً ناطقاً باسم الإليزيه"، ومع ذلك أصر إيمانويل ماكرون على أن الإعلام الخارجي خاصةً يجب أن يضطلع بـ"وظيفة مهمة للغاية" في مواجهة "الدعاية" التي "تهدد فرنسا بشكل مباشر أحياناً، مثل ما حدث في النيجر".
الصحفيون ليسوا في خدمة السلطة
من جهتها انتقدت نقابة الكونفيدرالية العامة للشغل CGT ما جاء على لسان ماكرون، وقدّرت أن الإليزيه من خلال كلمة الرئيس يأسف لأن "هيئة التحرير المستقلة تمتنع تماماً عن القيام بأي عمل مؤثر"، مضيفة أن الإعلام العام ليس أداة بيد الدولة تخوض بها معاركها.
في المقابل، شددت النقابة اليسارية على أن الصحفيين ليسوا في خدمة السلطة، مشيرة إلى أن رئيس الدولة هو مَن أضعف هذه الوسائل الإعلامية.
وخلص الإطار النقابي إلى ضرورة إجراء نقاش حقيقي حتى لا تصبح مثل هذه اللقاءات غرفة لتدوين مشاريع الرئيس، كما أدانت بشدة الموقف "المتكرر وغير المسؤول" لرئيس الجمهورية، والذي "يضع مرةً أخرى صحفيي FMM في وضع محفوف بالمخاطر ميدانياً وأمام الجمهور".
حديث ماكرون يأتي وسط تصاعد الأصوات المعارضة للوجود الفرنسي في عدد من الدول الأفريقية، وفي سياق تنامي المواقف الرافضة لسياسة باريس بالقارة، القائمة وفق توصيف البعض على "أسس تاريخية مرتبطة بالاستعمار وعلاقات براغماتية محضة".
هذا التراجع المضطرد للنفوذ الفرنسي في أفريقيا فتح المجال أمام قوى أجنبية أخرى، على رأسها الصين وروسيا، الأمر الذي يهدد مصالح باريس الاقتصادية ويُضعف مكانتها العسكرية ووزنها الدبلوماسي.