كشفت وثيقة سرية أن وزارة الخارجية الأمريكية حثَّت الحكومةَ الباكستانية، على عزل عمران خان عندما كان رئيساً للوزراء، بسبب موقفه المحايد بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وأوضحت الوثيقة التي نشر تفاصيلها موقع The Intercept الأمريكي، أن الطلب الأمريكي كان خلال اجتماع عُقد في 7 مارس/آذار 2022.
الموقع الأمريكي قال في تقرير له، الأربعاء، 9 أغسطس/آب 2023، إنه على مدار العام ونصف العام الماضيين، دارت نقاشات كثيرة وجدل حاد، وتعاطى أنصار عمران خان وخصومه العسكريون والمدنيون بالتخمين والتدقيق مع الأخبار الواردة بشأن هذا الاجتماع.
كما أشار إلى أن الاجتماع عُقد بين السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة واثنين من مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، لا سيما بعد أن صرّح خان بأن الحكومة الأمريكية ضغطت أثناء الاجتماع المذكور من أجل إزاحته عن الحكم.
تصاعد الصراع السياسي الذي تشهده البلاد في 5 أغسطس/آب، بعد أن حُكم على عمران خان بالسجن 3 سنوات بتهم الفساد، واحتجازه للمرة الثانية منذ إقصائه عن رئاسة الوزراء. واستنكر أنصار خان الاتهامات، ووصفوها بأنها لا أساس لها من الصحة. ويمنع هذا الحكم خان، أكثر السياسيين شعبية في باكستان، من خوض الانتخابات التي يُتوقع عقدها قبيل نهاية هذا العام.
وسائل الترغيب والترهيب الأمريكية لعزل خان
بعد شهر واحد من اجتماع السفير مع المسؤوليين الأمريكيين بالتاريخ الوارد في الوثيقة الحكومية المسرّبة، أجرى البرلمان تصويتاً على سحب الثقة من خان، وأقرَّ المجلس تنحيته عن السلطة. ويُقال إن التصويت نُظِّم بدعمٍ من الجيش الباكستاني صاحب النفوذ الواسع في السياسة الباكستانية.
منذ ذلك الوقت، سار عمران خان وأنصاره إلى صراع مع الجيش وحلفائه المدنيين، الذين زعم خان أنهم دبّروا إزاحته من السلطة بناءً على ضغوط الولايات المتحدة. ولم يُنشر من قبل نصُّ البرقية الباكستانية التي أرسلها سفير باكستان إلى بلاده بُعيد الاجتماع.
تكشف البرقية، التي تُعرف داخلياً باسم "الشفرة" cypher، وسائل الترغيب والترهيب التي استعملتها وزارة الخارجية الأمريكية في حملتها لإزاحة عمران خان، إذ وعدت بعلاقات أكثر ودّاً إذا عُزل خان، وأنذرت بفرضِ العزلة على الحكومة إن لم يحدث ذلك.
تحمل الوثيقة تصنيف "السرية"، وتتضمن سرداً لوقائع الاجتماع بين مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، ومنهم دونالد لو، مساعد وزير الخارجية الأمريكية في مكتب شؤون جنوب آسيا ووسطها؛ وأسعد مجيد خان، الذي كان حينئذ سفير باكستان لدى الولايات المتحدة.
كيف حصل الموقع الأمريكي على الوثيقة؟
قدَّم الوثيقةَ إلى The Intercept مصدرٌ مجهول في الجيش الباكستاني، وقال إنه لا تجمعه أي علاقة بعمران خان ولا بحزبه. وقد نشر الموقع نصَّ الوثيقة بعد تصحيح بعض الأخطاء المطبعية اليسيرة، لأن هذه التفاصيل يمكن الاستدلال بها على العلامة المائية للمستند، وتعقُّب الجهة التي سرّبتها.
تتوافق محتويات الوثيقة التي حصلت عليها The Intercept مع التقارير الواردة في صحيفة Dawn الباكستانية، وغيرها من وسائل الإعلام، التي تناولت الاجتماع والتفاصيل الواردة في البرقية. وقد برهنت الأحداث اللاحقة على صحة ما ورد في الوثيقة بشأن تأثير الموقف من حكومة عمران خان في العلاقة بين باكستان والولايات المتحدة.
ففي البرقية، تعترض الولايات المتحدة على سياسة خان الخارجية بشأن حرب أوكرانيا. وسرعان ما ارتدت باكستان عن هذه السياسة بعد إقالته، فعادَ الود -الذي تعهّد به المسؤولون الأمريكيون في الاجتماع إذا عُزل خان- إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان.
جاء الاجتماع الدبلوماسي بعد أسبوعين من الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي بدأ بينما كان خان في طريقه إلى موسكو، وقد أثارت زيارة خان إلى روسيا في هذا التوقيت غضبَ واشنطن.
في 2 مارس/آذار، أي قبل بضعة أيام من الاجتماع، شارك دونالد لو في جلسة استماع أمام "لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي" للاستجواب بشأن حياد الهند وسريلانكا وباكستان في النزاع الأوكراني.
رداً على سؤال من السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولين، عن قرار باكستان بالامتناع عن التصويت بإدانة روسيا في الأمم المتحدة، قال لو: "لقد زار رئيس الوزراء عمران خان موسكو حديثاً، ونحن نتحرى النظر في كيفية التعامل معه بعد هذا القرار". وبدا فان هولين غاضباً لأن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتواصل مع خان بشأن هذه القضية.
تصريحات عمران خان التي أغضبت واشنطن
في اليوم السابق للاجتماع، خطب خان في حشدٍ من أنصاره وردَّ رداً مباشراً على مطالب أوروبا بانحياز باكستان إلى أوكرانيا. وقال خان مستنكراً: "هل نحن طوع أوامرهم؟"، "ما ظنكم بنا؟ أنحن عبيدكم، تأمروننا فتُطاعون؟"، "نحن أصدقاء لروسيا، وأصدقاء للولايات المتحدة. نحن أصدقاء للصين وأصدقاء أوروبا. نحن لسنا تابعين لأي تحالف معين".
تشير الوثيقة إلى أن لو تحدث في الاجتماع بعبارات صريحة عن استياء واشنطن من موقف باكستان حيال الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وتنقل الوثيقة قوله: إن "الناس هنا وفي أوروبا قلقون أشد القلق حيال أسباب اتخاذ باكستان هذا الموقف المحايد (بشأن أوكرانيا)، ونحن نشك في إمكان الحياد في هذا السياق. إذ لا يبدو لنا هذا الموقف محايداً". وقد أجريت مناقشات داخلية مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، و"من الواضح لنا أن هذه سياسة رئيس الوزراء الباكستاني".
ثم تطرق لو صراحةً إلى مسألة التصويت بسحب الثقة عن حكومة عمران خان: "أرى أنه إذا نجح التصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء، فستغفر واشنطن كلَّ ما حدث، لأنها ترى أن زيارة روسيا إنما هي قرار مرتبط برئيس الوزراء"، "أما إن حدث خلاف ذلك، فأنا أرى أنه سيكون من الصعب المضي قدماً" في علاقاتنا كأن شيئاً لم يكن.
أنذر لو المسؤولين الباكستانيين بأن هذه الأزمة لو لم تُحلَّ، فإن باكستان ستتعرض للعزلة من حلفائها الغربيين. وقال: "لا أدري ما رأي أوروبا في الأمر، لكنني أظن أنهم سيميلون إلى الرأي نفسه"، وقد يواجه خان "العزلة" من أوروبا والولايات المتحدة إذا بقي في منصبه.
واشنطن ترفض التعليق
في سياق التعليق عما ورد في البرقية الباكستانية، قال ماثيو ميللر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إنه "لا شيء في هذه التصريحات المزعومة يُظهر أن الولايات المتحدة تميل إلى رأي معين بشأن من يجب أن يكون زعيماً لباكستان"، و"أنا لن أعلق على مناقشات دبلوماسية خاصة".
تذكر الوثيقة أن السفير الباكستاني أعرب في ختام اللقاء عن أمله في ألا تؤثر قضية الحرب الروسية الأوكرانية على "علاقاتنا الثنائية". وقال المسؤول الأمريكي إن العلاقات أدركها أذى حقيقي، ولكنه ليس قاتلاً، وإذا رحل خان عن السلطة، يمكن أن تعود العلاقة إلى طبيعتها.
كما قال لو: "أرى أنها أحدثت بالفعل جفوة في العلاقة لدينا"، وأثارت القلق مرة أخرى من "الوضع السياسي" في باكستان. لكن "دعونا ننتظر بضعة أيام لنرى ما إذا كان الوضع السياسي سيتغير، لأنه إذا حدث ذلك، فسيختفي الخلاف الكبير في هذه القضية، وسرعان ما ستتلاشى هذه الجفوة. وإلا، فإننا سنواجه مشكلة حقيقية، وسيتعين علينا حينئذ أن ننظر في كيفية التعامل معها".
في اليوم التالي للاجتماع، أي في 8 مارس/آذار، تقدم معارضو عمران خان في البرلمان بخطوة إجرائية بارزة نحو التصويت على سحب الثقة.
بينما قال عارف رفيق، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط والمتخصص في شؤون باكستان، إن "مصير خان لم يكن محسوماً بعدُ وقت انعقاد هذا الاجتماع، لكنه كان واقفاً على أرض هشة". وتشير هذه الوثيقة إلى أن "إدارة بايدن أرسلت رسالة إلى من تراهم الحكام الحقيقيين لباكستان، وأومأت لهم فيها إلى أن الأمور ستتحسن إذا عُزل خان من السلطة".
بذل موقع Intercept جهوداً مكثفة لتوثيق البرقية. لكن الصعوبات الأمنية في باكستان حالت دون الحصول على توثيق مستقل من مصادر في الحكومة الباكستانية. ولم ترد السفارة الباكستانية في واشنطن على طلب للتعليق.