أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيسة الحكومة نجلاء بودن، في خطوة مفاجئة، فجر الأربعاء 2 أغسطس/آب 2023، وسط أوضاع اقتصادية متردية في البلاد، ليكلف أحمد الحشاني خلفاً لها، وهو مسؤول سابق متقاعد، وخبير اقتصادي، ويعرف عنه مواقفه المعادية للإسلام السياسي، ما يثير تساؤلات حول أسباب اختيار سعيد لهذه الشخصية، وإقالة سابقته.
يعد تكليف الحشاني الثاني فقط منذ فرض سعيد ما سمّاها "إجراءات استثنائية"، في 25 يوليو/تموز 2021، شملت حل البرلمان، وإقالة الحكومة، وتعديلات دستورية، وإجراء انتخابات جديدة، وكلها تصفها قوى سياسية معارضة بـ"انقلاب على ديمقراطية البلاد".
أحمد الحشاني.. موظف متقاعد
لا يوجد تاريخ سياسي واضح لأحمد الحشاني في تونس، وكان الأمر ذاته حين عيّن سعيد سابقته نجلاء بودن، لكن وفق المعلومات المتوفرة عنه فإنه موظف دولة سامٍ، كان طالباً للقانون في الجامعة ذاتها مع الرئيس قيس سعيد.
عمل أحمد الحشاني مديراً مختصاً في القانون والموارد البشرية في البنك المركزي التونسي، وهو أعلى منصب تسلمه قبل تكليفه في الحكومة، دون مزيد من التفاصيل عن حياته العملية، لا سيما أن وكالة الأنباء التونسية الرسمية لم تنشر شيئا عنها، على خلاف ما جرت عليه العادة عند تكليف رئيس حكومة جديد في تونس.
وقال المحامي والسياسي عبد الرؤوف العيادي في تدوينة له، تعليقاً على تكليف الحشاني: "إن رئيس الحكومة الجديد هو نجل المرحوم الرائد صالح الحشاني، الذي أعدمه بورقيبة في يناير/كانون الثاني 1963، علماً أن شقيقه ضابط سامٍ في الجيش الفرنسي، والتقيته بمناسبة إعادة دفن رفات والده سنة 2013".
في غياب معلومات رسمية عن سيرة رجل الحكومة الجديد، حضرت صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، التي أظهر فيها معاداته مع "الإسلام السياسي"، وأنه كان داعماً في انتخابات رئاسة 2019 لقيس سعيد.
في أحد المنشورات التي أثارت تفاعلاً من ناشطين تونسيين، جاء فيها موقف وُصف بالمتشدد، إزاء موافقته مطالب بإعدام كل من يسرق هاتفاً أو أي شيء من المواطنين.
وكان لافتاً أن إقالة بودن سبقتها تقارير إعلامية محلية، أفادت باعتزام حكومتها إجراء تعديل حكومي، في 25 يوليو/تموز 2023، وأن تسريبات أكدت ذلك من شخصيات مقربة من سعيد، إلا أن الأمر لم يتم في هذا التاريخ، بل ظهر سعيد ليقيل الحكومة ويكلف بأخرى جديدة.
جدل قانوني.. هل تشمل إقالة بودن وزراءها أيضاً؟
لا يزال هناك غموض دستوري يحيط بتعديل الحكومة، وفق دستور 2022، حيث لا يوجد نص واضح يجيب عن سؤال: هل بإقالة رئيس الحكومة تعد كامل الحكومة مقالة، وبالتالي على رئيس الحكومة الجديد تشكيل حكومة جديدة أم لا؟
وينص الفصل 101 على أن رئيس الدولة يعيّن رئيس الحكومة، ويعين الأعضاء باقتراح من رئيسها، أما الفصل 102 فيقول: "رئيس الجمهورية ينهي مهام الحكومة أو عضو منها تلقائياً أو باقتراح من رئيس الحكومة".
بحسب مصادر لـ"عربي بوست"، فإنه من المنتظر أن تتم عملية تسلم المهام بين بودن وأحمد الحشاني في وقت لاحق اليوم الأربعاء، 2 أغسطس/آب 2023.
معارضون: إقالة بودن إقرار بـ"الفشل الاقتصادي"
تشهد تونس أوضاعاً اقتصادية واجتماعية متدهورة، وتعاني منذ أسابيع من أزمة في توفير الخبز للمواطنين.
وفي آخر ظهور لنجلاء بودن مع الرئيس سعيد منذ يومين، كان موضوع أزمة الخبز متصدراً كلامه، مع تحذيره من انفلات اجتماعي.
للوقوف على أسباب إقالة نجلاء بودن، وسط غياب للرواية الرسمية، علقت شخصيات سياسية تونسية على هذا الأمر، وربطته خصوصاً بما سمته "فشلاً اقتصادياً لحكومة بودن، لاسيما أنها لم تتمكن من الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد".
من جانبه، قال رئيس جبهة "الخلاص الوطني" المعارضة، أحمد نجيب الشابي، إن "قرار الإقالة كان مفاجأة، رغم أن الحديث عن تعديل وزاري كان متوقعاً".
وأفاد الشابي في تصريح لـ"عربي بوست" بأنه "علينا الإقرار والتأكيد أيضاً، أن نجلاء بودن كان يجب ألا يتم تعيينها رئيسة للحكومة، لأنها لا تحظى بكفاءة سياسية، ولا مقدرة، ولا برنامج".
وأضاف: "كنا نعاني فراغاً على رأس الحكومة لمدة عامين، ولا أثر إلا لسعيد الذي يتصدر السلطة التنفيذية منفرداً، والآن نحن أمام رئيس حكومة جديد لن نعلم عنه شيئاً أيضاً، لذلك نرى أن ما يحصل عبث مستمر".
بدوره، قال القيادي في حركة" النهضة"، العجمي الوريمي، إن "إنهاء مهام بودن إعلان بالفشل الحكومي، ولاختيارات الرئيس سعيد".
وأكد الوريمي في تصريح لـ"عربي بوست": "هناك حالة من الاستياء والغضب الشعبي على كامل المنظومة الحاكمة، بالنظر للوضع التي تعرفه البلاد".
واعتبر العجمي الوريمي أن "حكومة سعيد برئاسة المُقالة بودن تشكو خللاً كبيراً ولم تحقق أية انتظارات للشعب".
وعن رئيس الحكومة الجديد لفت الوريمي "لا أحد يعرفه أو يعلم شيئاً عن قدراته، ويعتبر كأنه رجل احتياط أخرج من الظل إلى الواجهة".
من جهته، قال رئيس حزب "العمل والإنجاز" عبد اللطيف المكي، إن المؤكد بإقالة بودن أن الرئيس سعيّد يتبع سياسة مسح الفشل في موظفي الدولة ومعارضيه.
ورأى السياسي المكي في تصريح لـ"عربي بوست": "التغيير لن يكون له أي معنى، باعتبار أن سعيّد هو رئيس الحكومة الفعلي".
ولفت المكي إلى أن "بودن كانت فقط منسقاً عاماً للحكومة، وأحمد الحشاني سيكون كذلك، وإن أراد أن يفرض شخصيته وقراراته ورؤيته سيدخل في صراع مع سعيّد، بالتالي ستتم إقالته كسابقته".
وكان الرئيس التونسي وجّه اللوم للمسؤولين والحكومة، على تفاقم الأزمات في الفترة الأخيرة، وتردي الخدمات العامة، وطالبهم بالتحرك لمعالجة المشكلات.
مؤيدون لسعيد: "خطوة مهمة"
وتطالب الأحزاب المقربة من قيس سعيّد، لا سيما "حركة الشعب"، بضرورة التعديل الحكومي، والذهاب إلى "حكومة سياسية".
إذ قال عضو المكتب التنفيذي لحركة "الشعب"، أسامة عويدات، في تعليق على إقالة بودن: "هي خطوة مهمة وضرورية، وكان لا بد منها".
وشدد في تصريح لـ"عربي بوست" على أنه "لم يكن هناك رؤية واضحة ولا بوصلة في عهد حكومة بودن، بل تنكيل يومي بالمواطن، وحالة اختناق كبيرة، وكان لا بد من الإقالة، حتى لا يحصل الضرر أكثر"، وفق تعبيره.
وأضاف عويدات: "نحن منذ مدة نطالب بحكومة سياسية، أي حكومة بشخصيات سياسية لها كفاءة وخبرة ورؤية سياسية، بالتالي نرى أنه بإقالة بودن وتعيين الحشاني هناك انطلاقة نحو ذلك".
وكشف عويدات أنه "من الممكن جداً أن يحصل تعديل وزاري في الحكومة قريباً، بالتالي الاتجاه نحو حكومة سياسية لها برنامج ورؤية"، بحسب تقديره.
وكانت نجلاء بودن قد شغلت رئيسة حكومة، كأول امرأة في تاريخ تونس، بعد إعفاء سعيد حكومة هشام المشيشي، إثر قرارات حل البرلمان وتجميد عمله، وحل الحكومة.
وتعاقبت على رئاسة حكومة تونس في عهد قيس سعيد خمسة أسماء، وهم الحبيب الجمني، وإلياس الفخفاخ، وهشام المشيشي، ونجلاء بودن، وأحمد الحشاني.