علم "عربي بوست" من قيادي داخل الفصائل المسلحة في العراق أن قيس الخزعلي، زعيم فصيل عصائب أهل الحق بدأ يلعب دوراً في الحياة السياسية العراقية، ويُحاول فرض سيطرته على حكومة محمد شياع السوداني.
وأضافت المصادر نفسها أن قيس الخزعلي يسعى إلى تعويض مقتدى الصدر، عن طريق رفض التبعية لإيران، وأيضاً السعي وراء كسب رضا الولايات المتحدة حتى يضمن استقرار أكثر لحكومة الشياع التي يدعمها.
في هذا التقرير سيرصد "عربي بوست" التحركات الأخيرة لقيس الخزعلي، ورغبته للخروج من قائد فصيل مسلح إلى قائد سياسي، يسعى لاستقرار العراق.
قيس الخزعلي والسيطرة على حكومة السوداني
قال زعيم من الإطار التنسيقي الشيعي المدعوم من إيران لـ"عربي بوست"، إن "الخزعلي يعلب دور رئيس وزراء الظل، ودعم السوداني منذ اليوم الأول، وما زال يدعمه في الكثير من القرارات، وهو الآن الراعي الأقوى لحكومة السوداني، ويحاول إزاحة أي شخص من طريقه للسيطرة الكاملة على الحكومة".
تأتي تصريحات المصدر السابق ذكره، بعد سلسلة من الأحداث التي تحدث عنها لـ"عربي بوست"، والتي أثارت مخاوف لدى قادة الإطار التنسيقي وهو مظلة تجمع أغلب الأحزاب السياسية الشيعية وأجنحتها المسلحة، سواء المعتدلة أو المدعومة من إيران.
ويعد الإطار التنسيقي الشيعي هو الداعم الضامن لحكومة محمد شياع السوداني الذي تولى منصبه في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، بعد عام من الانسداد السياسي في العراق عقب الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر تشرين الأول 2021.
يقول الزعيم السياسي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست" إن "الخزعلي يحاول الظهور بمظهر جديد، الآن أصبح يرتدي عباءة السياسي المعتدل، وليس المجاهد ورئيس فصيل مسلح في المقاومة الإسلامية".
وأشار المتحدث في تصريحه إلى أن قيس الخزعلي، زعيم فصيل عصائب أهل الحق عقد العديد من الصفقات مع محمد شياع السوداني قبل توليه رئاسة الحكومة، والآن يجني ثمار هذه الصفقات بكل سهولة".
زعيم سياسي آخر في الإطار التنسيقي تشارك مخاوف المصدر الأول قائلاً لـ"عربي بوست": "الخزعلي يُجهز نفسه منذ سنوات لتحقيق مشروعه السياسي الكبير، والخروج من كونه زعيم فصيل مسلح فقط، عزز هذا الطموح خروج مقتدى الصدر من العملية السياسية إلى الآن".
وأضاف المتحدث "الخزعلي يرى أن الفرصة مناسبة الآن ليحل محل مقتدى الصدر، منذ سنوات، والخزعلي يضع عينه على مشروع الصدر السياسي، يريد أن يكون مقتدى الصدر الجديد، وهذا ما يخشاه قادة الإطار".
من جهته، نفى مصدر سياسي مقرب من رئيس الوزراء العراقي سيطرة الخزعلي على حكومة قائلاً: "الخزعلي شريك سياسي للحكومة، وحليف مثله مثل باقي قادة الإطار التنسيقي، لا يمكن أن يكون مسيطراً، إنها مجرد مخاوف لدى قادة الإطار، السوداني لديه برنامج حكومي واضح ومستقل".
الابتعاد عن إيران
في السنوات القليلة الماضية، ومن خلال تتبع لقاءات وخطابات قيس الخزعلي، زعيم فصيل عصائب أهل الحق، وهو واحد من أهم الفصائل الشيعية المسلحة المتحالفة مع إيران، نرى أن الخزعلي يحاول دائماً تصوير نفسه على أنه حليف قوي لإيران وليس تابعاً لها.
فعندما أمر المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، بعدم مهاجمة القوات الأمريكية في العراق في هدنة في عام 2021، كان قيس الخزعلي أول من خرق هذه الهدنة، وشنت عصائب أهل الحق هجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق.
في هذا الصدد، يقول قيادي في عصائب أهل الحق ومقرب من قيس الخزعلي لـ"عربي بوست": "نحن نحترم الإخوة الإيرانيين، ولكن لا نسير على هواهم في جميع الأمور، ندين لهم بالولاء في كثير من الأشياء، لكننا في النهاية نعمل لمصلحة العراق، وهذا ما يسير على نهجه الخزعلي".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست" أن "الخزعلي أخبر إسماعيل قاآني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني بأنه لن ينصاع لأوامره بعدم مهاجمة القوات الأمريكية، نحن من نقرر ما الذي يجب القيام به في الوقت المناسب".
كان قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، إسماعيل قاآني الذي حل محل قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة في غارة جوية بطائرة بدون طيار في 4 يناير/كانون الثاني 2020 قد زار بغداد في ذلك الوقت أكثر من مرة ليبلغ الفصائل العراقية المتحالفة مع طهران بعدم خرق الهدنة.
سياسي شيعي بارز مقرب من إيران، يعلق على هذا الأمر لـ"عربي بوست"، قائلاً: "منذ ذلك الوقت وعندما عصى الخزعلي الانصياع لأوامر المرشد الإيراني، علمنا أنها ستكون نقطة انطلاقة نحو تحقيق مشروعه السياسي الجديد".
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي، لـ"عربي بوست": "ضعف شخصية قاآني، بعد أن كان سليماني مسيطراً على كل شيء، شجع الخزعلي على البدء في محاولات سيطرته على الساحة السياسية".
وقال المتحدث في تصريحه: "أنا أؤمن بأن لو كان قاسم سليماني حياً، ما كان قيس الخزعلي يتجرأ على عصيان أوامر المرشد، أو عدم اتباع أوامر إيران، أو محاولاته للخروج من العباءة الإيرانية أبداً".
وفي أحد لقاءاته التلفزيونية التي حرص الخزعلي على التأكيد فيها على عدم تبعيته لإيران قال: "موقفنا عراقي لكن موقف محور المقاومة موحد، أحياناً يصطدم حزب الله اللبناني وإسرائيل دون انتظار إذن من إيران، لا نخجل من أن نكون تحت راية إيران وزعيمها وقائد المحور، هذا شرف لنا، لكن أؤكد أن موقفنا عراقي".
في هذا الصدد يقول سياسي شيعي مقرب من الخزعلي لـ"عربي بوست" إن "الخزعلي مؤمن بمحور المقاومة، ويعمل ليل نهار من أجل المقاومة الإسلامية في العراق، لكن في نفس الوقت لا يريد أن يكون تابعاً لإيران".
وأضاف المتحدث أن "جزءاً كبيراً من شعبية مقتدى الصدر، مبنية على أساس تبنيه للهجة القومية والابتعاد عن إيران، والخزعلي يريد أن يكون قومياً، خاصة بعد الرفض الكبير لدور إيران في العراق بين أفراد الشعب العراقي".
وكان العراق قد شهد حركة احتجاجية كبيرة استمرت لأشهر سنة 2019، شارك فيها العراقيون خاصة من المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية تعرف باسم "حركة تشرين"، مطالبين بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق.
الاستقلال الاقتصادي
كشفت مصادر تحدثت لـ"عربي بوست" أن الاستقلال الاقتصادي شجع قيس الخزعلي على تحقيق مشروعه السياسي ليحل محل مقتدى الصدر.
زعيم سياسي في الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران، قال لـ"عربي بوست" إن "الحكومة العراقية ضمت وحدات الحشد الشعبي إلى قواتها المسلحة، وبالتالي خصصت لها جزءاً كبيراً من الموازنة العامة".
"بالإضافة إلى المشاريع الاقتصادية التي تقوم بها فصائل الحشد الشعبي، كل هذه الأمور خلقت نوعاً من الاستقلال الاقتصادي عن ايران، جعلت قيس الخزعلي غير مضطر للارتباط بإيران من أجل أن تنفق عليهم الأموال"، يقول المصدر نفسه.
وأضاف المصدر نفسه أن "عصائب أهل الحق تسيطر على بعض آبار النفط في المحافظات الجنوبية وتستفيد منها، وتُسيطر على المعابر الحدودية والإتاوات التي تفرضها على شاحنات نقل البضائع".
وتستفيد عصائب أهل الحق، حسب مصدر "عربي بوست" من الإتاوات المفروضة على بعض الملاهي الليلية ومراكز التجميل ومن لا يدفع بالتأكيد سيتعرض لبطش العصائب.
ومنذ تأسيس وحدات الحشد الشعبي التي تضم العديد من الفصائل المسلحة العراقية الشيعة المقربة من إيران، أصدر رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي قانوناً لتقنين وضع هذه الوحدات التي جعلتها جزءاً من القوات المسلحة العراقية يتم تخصيص جزء من الميزانية العامة للبلاد لها.
البراغماتية مع الولايات المتحدة
كان إلغاء العرض العسكري للحشد الشعبي في ذكرى تأسيسه شهر يونيو/حزيران الماضي سابقة مثيرة للجدل، خاصة أنه في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، كان قد أقيم عرض ضخم استعرض فيه الحشد الشعبي ترسانة من أسلحته والطائرات المسيرة.
يقول زعيم سياسي بارز من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست" إن "قرار الإلغاء مرتبط بشكل قوي بدور قيس الخزعلي المتنامي على الساحة السياسية العراقية، الذي وافق على القرار من أجل ضمان دعم الولايات المتحدة لحكومة السوداني".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "في ولاية الكاظمي أقيم الاحتفال من أجل إحراجه أمام الغرب والأمريكيين، وكان قيس الخزعلي من ضمن الداعمين لهذا القرار، لكن بما أن السوداني يعمل الآن على كسب ثقة الأمريكان فإن الخزعلي يريد أن يقف وراءه في هذا الأمر ويدعمه لأن هذا الأمر سيضمن استقرار الحكومة الحالية التي يسيطر عليها الخزعلي".
وقال المصدر نفسه: "ليس فقط إلغاء احتفال الحشد الشعبي، لكن هنا إلغاء الاحتفال بيوم القدس، وذكرى وفاة الخميني وذكرى اغتيال سليماني والمهندس، كل هذه المناسبات لم يتحمس لها الخزعلي من أجل عدم إغضاب واشنطن وضمان دعمها لحكومة السوداني".
هذا بالإضافة إلى أن بناء علاقة جيدة بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والولايات المتحدة، يؤمن للحكومة الحالية القدرة على استيراد الطاقة الإيرانية، وضمان ضخ الكهرباء في العراق، وعدم سخط الشعب العراقي إلى حد ما.
مصدر مقرب من السوداني قال لـ"عربي بوست" إن "بايدن هاتف السوداني وأخبره بأن وقف هجمات الفصائل المسلحة ضد المصالح الأمريكية في العراق سيعود بالنفع على البلاد، ويضمن استمرار دعم واشنطن للحكومة، وهذا ما يريده الخزعلي من أجل إحكام سيطرته السياسية".
يقول مصدر سياسي مقرب من الخزعلي لـ"عربي بوست": "الخزعلي يتبع البراغماتية مع واشنطن بعد الاتفاق السعودي الإيراني، ومحاولات المصالحة في المنطقة، فرأى أن العراق لن يكون ساحة حرب لأن الظروف تغيرت، والوضع الحالي يحتاج إلى تغيير في سياسات المقاومة".
ومنذ فترة لم تكن هناك هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق، كما أن بعض الزعماء السياسيين العراقيين خففوا لهجتهم تجاه واشنطن، في نفس الوقت تعقد السفيرة الأمريكية ببغداد ألينا رومانوسكي مجموعة من اللقاءات شبه الدورية مع الزعماء الشيعة، ومع قيس الخزعلي شخصياً.
يقول قيادي في الحشد الشعبي العراقي لـ"عربي بوست": "ليس الجميع داخل الحشد موافقاً على مواقف الخزعلي، لكنه يحاول إقناع المعارضين بشتى الطرق، بأن تحسين العلاقات مع واشنطن يضمن استقرار العراق والحكومة، ويقوي موقفه السياسي، خاصة بعد انسحاب مقتدى الصدر وسيطرة الإطار التنسيقي على الحكم".
في نفس السياق، يقول سياسي شيعي مقرب من قيس الخزعلي لـ"عربي بوست" إن "الخزعلي يريد تحقيق الاستقرار للعراق، خاصة مع تغيير سياسات إيران تجاه دول الخليج، فيرى أن الهجوم على القوات الامريكية الآن لن يحقق المكاسب، بل سيكبد الحكومة الحالية الكثير من الخسائر، وهو الداعم القوي لها، ويريد لها النجاح بشتى الطرق".
من جهته، يُعلق قيادي في عصائب أهل الحق قائلاً: "لن نتخلى عن المقاومة مهما حصل، والخزعلي مؤمن بذلك، لكن تركيزنا تغير في الوقت الحالي، الأمريكان محتلون وسيخرجون من العراق مهما طال الوقت، لكن الآن علينا ضمان استقرار وأمن العراق".
الخزعلي لم يتوقف فقط عن شن الهجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق، بل في سوريا أيضاً، فبحسب مصادر "عربي بوست"، فقد أمر مقاتليه بوقف أي هجمات ضد القوات الامريكية سواء في العراق أو سوريا، وتجنب أي عمل مسلح من أجل عدم تعرض السوداني للإحراج.
يقول السياسي المقرب من الخزعلي لـ"عربي بوست": "براغماتية الخزعلي تجاه واشنطن تؤتي ثمارها، السفيرة الأمريكية تتحدث بإيجابية عن التعاون الجيد مع السوداني وحكومته، وهذا بالضبط ما يريده الخزعلي وحلفاء الحكومة أيضاً".
الانفتاح على دول الخليج أيضاً
لم تقتصر البراغماتية التي يتبناها مؤخراً قيس الخزعلي زعيم فصيل عصائب أهل الحق، تجاه الولايات المتحدة فقط، ولكن تجاه دول الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي مقرب من إيران، لـ"عربي بوست": "الخزعلي يريد استثمارات دول الخليج في العراق، وكانت إيران تقف عقبة ضد تحقيق هذا الأمر، لكن الآن ومع خطواته السريعة للابتعاد عن إيران بحجة المصلحة القومية، تصبح أقل حدة تجاه دول الخليج".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "الخزعلي أخبر السوداني بأن ليس هناك مانع من تحسين العلاقات العراقية مع دول الخليج من أجل جذب الاستثمارات، وهذا ما يحدث الآن بالفعل، فالسوداني يتخذ خطوات تجاه هذا الأمر".
إثارة غضب الحلفاء
لكن خطوات الخزعلي لإحكام قبضته على حكومة السوداني ومحاولاته ليحل محل مقتدى الصدر، أثارت ردود فعل غاضبة لدى حلفائه في الإطار التنسيقي الشيعي، وتنسيقية المقاومة الإسلامية العراقية.
في هذا الصدد، يقول قيادي في كتائب حزب الله، وهي إحدى الفصائل المسلحة الشيعية المنضوية تحت الحشد الشعبي والمقربة من طهران، إن "اللهجة اللينة تجاه واشنطن لا تعجبنا، والتخلي عن طرد القوات الأمريكية من العراق حتى ولو كان الأمر مؤقتاً كما يدعي الخزعلي يثير غضب فصائل المقاومة".
ويضيف المصدر في تصريح لـ"عربي بوست" قائلاً: "قيس الخزعلي يريد السيطرة على الحكومة مقابل التخلي عن مبادئ المقاومة، وهذا أمر سيجلب عليه غضب الكثيرين، خاصة أنه يريد الاستحواذ على كل شيء".
الغضب المتنامي من الخزعلي لم يأتِ فقط من فصائل المقاومة الإسلامية العراقية، بل من حلفائه في الإطار التنسيقي، وعلى رأسهم نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم تحالف دولة القانون الذي يسيطر على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية من بين أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي مقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "وقع الكثير من الصدام بين المالكي والخزعلي في الآونة الأخيرة بسبب سيطرة الأخير على حكومة السوداني، الخزعلي أصابه الجشع، والخوف أن يصبح نسخة من مقتدى الصدر ويقوم بإقصاء حلفائه القدامى".
من هو قيس الخزعلي؟
ولد قيس الخزعلي في يونيو/حزيران 1974 في مدينة الصدر بالعاصمة العراقية بغداد، وتخرج من كلية العلوم بجامعة بغداد، ثم شرع في دراسة العلوم الدينية بحوزة "المدرسة الدينية" مدينة النجف، ودرس الفقه وأصول الدين، ومن هنا بدأت علاقته بعائلة الصدر، حيث تتلمذ على يد محمد باقر الصدر، عم مقتدى الصدر، الذي اغتاله نظام صدام حسين في عام 1999.
كان الخزعلي من تلاميذ باقر الصدر الأوفياء، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 مباشرة، أسس مع باقي تلاميذ باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر، نواة عصائب أهل الحق الحالية لمقاتلة القوات الأمريكية.
لكن بعد ذلك انضم إلى جيش المهدي الذي يتزعمه وأسسه مقتدى الصدر بمساعدة طهران، أصبح اليد اليمنى للصدر، لكن مع تورط جيش المهدي في أعمال عنف طائفية، في الفترة ما بين 2006 إلى 2008، انشق الخزعلي عن مقتدى الصدر، وأسس فصيله الخاص، عصائب أهل الحق، الذي كان يحظى بدعم مادي ومعنوي ولوجستي كبير من الحرس الثوري الإيراني.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي مقرب من عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "الحرس الثوري الإيراني كان قد استقطب الخزعلي ليخرج من تحت وصاية مقتدى الصدر، لأن في هذا الوقت حدثت خلافات بين مقتدى والإيرانيين".
ويضيف المصدر قائلاً: "الخزعلي كان يريد أن يؤسس فصيله الخاص، كان يرى أنه لن يظل نائباً لمقتدى طوال حياته، وأنه يستحق أن يصبح زعيم فصيل مسلح قوي، وقد أغدق عليه الحرس الثوري بالكثير".
وفي عام 2007 نفذت عصائب أهل الحق عملية مقتل خمسة جنود من القوات الأمريكية في مدينة كربلاء، وكانت هذه العملية السبب في اعتقال الولايات المتحدة لقيس الخزعلي وشقيقه ليث الخزعلي ومساعديه.
في هذا الصدد، يقول قيادي في عصائب أهل الحق ومقرب من الخزعلي لـ"عربي بوست": "أثناء فترة اعتقال الأمريكيين للخزعلي، حاول بشتى الطرق التفاوض معهم من أجل الحصول على المكاسب وإطلاق سراحه، حينها علم الجميع أن الخزعلي سيكون نجماً سياسياً قادماً بقوة".
وفي حين كان الخزعلي معتقلاً لدى القوات الأمريكية المتواجدة في العراق، قامت عصائب أهل الحق باختطاف مستشار تكنولوجي للحكومة البريطانية كان متواجداً في العراق، وفي النهاية خرج الخزعلي من السجن مقابل صفقة عقدها مع الأمريكيين.
يقول القيادي في عصائب أهل الحق لـ"عربي بوست": "الصفقة كانت إطلاق سراح البريطاني ومساعديه، وتسليم جزء كبير من سلاح عصائب أهل الحق، مقابل إطلاق سراح قيس الخزعلي في نهاية عام 2009، وتم تمهيد الطريق أمامه للمشاركة في العملية السياسية، وشارك في الانتخابات البرلمانية عام 2010".
وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2014، في وقت قتال العراق لتنظيم الدولة الإسلامية أسس قيس الخزعلي حركة صادقون لتكون الجناح السياسي لعصائب أهل الحق، لكنها فازت بمقعد واحد فقط في هذه الانتخابات، ثم عادت بقوة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 وحصلت على ما يقرب من 14 مقعداً.
يقول سياسي شيعي مقرب من إيران لـ"عربي بوست": "منذ عام 2010 وكانت هناك رغبة إيرانية قوية ورغبة لدى بعض الأحزاب الشيعية في العراق، لتصوير الخزعلي على أنه رجل سياسي ناجح بعيداً عن عمله في المقاومة".
وفي عام 2014، عندما تأسس الحشد الشعبي وانضمت إليه عصائب أهل الحق، بايعت علانية المرشد الأعلى الإيراني، لكن بعد الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية، ومقتل قاسم سليماني وغيابه الذي أثر سلباً على وحدة الفصائل المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران في العراق، بدأ قيس الخزعلي في الابتعاد خطوة بخطوة عن إيران والظهور بمظهر رجل السياسية القومي.
وسعى الخزعلي في كل خطاباته للتأكيد على عدم تبعيته لإيران من أجل بناء قاعدة جماهيرية، وقد قال في أحد لقاءاته التلفزيونية: "إذا اندلعت حرب بين إيران والولايات المتحدة فلا علاقة لنا بها".
وفيما يخص إعلان عصائب أهل الحق المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قال: "ليس من الممكن أن تكون لدينا ولاية فقيه في العراق بنفس الطريقة الموجودة في إيران، جزء من هويتنا الاجتماعية هو المرجح الديني الأعلى الموجود في النجف؛ وبالتالي فإن المرجع الشيعي في النجف لا يمكنه أن يلعب دور ولاية الفقيه في العراق".
على ضوء هذه الخلفية يقول عباس محمد الباحث السياسي المقيم ببغداد، لـ"عربي بوست": "عندما كان الخزعلي يتحدث بهذه الطريقة نافياً تبعيته لإيران مؤكداً على أنه حليف لها وليس وكيلاً، كان من الممكن أن نعتقد أنه ينفي هذه التهمة عنه".
وأضاف المتحدث: "مع دعمه لحكومة السوداني وسيطرته المتزايدة عليها في الآونة الأخيرة، نستطيع القول بأن الخزعلي قد ارتدى عباءة جديدة تماماً، وبدأ تنفيذ حلمه السياسي ولم يعطله عنه مسألة تبعيته لإيران، صحيح لن يصبح مناهضاً للتواجد الإيراني في العراق، ولكن سيحاول تقليل تأثيره عليه".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”