كشفت وثائق بريطانية رُفعت عنها السريّة، أن بارون المخدرات الكولومبي، بابلو إسكوبار، عرض في العام 1993 الاستسلام لسلطات بلاده، مقابل السماح لزوجته وأطفاله بالتوجه إلى بريطانيا واللجوء فيها، إلا أن المملكة المتحدة رفضت طلبه في النهاية لأسباب كشفت عنها المعلومات الواردة في الوثائق.
صحيفة The Times البريطانية، قالت الأحد 30 يوليو/تموز 2023، إن السلطات الكولومبية هي من أبلغت دبلوماسيين بريطانيين بالعرض الذي قدّمه إسكوبار، الذي يُعد من بين أشهر تجار المخدرات في العالم.
تُظهر الوثائق أن مسؤولين في السفارة البريطانية في بوغوتا، عاصمة كولومبيا، تلقوا زيارة مفاجئة بشأن إسكوبار من غوستافو دي غريف، المدعي العام الكولومبي، في سبتمبر/أيلول 1993.
جاء في مذكرة أُرسلت من السفارة البريطانية في بوغوتا إلى لندن: "قال المدعي العام الكولومبي إن بابلو إسكوبار مستعدٌّ لتسليم نفسه، بشرط السماح لأسرته بالسفر إلى الخارج لبعض الوقت حتى تهدأ الأمور، وقد أشاروا إلى تفضيلهم بريطانيا لتكون وجهةً لهم".
تضيف المذكرة أن "المدعي العام الكولومبي دي غريف قال إن أفراد الأسرة المقصودين هم فيكتوريا يوجينيا هيناو، زوجة إسكوبار، وابنه، وابنته، وشقيقتان، وشقيق واحد، وثمانية من أبناء الإخوة والأخوات".
تكشف المذكرة أن المدعي العام الكولومبي، ورئيس البلاد آنذاك، هما فقط من كانا يعلمان بالطلب الذي قدَّمه إلى بريطاينيا، وأضافت: "وهم يدركون أن الأمر سيكون شديد الصعوبة، وإنهم لشاكرون لنا إذا ساعدناهم".
أوصت المذكرة بأن يولي "الطرف البريطاني" الأمر عنايته، إذ "نرى أن هذه المساعدة جديرة بأن تتوافق مع الدعم القوي الذي قدمناه لكولومبيا في حربها على عصابات المخدرات".
تُشير الصحيفة البريطانية، إلى أنه في الوقت نفسه تواصلت نويمي سانين دي روبيو، وزيرة خارجية كولومبيا، مباشرةً مع ديفيد هاناي، الممثل الدائم لبريطانيا لدى الأمم المتحدة، في نيويورك، سعياً إلى التوصل لاتفاق.
نقلت المذكرة أن نويمي سانين "قالت إنه من الأهمية بمكان أن يجري التعامل مع الطلب في سريةٍ تامة"، بحيث "إذا وافقت بريطانيا على قبول الأسرة فإنه يجب ألا يُعرف أن الحكومة الكولومبية كان لها أي دور في إنجاز الأمر".
في المقابل، كشفت مذكرة الرد، التي أُرسلت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1993، أن العرض أثار مخاوف لدى الحكومة البريطانية، وأشار الرد إلى أن إسكوبار أمر بقتل كارلوس ماورو هويوس، المدعي العام الكولومبي السابق، والمرشح الرئاسي لويس كارلوس جالان، الذي أيَّد تسليم أعضاء الكارتل إلى أمريكا.
علاوة على أن عصابة إسكوبار فجرت طائرة ركاب محلية في عام 1989، ما أسفر عن مقتل 110 أشخاص، لأنها كانت تظن أن الطائرة تحمل مرشحاً رئاسياً معادياً لها.
أورد التقرير المرفق بالرد أيضاً أن "إسكوبار تاجر مخدرات قاسٍ، وإرهابي"، وأنه "مسؤول عن قتل مئات وربما آلاف الأشخاص"، وأن "عائلته تعيش على أرباحه من تجارة المخدرات"، و"أن السماح لهم باللجوء في بريطانيا، ولو مؤقتاً، لن يتسق مع تمسك الحكومة المعروف بالقانون والنظام ومكافحة تهريب المخدرات والإرهاب".
كذلك حذر التقرير من أن هذه الصفقة قد تعرِّض الموظفين البريطانيين المقيمين في كولومبيا للخطر، و"لا يُستبعد أن تقع أعمال عنف في بريطانيا إذا تعرضت العائلة لهجمات من الخصوم. ولهذه الأسباب يتعذّر علينا أن نرى فوائد ملموسة لبريطانيا من قبول الأسرة".
على إثر ذلك، أصدر مايكل هوارد، وزير الداخلية البريطانية آنذاك، أمر استبعاد لأفراد عائلة إسكوبار من دخول البلاد، ونُفذ القرار بحق نيكولاس إنريكي إسكوبار أوركويغو، ابن عم إسكوبار، حين وصل إلى مطار هيثرو، في نوفمبر/تشرين الثاني 1993، ثم مُنعت العائلة من دخول ألمانيا عبر مطار فرانكفورت في الشهر ذاته، وأعيدت إلى بوغوتا بعد ذلك.
توضح الصحيفة البريطانية أن هذه المعلومات ظلت طيَّ الكتمان طيلة عقود، لكن الكشف عنها جاء بعد أن رُفع الغطاء عن وثائق المراسلات الحكومية البريطانية عن الأحداث، وإيداعها في "الأرشيف الوطني البريطاني" في كيو، جنوب غربي لندن.
كان إسكوبار قد اشتُهر في الثمانينيات بحملات تنميته للأحياء الفقيرة في ميديلين، ثاني أكبر مدينة في كولومبيا، وبناء شبكة اتجار في المخدرات سيطرت على نحو 80% من تجارة الكوكايين في العالم.
في عام 1989، احتل إسكوبار المركز السابع في قائمة "فوربس" لأغنى الأثرياء في العالم. وهيأت له ثروته تكوين جيشه الخاص، وحيازة أسطول من 142 طائرة وغواصتين، وبناء حديقة حيوانات على أرضه، التي بلغت مساحتها 7400 فدان، وكانت تضم نحو ألفي حيوان.
قُتل إسكوبار في معركة بالأسلحة النارية مع قوات الأمن في ميديلين عام 1993، ورحب الدبلوماسيون البريطانيون في بوغوتا بخبر وفاته، وبعد أن مُنعت العائلة من دخول ألمانيا وموزمبيق، مُنحت زوجة إسكوبار وأطفاله حق اللجوء في الأرجنتين.