فجأة توقفت البرامج على التلفزيون الرسمي لدولة النيجر، لتظهر مجموعة من العسكريين واقفين أمام الكاميرا، بينما كان واحد منهم جالساً وهو يتلو بياناً يُعلن من خلاله للمواطنين والعالم عن الإطاحة بأول رئيس منتخب للبلاد وأول رئيس عربي في النيجر، لكن رئيس النيجر محمد بازوم هو أيضاً آخر رئيس مقرب من فرنسا في منطقة الساحل الاستراتيجية.
قد يبدو المشهد مألوفاً لشعب النيجر، الذي عاش على وقع 4 انقلابات عسكرية، منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، كان آخرها عام 2010، كما شهدت النيجر عدة محاولات انقلابية أخرى فاشلة، فما الذي وقع بالضبط في هذا البلد الغني بثرواته والفقير شعبه؟
صبيحة الأربعاء 26 يوليو/تموز 2023، بينما كان يستعد الموظفون في القصر الرئاسي لدخول مكاتبهم، فوجئوا بأن الأبواب مغلقة، بينما ظهرت مركبات عسكرية أمام القصر لمنع أي أحد من الدخول والخروج، ليبدأ الحديث عن احتجاز الرئيس محمد بازوم.
كان الترقب هو سيد الموقف، في ظل غياب أي أنباء عن وضع رئيس النيجر محمد بازوم المحتجز، قبل أن تُصدر الرئاسة بياناً تؤكد فيه خبر احتجاز الرئيس، وتطمئن المواطنين على وضعه ووضع أسرته، وتتهم قائد الحرس الرئاسي بالانقلاب على محمد بازوم، الذي استبق إقالته بالانقلاب على الرئيس.
في الوقت الذي اتهمت رئاسة النيجر قائد الحرس الوطني، الجنرال عمر تشياني، الذي يتولى منصبه منذ 10 سنوات، بالوقوف وراء احتجاز الرئيس بازوم، أشارت تقارير إعلامية إلى أن الخطوة تأتي بعد اعتزام الرئيس بازوم مؤخراً إقالة رئيس الحرس الوطني عمر تشياني من منصبه، فهل أخطأ أول رئيس عربي للنيجر بالإبقاء على جنرال محسوب على الرئيس السابق في منصبه؟
حسب صحيفة "Le Monde" الفرنسية، فإن حلفاء رئيس النيجر محمد بازوم وفي مقدمتهم باريس، كانوا يخشون من هذا السيناريو، خاصة في ظل تصاعد حدة المواجهات في البلد مع بعض الجماعات المتطرفة، وهو ما من شأنه أن "يضر بمصالح الغرب ويزعزع استقرار منطقة الساحل"، تقول الصحيفة الفرنسية.
إذ قد تكون فرنسا قد فقدت آخر حلفائها المقربين في منطقة الساحل الإفريقية، بعد أن فقدت أصدقاءها في مالي، التي هزها انقلابان في عامي 2020 و2021، ثم في بوركينافاسو، التي شهدت انقلابين في عام واحد، حدث ذلك في 2022، ورغم تحذيرات فرنسا فإن محمد بازوم السياسي المتمرس لم يكن حذراً.
خبرة رئيس النيجر محمد بازوم
فقد شغل رئيس النيجر محمد بازوم العديد من المناصب العليا في حكومة الرئيس السابق محمدو إيسوفو، وكان وزيراً للخارجية والداخلية والشؤون الدولية، قبل أن يتولى رئاسة النيجر عام 2021، كأول رئيس يحكم النيجر دون انقلاب عسكري.
انتُخب بازوم، الذي يبلغ من العمر 63 عاماً، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، في 21 فبراير/شباط 2021، بحصوله على 55% من الأصوات، في مواجهة الرئيس السابق ماهامان عثمان، الذي لم يعترف بهزيمته، ودعا إلى "تظاهرات سلمية".
يعتبر أول رئيس للنيجر من أصول عربية؛ حيث ينتسب للميايسة، وهي من قبيلة أولاد سليمان العربية القادمة من ليبيا، والتي تعود بدورها إلى قبائل بني سليم، القادمة من نجد في الحجاز. ويتحدث اللغات العربية والهوسا والتوبو والكانوري والفرنسية والإنجليزية بطلاقة.
منذ توليه السلطة واجه محمد بازوم تحدي الهجمات الإرهابية التي تنفذها جماعات تابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" غرباً، على الحدود بين النيجير ومالي وبوركينافاسو، وجماعة بوكو حرام النيجيرية شرقاً.
لكن كل ذلك لم يشفع لمحمد بازوم من أن يكون مصيره مشابهاً لمن سبقوه في رئاسة النيجر، بعد أن خرجت مجموعة من العسكريين المنتمين للحرس الرئاسي، للإعلان بشكل رسمي عن "الإطاحة" بالرئيس، فيما ذكرت مجلة "Jeune Afrique" أن المفاوضات بين بازوم والانقلابيين مازالت مستمرة.
فيما لم يتوقف رئيس النيجر محمد بازوم عن التغريد على حسابه الرسمي الموثق في تويتر، وآخر ما قاله صباح الخميس، 27 يوليو/تموز: "سيتم الحفاظ على الإنجازات التي تم تحقيقها بشق الأنفس، كل النيجريين الذين يحبون الديمقراطية والحرية سيحمونها".