الإسكندرية للفقراء والساحل لـ”الناس اللي فوق”.. التضخم وانهيار الجنيه يفرقان بين المصريين في عطلة الصيف

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/26 الساعة 20:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/26 الساعة 20:50 بتوقيت غرينتش
العطلة الصيفية في مصر في البلطيم (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم يجد محمد سعيد، وهو موظف بإحدى شركات الاتصالات المصرية، سبيلاً سوى التحجج أمام أبنائه بانشغاله في العمل؛ للتهرب من رغبتهم في السفر إلى إحدى المدن الساحلية، وذلك بعد أن وجد الارتفاعات الكبيرة في أسعار الشقق والغرف الفندقية بالمدن الساحلية.

كان محمد أمام خيارين: الذهاب إلى مدن معروفة بأنها مصايف للفقراء، وتشهد ازدحاماً كثيفاً كعادتها، أو استلاف مبلغ مالي حتى يتمكن من الحفاظ على وضعه الاجتماعي والذهاب إلى منتجعات شرم الشيخ أو الغردقة وأحياناً إحدى قرى الساحل الشمالي.

يقول محمد لـ"عربي بوست": "إن تكلفة العطلة الصيفية هذا العام قد تتراوح بين 10 آلاف و15 ألف جنيه، إذا كنت أرغب في الحفاظ على المستوى نفسه الذي اعتدت عليه في السابق".

وأضاف المتحدث: "الوضع المادي هذا العام لم يساعدني على توفير مبلغ أدفعه لأحد الفنادق أو المنتجعات أو حتى الشاليهات والشقق الفندقية في إحدى قرى الساحل الشمالي، مع زيادة الأسعار واضطراري إلى الاستدانة حتى أتمكن من سداد مصروفات أبنائي الدراسية".

ويضيف أن الذهاب إلى مدن ساحلية مثل كفر الشيخ أو جمصة أو بلطيم أو حتى الإسكندرية ومرسى مطروح بحاجة إلى تكاليف أيضاً، بسبب أسعار وسائل المواصلات التي تضاعفت مؤخراً.

ويرى أن احتياجاته اليومية يمكن أن تطغى على أي وقت للنزهة أو الترفيه، وأن ذلك لم ينعكس فقط على الذهاب إلى المصيف من عدمه، لكنه ينطبق على أماكن الترفيه الأسبوعية التي لم تكن لديه القدرة على المداومة عليها كما كان الحال سابقاً.

الإسكندرية.. الزحام قضى على متعة المصيف

رفع صندوق النقد الدولي، في أبريل/نيسان الماضي، توقعاته لمتوسط معدل التضخم في مصر خلال العام المالي الجاري، إلى 21.6%، مقارنة بتوقعات سابقة صدرت في يناير/كانون الثاني وصلت إلى 14.8%.

وارتفع معدل التضخم في مصر إلى 41% في يونيو/حزيران 2023، مقابل 40.3% في مايو/أيار الماضي 2023، وفقاً للأرقام التي أعلن عنها البنك المركزي المصري خلال السنة الجارية.

أمام التأثيرات السلبية للتضخم اضطر سعد إبراهيم، وهو موظف بإحدى شركات الأجهزة الكهربائية، إلى أن يقلص أيام فترة وجوده في مدينة الإسكندرية الساحلية على شاطئ البحر المتوسط إلى ثلاثة أيام فقط بعد أن اعتاد أن يوجد لمدة أسبوعٍ كل عام.

ويرى إبراهيم أن إيجار شقة لمدة ثلاثة أيامٍ الآن يضاهي سعر الشقة في أسبوع، حيث تتكلف 4000 جنيه، على الرغم من كونه اختار مكاناً لا يطل مباشرة على الشاطئ ويوجد بأحد الشوارع الجانبية.

يشير إبراهيم إلى أن الهوة تزايدت هذا العام تحديداً بين مصايف الأغنياء والفقراء، ويرى أن محافظة الإسكندرية تشهد توافد ملايين المواطنين الذين ما زالوا يرون أنها مكان مناسب بعيداً عن الأماكن الأكثر شعبية مثل جمصة وبلطيم ورأس البر.

وبالتالي حسب المتحدث، فالزحام قضى على متعة المصيف، خاصةً أن أبناءه يجدون في فرصة وجودهم بالإسكندرية سبيلاً للوصول إلى قرى الساحل الشمالي على بعد أقل من 60 كيلومتراً ويمكن الوصول إليها في أقل من ساعة.

وتضاعفت أسعار الخدمات في الإسكندرية، وضمنها أسعار دخول الشواطئ التي تصل إلى 50 و100 جنيه للفرد الواحد، وهو أمر لم يكن معتاداً من قبل، والغالبية يتعاملون مع زيادة الأسعار بالتغاضي عن الوجود أمام الشاطئ في جميع الأيام.

لكن أيضاً الوجود أمام الكورنيش لم يعد يشكل متعة بسبب الازدحام واصطفاف المقاهي والكافيهات أمامه، والتي يصعب أن يتحملها غالبية من يأتون إلى الإسكندرية من محافظات وأقاليم مختلفة.

وأثارت صورة لشاب وشابة من الإسكندرية يرفعان لافتة مدوناً عليها "إسكندرية مش مصيف"، جدلاً واسعاً في مصر، وتعددت شكاوى أبناء المحافظة من سلوكيات المصطافين بما يؤشر على أن المدينة أضحت وجهة طبقات فقيرة دون أن تحظى باهتمام الحكومة في ظل مشكلات الصرف الصحي، وكذلك أزمات العقارات المتهالكة.

الساحل "الطيب" و"الشرير"

الشكاوى من ارتفاع الأسعار والتأثر بموجات التضخم وقرارات التعويم لم يقتصر فقط على أصحاب الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، لكن أيضاً مرتادي الساحل الشمالي بقسميه "الطيب" والشرير"، وهي مصطلحات تعبر عن انقسامه إلى مناطق مقبولة لأبناء الطبقة المتوسطة وأخرى لا يقدر عليها سوى حفنة من الأثرياء في مصر.

"الساحل الطيب" هو اسم أطلق على القرى القديمة التي نشأت منذ فترة كبيرة، وتكون أقل حدة في مظاهر البذخ وارتفاع الأسعار، ويميل كثير من العائلات ذات الطبقة المتوسطة للذهاب إليها؛ لكونها أقل تكلفة من المصايف الأخرى المحيطة بالساحل الشمالي.

أما بالنسبة لـ"الساحل الشرير"، فهو يتسم بمظاهر الغلاء الفاحش، وتكون القرى السياحية التابعة له باهظة للغاية، تحتاج لآلاف الجنيهات لتبيت ليلة واحدة، ويتوافد إليه أكثر الطبقات ثراءً؛ لقدرتهم على تحمل التكلفة الباهظة للغاية.

محمود مصطفى الذي اعتاد التوافد سنوياً على قرية "مارينا 5" بالساحل الشمالي، التي توجد في منطقة الوسط بين الساحل "الطيب" و"الشرير"، وجد نفسه هذا العام أمام خيارات محدودة بعد أن تضاعفت أسعار إيجارات الشاليهات.

وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إنّ ثمن الليلة الواحدة وصل إلى 10 آلاف جنيه، إلى جانب أسعار دخول الشواطئ التي تضاعفت ولم يعد هناك شاطئ يمكن دخوله أقل من 300 جنيه للشخص الواحد.

لا ينفي مصطفى، وهو مهندس بإحدى شركات الأسمنت الكبرى، أن هناك تطوراً على مستوى الخدمات المقدمة، ويشير إلى وجود اهتمام حكومي بتطور الطرق الواصلة إلى مدينة العلمين الجديدة التي تدشن افتتاحها بشكل رسمي هذا العام.

لكنه في المقابل يرى أن الساحل الشمالي أضحى أكثر ضيقاً على فئة محددة من المواطنين، وهؤلاء سيكون لديهم القدرة فقط على الوصول إلى المنتجعات الجديدة التي انتشرت على طول الساحل خلال العامين الماضيين.

ويُعتبر الساحل الشمالي في مصر من أطول السواحل في البحر المتوسط شمالي إفريقيا، ويمتد نحو 1050 كيلومتراً من مدينة رفح شرقاً إلى السلوم على الحدود المصرية الليبية غرباً مروراً بالإسكندرية والعلمين ومطروح.

ويقدر عددُ الغرفِ الفندقية بنحوِ 1300 غرفة، وعلى الرغم من الطفرة الكبيرة في الأسعار مقارنةً بالمواسم السابقة، لم تؤثر على حجم الإقبال في الساحل الشمالي خاصة في فنادق فئة الخمسة نجوم.

ويقول أحد خبراء علم الاجتماع السياسي، أن الاهتمام الحكومي يتجه نحو الاهتمام بمصايف الأغنياء، ويكون مبرر الاستفادة من عوائد السياحة وتحويل قرى الساحل الشمالي ومدينة العلمين إلى منتجعات سياحية تعمل طوال العام.

الخبير الذي تحدث لـ"عربي بوست"، قال إن الاهتمام بمصايف الأغنياء ينعكس على سوء حالة مصايف الفقراء، التي لم تعد مكاناً للترفيه بقدر كونها تغييراً عن روتين الحياة اليومي يبحث عنه ملايين الأسر المصرية.

وتنظم جهات حكوميةٌ هذا العام مهرجان "العالم علمين"، الذي انطلق في يوليو/تموز الجاري ويستمر حتى نهاية أغسطس/آب المقبل، بمدينة العلمين القريبة من الحدود الغربية، ليتضمن فعاليات فنية ورياضية، وتحشد الحكومة لتسويقه بما يجذب السياحة العربية.

تفسخ مجتمعي

خبير في المجال السياحي تحدث لـ"عربي بوست"، قال إن الاهتمام بمشروعات الساحل الشمالي يجعل المواطن العادي يشعر بأن جل الاهتمام والموارد موجهة إلى فئات تسكن أعلى الهرم الطبقي، وليس قاعدته أو حتى منتصفه.

وأضاف المتحدث أن هذا يضاعف الفجوة بين الطبقات، ويجعل هناك صراعاً طبقياً يقود إلى تفسخ مجتمعي، وأن توجيه جزء أكبر من الدعم لأماكن الترفيه والمصايف حتى تكون في متناول المواطنين، من المفترض أن يكون هدفاً رئيسياً للحكومة، لأن حالة الحرمان تؤدي إلى زيادة الاحتقان الطبقي والإحساس بانعدام العدالة الاجتماعية مع اقتصار المتعة على طبقة محدودة فقط.

وبحسب إحصاء لشركة "هنلي آند بارتنرز" المتخصصة في استشارات الاستثمار، فإن مصر تضم ثاني أكبر عدد من أثرياء القارة السمراء بعد جنوب إفريقيا، وأن نسبة الأثرياء في مصر ارتفعت بمعدل 3 % بين عامي 2014 و2019.

ويقسم التقرير أثرياء مصر إلى أربع فئات: الأولى قوامها نحو 17 ألف شخص يملك كل منهم ثروة تقدر بنحو مليون دولار أمريكي، والثانية عددها 880 شخصاً وهم الـ"مالتي مليونير" ويملك كل منهم ما يزيد على 10 ملايين دولار، والثالثة تتكون من 57 شخصاً يمتلك كل منهم ما يزيد على 100 مليون دولار، أما الفئة الرابعة فهم سبعة مليارديرات يمتلك كل منهم أكثر من مليار دولار.

محلل سياسي تحدث لـ"عربي بوست"، قال إن قضاء إجازة الصيف أمر مهم للغاية، ويساهم في تخفيف حدة الغضب التي تنتاب قطاعات كبيرة من المواطنين عبر الذهاب إلى الاسترخاء الذهني والبدني.

واعتبر المتحدث أنّ تراجع فئات عن قضاء إجازاتهم لتراجع قدراتهم المادية تكون له انعكاسات سلبية مجتمعية وسياسية، كما أن حالة التذمر بسبب ارتفاع الأسعار أثناء المصيف لها عواقبها أيضاً، ولم يكن معتاداً أن تظهر الشكاوى من طبقات يمكن تصنيفها بأنها تقبع في أعلى سلم درجات الطبقة المتوسطة وتقترب من الأثرياء.

ويشير إلى أن أوضاع الفقراء تزداد سوءاً بسبب تدهور قيمة الجنيه والأزمة التي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بموعد انتهائها، وهل الدولة ستكون مرغمة على تخفيض آخر لقيمة العملة مع توقيعها على اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وتواجه الأسر المصرية المصنفة على أنها متوسطة، حالة نفسية وعصبية واجتماعية مادية صعبة، وفقاً للمصدر ذاته، فمن جهةٍ ما زال أغلبها يتمسك بمستوى معيشة معين يتيح  الحصول على خدمات تعليمية وصحية وسكنية جيدة، وفي مقابل ذلك فإنهم يقلصون بقدر كبيرٍ هوامش الترفيه والرفاهية.

ومن المتوقع أن يكون تجاهل الذهاب إلى المصيف أو القيام برحلة، أحد أبرز القرارات التي تتخذها هذه الطبقة، أما الفقراء فسيحاولون البحث عن سبل تتماشى مع ظروفهم للترفيه، ما يجعلنا أمام  انتشار صور ومشاهد لمواطنين أضحوا يعتبرون الترع وفروع النيل ملاذاً مهماً بالنسبة إليهم لمواجهة حرارة الصيف.

وقبل أيام، انتشرت صور لأهالي إحدى قرى محافظة الدقهلية، قاموا بتحويل الترعة المبطنة المارة أمام قريتهم إلى مصيف وأطلقوا عليها مصيف الغلابة، وقام الأهالى بوضع الكراسي والشماسي على شاطئ الترعة وتوفير العوامات للأطفال للاستحمام في المياه بالعوامات ومرور الباعة الجائلين عليهم مع توافر الرمال على شاطئ الترعة؛ ليعيشوا أجواء المصيف بتفاصيله في سعادة وفرحة.

علامات:
تحميل المزيد