كشفت وثائق بريطانية، نشرت فحواها هيئة الإذاعة البريطاني (بي بي سي)، الأحد، 23 يوليو/تموز 2023، عن أن المملكة المتحدة درست حشد تأييد الدول الغربية، لتنفيذ تدخل عسكري دولي في مصر، وذلك بعد إعلان "الضباط الأحرار" الانقلاب على النظام الملكي بالبلاد، يوم 23 يوليو 1952.
كانت حركة "الضباط الأحرار" قد أطاحت بالملك فاروق ونظامه، وكانت بقيادة اللواء محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، إضافة إلى ضباط آخرين، وعقب رحيل الملك فاروق، تم تشكيل مجلس وصاية على العرش، وأصبحت إدارة الأمور في البلاد في يد مجلس قيادة الثورة، المؤلف من 13 ضابطاً على رأسهم جمال عبد الناصر.
يأتي الكشف عن هذه الوثائق بالتزامن مع الذكرى الـ71 لحركة "الضباط الأحرار" التي لعبت دوراً كبيراً في إنهاء حقبة الاستعمار البريطاني لمصر، والتي أنهت الملكية بالبلاد وأعلنت عن قيام الجمهورية المصرية في العام 1953.
تُشير الوثائق البريطانية، إلى أن لندن وجهت إنذاراً شفهياً مباشراً إلى اللواء محمد نجيب، قائد الضباط الأحرار، وأخبرته بأن بريطانيا وضعت قواتها في مصر والشرق الأوسط في حالة تأهب للتحرك، لو تعرّضت أرواح البريطانيين للخطر.
الوثائق تؤكد أن بريطانيا فوجئت بتحرك الضباط، وأنها لم تكن لديها معلومات عنهم أو عن نواياهم، مشيرةً إلى أن تحرك الضباط دفع مجلس الوزراء البريطاني، برئاسة ونستون تشرشل رئيس الحكومة آنذاك، إلى عقد اجتماع لمناقشة الأوضاع بمصر.
يكشف محضر الاجتماع عن أن الوزراء اتفقوا على أنه "من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الجنرال نجيب نفسه يسيطر على الموقف، أو ما إذا كان أداة في يد شخصيات سياسية غير موثوق فيها"، وسادت خشية بالاجتماع من "نشوء تهديد يتمثل في ديكتاتورية شيوعية"، واتفق الوزراء على أنه حينئذ ربما نؤمن موافقة وإقرار العالم الحر لتدخل يستهدف ضمان قيام نظام ديمقراطي".
يوضح المحضر أنه فيما يتعلق بالتدخل العسكري بمصر، فإن الوزراء اتفقوا على أنه "مادام الخطر على حياة البريطانيين غير موجود، فإن أي تحرك من جانب القوات البريطانية سوف يُعتبر تدخلاً في شؤون مصر الداخلية".
في تلك الأثناء كان الضابط أنور السادات (الذي تولى فيما بعد رئاسة مصر عام 1970) قد قال "البيان الأول للثورة": "أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم". وأعلن أن "الجيش يعتبر نفسه مسؤولاً عنهم".
تأهب في جيش بريطانيا
تكشف الوثائق أنه عقب اجتماع الحكومة بلندن، تقرر وضع القوات البريطانية المكلفة بالعمل في القاهرة والإسكندرية "في حالة التأهب للتحرك بعد إشعار لا يتجاوز 24 ساعة، إذا تعرضت حياة البريطانيين للخطر".
كما تقرر وضع القوات في منطقة قناة السويس "في حالة تأهب للتحرك خلال 48 ساعة من صدور إشعار بذلك"، وإبلاغ القائد الأعلى للقوات البريطانية في منطقة البحر المتوسط بأن "يبذل أقصى ما يستطيع لخفض فترة الاستعداد للعمل إلى أقل من 96 ساعة قدر الإمكان"، بحسب ما أوردته "بي بي سي".
رغم هذه الاستعدادات، فإن البريطانيين أعطوا اللواء نجيب تطميناً غير رسمي، بأنه ليس لدى "لندن نية للتدخل ما لم تتعرض حياة البريطانيين للخطر".
بحسب الوثائق أيضاً، فإنه في مساء يوم 24 يوليو 1952، أبلغ سي جي دي سي هاملتون، الدبلوماسي في السفارة البريطانية في القاهرة اللواء نجيب رسالة من حكومته تضمنت تأكيداً على عدم وجود رغبة بريطانيا بالتدخل في شؤون مصر، وأنها ستتدخل عندما تكون هنالك ضرورة لحماية أرواح الرعايا البريطانيين، فضلاً عن إخبار نجيب بأن المملكة المتحدة وضعت قواتها بحالة استعداد.
في سياق متصل، تكشف الوثائق عن أن لجنة الأركان المشتركة اجتمعت يوم 24 يوليو/تموز 1952 أيضاً بهدف "بحث التدابير اللازمة للحفاظ على موقع بريطانيا في مصر"، بعد تحرك الضباط الأحرار.
وفقاً لما ذكرته "بي بي سي"، فإنه خلال الاجتماع، الذي رأسه الأدميرال سير رودريك مكريغور، قائد السلاح البحرية ورئيس أركانها، قال الجنرال سير براين روبرتسون، قائد القوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط، إنه "ينبغي علينا بالطبع اتخاذ كل التدابير اللازمة لتأمين موقعنا في منطقة القناة ولحماية أرواح المواطنين البريطانيين في الدلتا. وفعل هذا هو بوضوح في إطار حقوقنا".
نصح الجنرال بالتمييز بين "اتخاذ تدابير تحقيق هدف سياسي، كمنع تحول السلطة إلى الشيوعيين في مصر"، والتحركات العسكرية، وقال إنه قد يكون ضرورياً تماماً اتخاذ إجراء لمنع سقوط مصر في أيدي الشيوعيين. غير أنه نبّه إلى أنه "لا مجال لاتخاذ مثل هذا الإجراء ما لم نحصل على مساندة الولايات المتحدة الكاملة".
يكشف تقرير بالغ السرية عما دار في اللقاء، حيث قال خلاله السير نيفيل براونغون، ممثل قائد الأركان العامة الإمبراطورية، إنه "من المهم أن نحرص على الإبقاء على أكبر قدر من التعاملات الودية مع الجيش المصري"، وأوصى بأنه "من المستحسن أن نقوِّي الجنرال نجيب، ونسانده".
يُذكر أنه في العام 1954، أجبر جمال عبد الناصر، اللواء محمد نجيب قائد حركة "الضباط الأحرار" على الاستقالة من منصبه، وأصبح عبد الناصر هو الذي يتولى إدارة البلاد، وتوفي عبد الناصر في العام 1970.