تتحدث الحكومة الأردنية عن "غبن فاحش" في صفقة محطة توليد الكهرباء من الصخر الزيتي التي تدعى "مشروع العطارات"، في حين أن مسؤولين سابقين ونواباً تحدثوا لـ"عربي بوست"، عن وجه آخر لإثارة هذه القضية بين الأردن والصين.
جدل كبير يشهده الشارع الأردني على خلفية المعركة القانونية بين الأردن والصين، بعد أن ذهب الطرفان إلى تحكيم دولي في مجلس تحكيم تابع لغرفة التجارة الدولية مقرها باريس لعدم التزام الأردن بالاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 2014.
ويعد مشروع العطارات في الأردن مشروعاً مستقلاً لإنتاج الطاقة من الصخر الزيتي وقعته الحكومة الأردنية مع ائتلاف شركات من الصين وماليزيا وإستونيا، وتعمل على إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي وبيعها إلى شركة الكهرباء الوطنية.
سبب الأزمة: فائض الكهرباء
وجد الأردن في 2020 أن لديه فائضاً من الكهرباء المنتجة بعد توقيع اتفاقية استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 15 مليار دولار لعشر سنوات، ومن بين أسباب ذلك فشل الحكومة الأردنية بتصدير الكهرباء إلى لبنان مروراً بسوريا؛ بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا ضمن "قانون قيصر".
بلغ إجمالي حجم الطاقة التي صدرتها الأردن حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2023 18.4 غيغاواط/ساعة، مقارنةً بـ 28.4 غيغاواط/ساعة خلال الفترة ذاتها من 2022، ما يعني تصديراً أقل مع الوقت، وفائضاً أكبر للكهرباء.
وذهب الحجم الأكبر من صادرات الأردن للطاقة إلى شركة كهرباء القدس، التابعة للسلطة الفلسطينية بإجمالي 17.7 غيغاواط/ساعة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه تم تصدير 0.70 غيغاواط/ساعة من الطاقة إلى العراق.
الغاز الإسرائيلي
يرجع مسؤولون تحدثوا لـ"عربي بوست" أزمة "مشروع العطارات" إلى هذه المشكلة المتمثلة بفائض الكهرباء، موضحين أن "الحكومة عوضاً عن إلغاء اتفاقية الغاز مع الاحتلال التي لم تمر حتى على مجلس النواب، فإنها فضلت إشعال الأزمة مع الصين حول مشروع العطارات بحجة الغبن الفاحش".
من بين هؤلاء، النائب في مجلس البرلمان الأردني صالح العرموطي، الذي كشف لـ"عربي بوست" عن "السبب الحقيقي وراء ذلك، وهو صفقة الغاز مع الجانب الإسرائيلي التي وقعتها الحكومة عام 2016، لكون أنّ مشروع العطارات هو مشروع وطني يعود بالنفع الكبير على الأردن".
وقال: "إثارة قضية تحكيم الغبن الفاحش في مثل هذا التوقيت، هو محاولة واضحة من الحكومة للالتفاف لتعطيل مشروع العطارات، وللالتفاف حول اتفاقية الغاز مع إسرائيل، وذلك بضغوطات خارجية، ومحاولة لإقناع الرأي العام بأنّ مشروع العطارات رغم ما فيه من إيجابيات، إلا أنّه يعد عبئاً على الدولة الأردنية".
وأوضح أن "مشروع العطارات مشروع وطني وجزء من استراتيجية تنويع مصادر الطاقة الأولية في الأردن، وتطوير مصادر الطاقة المحلية، ويقوم على الصخر الزيتي الذي تشتهر به المملكة، في حين أن صفقة الغاز مع إسرائيل تمّ تمريرها دون الرجوع إلى مجلس النواب، رغم أن الدستور الأردني ينص على أنّ أي اتفاقية أو معاهدة من شأنها أن لا تقر دون موافقة مجلس الأمة ومصادقته عليها".
وحاول "عربي بوست" أخذ تعليق حكومي على هذا الاتهام المتعلق بصفقة الغاز مع إسرائيل وارتباطها بقضية مشروع العطارات، لكنه لم يلق رداً حتى الآن.
إلا أن الحكومة في دفاعها عن روايتها بـ"الغبن الفاحش"، تقول إن سعر الكيلوواط الواحد ضمن مشروع العطارات يبلغ 12 قرشاً، وهي تكلفة مرتفعة مقارنة بالتعرفة التي تباع للمواطنين الأردنيين بـ10 قروش، بينما تبلغ تكلفة الكيلوواط من الغاز المستورد 6 قروش فقط، وفي المقابل، فالتكلفة أعلى رغم أن المورد محلي من الصخر الزيتي.
سلبيات أخرى
كشف النائب الأردني أيضاً عن توجهيه تساؤلات عديدة عن طبيعة "الغبن الفاحش" حول صفقة العطارات لوزيرة الطاقة هالة زواتي، حيث ستتكلف دعوى التحكيم 8 ملايين دينار أردني.
وأضاف العرموطي وهو أيضاً نقيب المحامين الأسبق، أن "الآمال ضعيفة في أن تكسب الأردن تلك الدعوى التي تكلف الملايين"، متسائلاً في الوقت ذاته: "هل بعد مضي أكثر من 6 سنوات على توقيع صفقة العطارات تأتي الحكومة لتدعى بالغبن الفاحش؟".
وقال إنّ وزيرة الطاقة رفضت تزويده في بادئ الأمر بنص الاتفاقية لدى توجيهه استجواباً حول مضمون الاتفاقية، وتعللت بأنّ ديوان التشريع والرأي يمنع الكشف عن مضمون الاتفاقيات على مجلس النواب.
وتابع: "بعد ذلك، طلبت من رئيس الوزراء بشر الخصاونة الاطلاع على نص اتفاقية العطارات الذي بدوره وجه وزيرة الطاقة زواتي بالكشف عن الاتفاقية، لأفاجأ أنّ الاتفاقية نصها باللغة الإنجليزية فقط، ولا يوجد نص باللغة العربية، وهذا أمر مخالف للقانون ومستغرب، حتى إنّ وزير الطاقة السابق إبراهيم سيف الذي سبق هالة زواتي قد وقع على الاتفاقية من دون أن يطلب ترجمتها".
كشف العرموطي كذلك أنّ "الاتفاقية التي تمّ تزويده بها ناقصة، ولم يتم عرضها بالكامل"، مشيراً إلى أنّ "نص الاتفاقية من صفحة 35-90 غير موجودة، ولم يتم توفيرها، مؤكداً أنّه قدم استجواباً بعدها لوزارة الطاقة لتزويده بكامل الاتفاقية ولم يتلق رداً".
ويبدي المجتمع المحلي مخاوف كبيرة وراء المساعي لتعطيل مشروع العطارات الذي يشغل ما يقارب 1000 عامل أردني، حيث يؤكدّ الناشط مد الله النوارسة في حديث مع "عربي بوست" أنّ "أي محاولة لتعطيل مشروع العطارات من قبل الحكومة الأردنية أو أي أطراف أخرى يعني الاصطدام بأبناء المجتمع المحلي الأردني الذين يعتبرون مثل هذه المشاريع أحد المصادر المهمة في تشغيل أبنائهم، خاصة في مناطق البادية الوسطى والبادية الجنوبية، الذي يعد مشروع عطارات أم الغدران أحد هذه المشاريع الوطنية المهمة بالنسبة لهم".
لفت كذلك إلى أن من "فوائد هذا المشروع، تدريب شبابنا على استخراج الطاقة من الصخر الزيتي، وإعطاء الأردن 460 ميغاواط بأيد محلية بعيداً عن الغاز الإسرائيلي".
من المسؤول؟
يكشف المدير العام السابق لسلطة المصادر الطبيعية ماهر حجازين، عن أنّ الجهات الرسمية المسؤولة عن توقيع الاتفاقية المتعلقة بمشروع العطارات، متعددة، ويأتي على رأسها الفريق المسؤول عن التفاوض مع ائتلاف شركة العطارات والذي اشتمل على ممثلين عن وزارة الطاقة والثروة المعدنية، وشركة الكهرباء الوطنية، وسلطة المصادر الطبيعية، ووزارة المالية، وضريبة الدخل، وكذلك من ديوان التشريع ومجلس الوزراء، بالإضافة لخبراء دوليين في مجالات الطاقة والقانون والاقتصاد.
وتساءل في حديثه مع "عربي بوست": "لماذا تثير الحكومة الأردنية فرضية الغبن الفاحش حول المشروع؟ فهل جميع هؤلاء لم يكونوا على درجة كافية من الكفاءة لتمثيل الحكومة في التفاوض؟".
يذهب حجازين إلى أنّ الحكومة الأردنية أثارت موضوع مشروع العطارات في هذا التوقيت، وذلك على خلفية الضغوطات الخارجية، لا سيما الأمريكية عليها، بحكم وجود شريك وممول صيني للمشروع، الأمر الذي يعكس التنافس الأمريكي- الصيني على أرض عطارات أم الغدران، وفق قوله.
وأضاف: "بالتالي، تسعى الحكومة الأردنية إلى إحداث مناورة أمام الرأي العام، وتبرير موقفها أمام العالم عبر إثارة موضوع التحكيم الدولي في باريس، وهي تعلم يقيناً أنّ نسبة نجاحها في قضية التحكيم ضئيلة جداً، ويمكن أن تكلف الحكومة ملايين الدولارات دون جدوى".
وعلى أثر ذلك، يلقي حجازين بالمسؤولية الكاملة على الحكومة الحالية، التي تدير هذا الملف والمسؤولة عن رفع قضية التحكيم الدولية.
من جانبه، ذهب رئيس المنظمة الأردنية للتغيير، حسام العبد اللات، في حديث خاص لـ"عربي بوست"، إلى تحميل جهة إضافية مسؤولية هذه الأزمة، قائلاً: "ملف الطاقة والبترول في الأردن لا يتم إقراره أو الموافقة عليه بشكله النهائي قبل أن تتم المصادقة عليه في بادئ الأمر من الديوان الملكي نفسه، إذ إن مراحل أي مشروع تتم عبر الدائرة الاقتصادية في الديوان، ويتم عرضها على الملك شخصياً، ومن ثمّ تعمل الدائرة الاقتصادية على متابعة الملف مع الحكومة الأردنية، التي تحيله بدورها إلى الجهات الرسمية المختصة، وعلى رأسها وزارة الطاقة".
وشدد على أن الصفقات الكبيرة من هذا النوع في الأردن لا يمكن إلا أن تمر عبر هذه المراحل.
يشار إلى أن ملف الاتفاقية المتعلق بمشروع العطارات جرى توقيعه في عهد حكومة عبد الله النسور، وتحديداً عبر وزير الطاقة الأسبق الدكتور إبراهيم سيف، ومن ثمّ تعاقبت الحكومات، وعلى رأسها حكومة عمر الرزاز، التي كانت الوزيرة الحالية هالة زواتي في منصب وزيرة الطاقة بها أيضاً، التي بدورها قدمت في ديسمبر/كانون الأول 2020 دعوى التحكيم إلى غرفة التجارة الدولية في باريس، على أرضية الغبن الفاحش في اتفاقية شراء الطاقة، ولغايات إصدار حكم بوجود الغبن الفاحش في التعريفة الكهربائية، وتقرير حق شركة الكهرباء الوطنية بفسخ العقد، ما لم يتم إزالة ذلك "الغبن الفاحش".
مشروع العطارات في الأردن
ويكشف حجازين في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، عن أنّ الاتفاقية الموقعة بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2014، تم الاتفاق فيها مع الجانب الإستوني ممثلاً بشركة استي إنيرجيا (شركة الكهرباء الحكومية الإستونية) للقيام بعمل دراسات اقتصادية فنية، لبناء محطة كهرباء عاملة على الحرق المباشر للصخر الزيتي، التي تعدّ جزءاً من استراتيجية تنويع مصادر الطاقة الأولية، وتطوير مصادر الطاقة المحلية، وتجسيداً للاستراتيجية الوطنية للطاقة لعام 2007.
وأشار إلى أنّه تم توقيع اتفاقية مبادئ للقيام بهذه الدراسات، في 12 أغسطس/آب 2008، وتمّ إمهال الشركة مدة 3 سنوات، ومددت لسنة إضافية للقيام بهذه الدراسات، ولم تُرتب اتفاقية المبادئ هذه أي التزام على الحكومة الأردنية.
يوضح حجازين أنّه بعد أن قامت الشركة ما بين الأعوام 2008-2012 بتنفيذ جميع الدراسات الفنية والبيئية والاقتصادية، وتحت إشراف ورقابة كاملة من لجنة توجيهية ولجان مختصة من الحكومة، بكلفة حوالي 30 مليون دولار، تقدمت الشركة في نهاية عام 2012 بعرض لبناء محطة كهرباء عاملة على الصخر الزيتي، وتقدمت بسعر مقترح لشراء الكهرباء من الحكومة.
وأضاف: "تمّ التفاوض مع الشركة من قِبل فرق متخصصة من مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية، وبمساعدة مستشارين دوليين تمّ التعاقد معهم من الحكومة الأردنية في القانون والاقتصاد والطاقة، وتم التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات تغطي جميع جوانب المشروع، إذ شملت العديد من الاتفاقيات، منها اتفاقية شراء الكهرباء، واتفاقية التعدين، واتفاقية المياه، واتفاقية استئجار الأراضي، واتفاقية التشغيل، واتفاقية البناء، واتفاقية الربط الكهربائي، واتفاقية قياس كميات الطاقة المشتراة".
واحتوت الاتفاقية على أكثر من 600 صفحة من الاتفاقيات المحكمة، تم التوقيع عليها بتاريخ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2014، أي بعد حوالي سنتين من المفاوضات، بدون أي التزام بالسير بهذا المشروع من الحكومة.
وأكد حجازين أنّ الائتلاف الذي تكون منه شركة العطارات كان في بداية الأمر مكوناً من شركة إستونية وأخرى ماليزية، أثناء تنفيذ الدراسات الفنية المتعلقة بالمشروع، ومن ثمّ دخلت مؤخراً على الخط الشركة الصينية الممولة للمشروع عبر البنوك الصينية وبدعم من حكومة بكين.
ونوّه إلى أنّ الحكومة الأردنية كانت في فترة ما قبل تنفيذ المشروع، تسعى إلى المساعدة على حثّ مجموعة من الدول والجهات لتقديم تمويل للمشروع، الذي استمر لحوالي سنتين ونصف السنة من بعد توقيع الاتفاقية، حيث تمكنت الشركة الإستونية في شهر مارس/آذار 2017، من توفير التمويل اللازم للمشروع المقدم بحوالي 2150 مليون دولار.
يشار إلى أن وزارة الطاقة الأردنية ترفض التعليق على قضية التحكيم، وكذلك فعلت شركة الكهرباء الوطنية خلال جلسات الاستماع في محكمة تحكيم تابعة لغرفة التجارة الدولية ومقرها باريس.
وقالت شركة العطارات للطاقة، إنها تتوقع صدور قرار في القضية في وقت لاحق من هذا العام 2023.
يذكر أن الأحكام الصادرة عن منظمة الأعمال التجارية العالمية ملزمة قانوناً وقابلة للتنفيذ.