أفادت سلطة المياه الفلسطينية بأن شركة "ميكروت" الإسرائيلية قلصت بشكل مفاجئ كميات المياه الممنوحة لمحافظات جنوب الضفة الغربية بنحو 6 آلاف متر مكعب يومياً، الأمر الذي وصفه رئيس الحكومة الفلسطينية محمود اشتية بأنه "قرار عنصري"، محذّراً من تداعياته، لا سيما في فصل الصيف الجاري، والارتفاع في درجات الحرارة، ما يفاقم أزمة المياه في الضفة.
ووفقاً لبيان سلطة المياه الفلسطينية فالقرار الإسرائيلي يستهدف بشكل أساسي محافظتي بيت لحم والخليل، والقرى والتجمعات البدوية جنوب الضفة الغربية، التي تعاني من شح في وصول المياه، مع اشتداد موجة الحر التي تعصف بالمنطقة.
البدائل باهظة الثمن
ووفقاً لشهادات المواطنين الفلسطينيين فقد بات وصول المياه للمنازل شحيحاً، لدرجة أن الاعتماد الأساسي لآلاف العائلات في تأمين المياه، هو الاستعانة بعربات المياه العذبة، التي يتجاوز سعر الكوب الواحد منها ما بين 20-25 ضعفاً من التكلفة العادية للمياه.
زكريا أسعد، من قرية أرطاس، جنوب محافظة بيت لحم، يقول لـ"عربي بوست": "هناك تعمُّد لقطع المياه عنّا في هذا التوقيت. قريتنا تقع بمحاذاة مستوطنة عتصيون، حيث يمنعنا الاحتلال من حفر الآبار الجوفية، وبالتالي فإن مصدر المياه الوحيد هي خطوط شركة ميكروت الإسرائيلية، التي تؤمّن لنا المياه مرة واحدة كل 12 يوماً فقط".
يضيف: "نخشى أن تطول مدة الانتظار أكثر من ذلك، في ضوء التقليصات التي قررتها شركة "ميكروت"، "لأن حدوث ذلك يعني وقوع كارثة على المستوى الصحي والاجتماعي، وخسائر أكبر على المستوى الاقتصادي والمالي لفئة المزارعين الذين سيفقدون محصولهم".
بدوره، يقول أبو أحمد، من مدينة الخليل، لـ"عربي بوست": "يقف أطفالي الخمسة طوال اليوم وهم يتفقدون الأنابيب، أملاً في وصول المياه لملء الخزانات، فاستمرار انقطاع المياه في هذا التوقيت الذي نشهد به موجة حر سيحل علينا بكارثة لا أحد يتمناها".
يتابع بالقول: "نحن لا نستطيع تحمل الأعباء المالية بالاعتماد على المياه المحلاة باهظة الثمن".
"قرار عنصري"
وصف رئيس الوزراء محمد اشتية قرار شركة "ميكروت" بـ"العنصري والتمييزي الخطير، كونه يحرم الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في المياه".
أما سلطة المياه الفلسطينية، فقالت إن "الهدف الإسرائيلي هو إحداث تمييز على أساس الحقوق المائية بين المستوطنين والفلسطينيين، ضمن السياسات العنصرية التي تنتهجها حكومة الاحتلال".
تشير معطيات حديثة نشرها مركز "بيتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي، في مايو/أيار 2023، أن متوسط استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه يصل لـ247 لتراً من المياه يومياً، وهو يفوق بثلاثة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني عند 82 لتراً يومياً، وينخفض هذا المعدل في التجمعات غير الموصولة بالشبكات المائية لما دون 26 لتراً وهو مستوى المناطق المنكوبة.
معطيات مقلقة
يشير التقرير ذاته إلى أن 36% فقط من سكان الضفة الغربية يحصلون على مياه جارية بشكل يومي، وتزداد النسبة لـ47% ممن يحصلون على مياه جارية أقل من عشرة أيام في الشهر.
أكثر من ذلك، وصل إجمالي استهلاك الإسرائيليين من المياه خلال العام 2020 لعشرة أضعاف ما استهلكه الفلسطينيون في الضفة الغربية، رغم أن نسبة التعداد السكاني لدولة الاحتلال هي دون 3 أضعاف من عدد سكان الضفة الغربية.
يسيطر الاحتلال الإسرائيلي بشكل مطلق على مراكز المياه في الضفة الغربية، ويتعامل مع ملف المياه باعتباره ملفاً سيادياً يخضع لاعتبارات سياسية وأمنية، ويرى الفلسطينيون أنه يهدف من وراء ذلك لاستخدم ملف أزمة المياه في الضفة كورقة ضغط وابتزاز ضدهم، بغرض ترحيلهم من مناطقهم ضمن سياسات ممنهجة من الإدارة المدنية وجمعيات الاستيطان، بهدف تشييد تجمعات استيطانية على أنقاض المناطق الفلسطينية.
يقول عبد الهادي حنتش، خبير شؤون الخرائط والاستيطان، لـ"عربي بوست": إن "دولة الاحتلال تسيطر عملياً على 84% من مصادر المياه في الضفة الغربية، التي تضم الآبار الجوفية وينابيع المياه ونهر الأردن، بالإضافة لسيطرتها على المركز المائي المعروف بالأحواض الثلاثة شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية".
يضيف المتحدث أنه "خلال السنوات الأخيرة هدم الاحتلال ما يزيد عن 500 بئر ارتوازية، ودمر 100 نبع وعين ماء، وسيطر على 600 أخرى وحولها لمستوطنيه، ولم يكتفِ بذلك، إذ إن القرى والبلدات المعزولة عن مراكز المدن وضع عليها قيوداً وشروطاً صارمة تمنع تشييد آبار جوفية يزيد إنتاجها اليومي عن 100 متر مكعب، وبعمق لا يزيد عن 80 متراً".
"ميكروت".. وسلاح المياه
تدير شركة "ميكروت" الإسرائيلية، التي تعني بالعربية "المنابع"، إدارة المياه بشكل مطلق في الضفة الغربية، ويعود تأسيسها للعام 1937 على يد الوكالة اليهودية واتحاد المشغلين الإسرائيليين (الهستدروت)، ويصنفها الكثير من المؤرخين بأنها أول ذراع استيطانية كانت مهامها القيام برحلات استكشافية للتعرف على أماكن وجود المياه لإقامة التجمعات الاستيطانية.
مع مرور الوقت سيطرت "ميكروت" عملياً على ملف المياه في دولة الاحتلال، وتحولت بمساعدة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لأحد أذرع الإدارة المدنية، المسؤولة عن تنفيذ مخططات التهويد والضم والاستيطان داخل الضفة الغربية، عبر هندسة الواقع الجغرافي لتضييق الحيز المسموح به للفلسطينيين للعيش فيه.
تستخدم "ميكروت" أدوات عديدة في إطار سياساتها الاستيطانية، منها تقليص كميات المياه الممنوحة للفلسطينيين، وتقليص ساعات وصول المياه التي تصل في بعض المناطق لأكثر من أسبوعين، وفرض شروط وغرامات على حفر الآبار الجوفية، وذلك بحسب ما أقرت به مراراً صحف عبرية.
فيما تشير بيانات الإحصاء الفلسطيني إلى أن كميات المياه التي يتم شراؤها من شركة "ميكروت" تتجاوز 84 مليون متر مكعب سنوياً، وهي تشكل ثلث الاستهلاك المحلي.
يشار إلى أن سلطة المياه الفلسطينية سبق أن أكدت أنه لا توجد أسباب فنية وراء تخفيض وصول المياه لمناطق في الضفة، إذ لم يتم الكشف عن أي أعطال في المصدر المزود، وإنما يأتي ذلك كإجراء تمييزي يضاف إلى السياسة العنصرية التي تمارسها سلطات الاحتلال بوجه عام، وفق تعبيرها.
وأضافت أن "شركة "ميكروت" بوجه خاص، تقوم بتمييز المستوطنات ومنحها كميات كبيرة إضافية من المياه على حساب حقوق الفلسطينيين"، فيما لم يصدر تعليق من الشركة الإسرائيلية.