قرّرت نقابة المعلمين في تونس، إجراءات تصعيدية بعد إعفاء وزارة التربية لمئات مديري المدارس، وحجب رواتب الآلاف من المدرّسين من بينها اللجوء إلى القضاء والإضراب ومقاطعة التدريس، متهمة الوزارة بأنها تسعى إلى تصفيتها.
نقابة المعلمين، أو كما تدعى في تونس الهيئة الإدارية القطاعية للجامعة العامة للتعليم الأساسي، قررت، بحسب مسؤولين فيها تحدثوا لـ"عربي بوست"، رفع قضية استعجالية ضد وزارة التربية بسبب إعفاء 350 مديراً، وحجب رواتب 17 ألف مدرس، بالإضافة إلى اعتزامها مقاطعة العودة إلى المدارس.
يضاف إلى ذلك خطوة تصعيدية أخرى، تتمثل، بحسب الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الأساسي توفيق الشابي، في أن "النقابة قررت تنفيذ يوم غضب وطني، سيتم تحديده لاحقاً، بعد تنسيق مع الهيئة الوطنية للاتحاد التي ستجتمع السبت المقبل 15 يوليو/تموز 2023".
قرارات نقابة المعلمين في تونس
كشف الشابي أيضاً في حديثه لـ"عربي بوست"، عن أن فرضية مقاطعة السنة الدراسية المقبلة "أمر وارد"، كما أنه سيتم تنظيم تحركات احتجاجية واعتصامات بمختلف مقرات المندوبيات الجهوية للتربية.
شدد كذلك على مواصلة قرار حجب نتائج "الثلاثي الثالث" (أسابيع من الدراسة تنتهي بامتحانات شفاهية وكتابية ثم عطلة)، ومقاطعة مجالس الأقسام، رغم العقوبات التي وصفها بـ"التعسفية" من سلطة الإشراف.
وسبق أن أفادت نقابة المعلمين التي أعلنت أنها في حالة انعقاد دائم، باتخاذها تحركات احتجاجية عدة أخرى ستعلن عنها في وقت لاحق.
حاولت "عربي بوست"، الحصول على رد من وزير التربية محمد علي البوغديري، إلا أنه لم يرد على الاتصالات، لكنه سبق أن صرّح بأن مليوناً و300 ألف تلميذ لم يحصلوا على معدلاتهم، وهو "أمر غير مقبول"، وفق تعبيره.
تعود خلفية الأزمة بين المعلمين ووزارة التربية، إلى بداية السنة الدراسية الماضية، التي انطلقت في 15 سبتمبر/أيلول 2022، وانتهت في 30 يونيو/حزيران 2023، بعد تعثر مفاوضات بين الجانبين.
تتمثل مطالب نقابة المعلمين بتحسين الوضعية المادية لهم، بزيادة أجورهم بما يتناسب مع تراجع القدرة الشرائية وغلاء الأسعار، مع إيجاد صيغة لتسوية أوضاعهم، إلا أن المفاوضات مع وزارة التربية تعثرت دون نتائج.
الأمر دفع بالمعلمين في تونس إلى التصعيد بشكل أكبر للحصول على مطالبهم، من خلال الإضراب عن تسليم نتائج الامتحانات إلى الطلاب، الأمر الذي واجهته وزارة التربية بإقالات لمديري مدارس، والحجز على رواتب آلاف المعلمين.
وسبق أن مددت وزارة التربية السنة الدراسية الماضية إلى الرابع من يوليو/تموز 2023، بصفة استثنائية، لأجل حصول التلاميذ على نتائجهم، إلا أن المعلمين امتنعوا عن ذلك.
ولم يحصل تلاميذ المدارس الابتدائية خلال السنة الدراسية 2022-2023 على أوراق الامتحانات أو نتائجهم التي حصلوا عليها أو معدلاتهم الفصلية، ما أثار حالة كبيرة من الاستياء في صفوف أولياء الأمور.
"الرواتب والأجور ليست ملكاً للوزير"
في مقابل ذلك، قال عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي، إقبال العزابي، إن "ما قامت به وزارة التربية ضد آلاف المعلمين خطوة غير قانونية، وغير أخلاقية، ومتشنجة".
وتابع في تصريح خاص لـ"عربي بوست "، أن "الغاية من الإعفاءات للمديرين وحجز الرواتب هي إرباك تحركات المعلمين المتعلقة بمطالبهم".
وقال: "الرواتب والأجور للمعلمين ليست ملكاً للوزير لكي يحجبها عنهم"، مؤكداً أنها "تعد سابقة خطيرة، وتعني ضرباً وتدجيناً للعمل النقابي" في البلاد.
وعن عدم الاتفاق بين النقابة والوزير الذي كان نقابياً (شغل منصب الأمين العام المساعد في اتحاد الشغل)، أجاب العزابي، بالقول: "نعم كان نقابياً، ولكنه الآن وزير جاء لتصفية النقابات، وتعطيل الحوار الاجتماعي، ولو كانت له جبة النقابي لما قام بتشويه زملائه".
أولياء أمور الطلبة غاضبون
بدورها، ثمّنت تنسيقية "أولياء غاضبون"، القرارات التي اتخذتها وزارة التربية، معتبرة أن تعاطي الوزارة "لم يحد عن الالتزام بحقوق الملايين من التونسيين ممن ما زالوا يراهنون على التعليم العمومي، إذ إنهم يدرسون أبناءهم بمؤسساته".
وعبرت التنسيقية في بيان لها عن رفضها التام "للتعنت النقابي"، وما اعتبرته "توظيفاً للتلاميذ، وحشرهم في التجاذبات، من خلال رهن مستقبلهم بعملية حجب الأعداد (نتائج الاختبارات)".
شدد الوزير البوغديري في تصريحات إعلامية له، على أن "الوزارة ستتحرّك لردع المُتجاوزين والمُغامرين والمُستخفين بالدولة"، وفق تعبيره.
اعتبر كذلك أن "السنة الدراسية لن تنتهي ما لم يقع تسليم بطاقات أعداد جميع التلاميذ (شهادات نتائج اختباراتهم)، وأنه لن يتم اعتماد الارتقاء الآلي للتلاميذ إلى الصفوف الأعلى، جراء تواصل حجب نتائج الاختبارات".
"لا تراجع"
يقول أحد المعلمين ممن طالهم قرار حجب الراتب، وهو ممن يرفضون تسليم الأعداد، إنه متمسك بكل قرارات نقابته.
وقال المعلم لـ"عربي بوست" طالباً عدم الكشف عن اسمه: "لن نتراجع بسبب قرارات الوزارة أبداً، هي لا تخيفنا. بل نحن ملتزمون بقرارات النقابة".
وتابع بأن "النقابة متمسكة بالتفاوض والجلوس للحوار، لكن سلطة الإشراف (الوزارة) تصعّد وتحجب رواتبنا، وتقوم بإعفاء زملاء لنا، وهذا غير مقبول، ولن نصمت".
وحول انعكاس الأزمة على الطلاب، قال: "نحترم أولادنا التلاميذ، نحن في نهاية الأمر أولياء أيضاً ولدينا أبناء يدرسون في المدارس، ولكن ظروفنا صعبة كمعلمين، فنحن نعاني، ونريد حقوقنا".
مقابل ذلك كله، لم يصدر من الرئيس التونسي قيس سعيد موقف بعد من هذه الأزمة، ولم يلتقِ وزير التربية بعد، إذ كان آخر لقاء به بتاريخ 6 يونيو/حزيران 2023.
في حين سبق أن انتقد الاتحاد العام التونسي للشغل، قرار وزارة التربية إعفاء 350 مدير مدرسة من مهامهم بسبب حجبهم نتائج الامتحانات، معرباً عن دعم الاتحاد المطلق لقطاع التعليم.
وهددت نقابة المعلمين برفع قضية ضد وزير التربية البوغديري.