استشاط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غضباً، الثلاثاء 11 يوليو/تموز 2023، بسبب ما وصفه بأنه تردد "سخيف" في إعطاء بلاده جدولاً زمنياً واضحاً بشأن العضوية في الناتو، بحسب ما ذكرته وكالة Bloomberg الأمريكية.
وأثارت فورة الغضب هذه حفيظة الشركاء الذين ضخوا مليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدة في الدفاع الأوكراني ضد الغزو الروسي، ولم يُوجّه للولايات المتحدة أي تنبيه قبل أن يطلق زيلينسكي العنان لهجومٍ على الشبكات الاجتماعية.
رسالة من الأوروبيين إلى زيلينسكي
خلال العشاء في فيلنيوس -حيث عُقِدَت قمة الناتو- وبينما كان الرئيس الأمريكي متوجهاً إلى فندق الإقامة، سلّم القادة الأوروبيون رسالة واضحة إلى زيلينسكي، وفقاً لما ذكره شخص كان حاضراً.
بحسب المصدر، قيل لزيلينسكي إنَّ عليه الحفاظ على هدوئه والنظر إلى الصورة الكاملة. ففي النهاية، جدّد القادة تعهداتهم لأوكرانيا بمنحها العضوية وضمانات أمنية جديدة من مجموعة الدول السبع. وبحلول اليوم التالي، بدا أنَّ زيلينسكي استوعب الرسالة.
وتستند هذه الرواية بشأن المشاحنات التي دارت وراء الكواليس إلى مقابلات مع أكثر من عشرة دبلوماسيين ومسؤولين مشاركين في القمة طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم لأنهم يناقشون محادثات خاصة.
كان قادة الناتو الذين وصلوا إلى فيلنيوس يسعون للوصول لموقف متسق حول عضوية أوكرانيا؛ حيث حاولوا الحديث بلغة توحي بإحراز تقدم، ويمكن لأوكرانيا أيضاً الترويج لها على أنها تقدم، لكنها في الأساس لن تجعلهم ينجرون إلى حرب نووية مع روسيا.
يُضاف إلى ذلك أنهم يتعاملون مع حكومة أوكرانية تعمل تحت الضغوط المكثفة للحرب، بجانب أنَّ توقعاتها لم تتماشَ دائماً مع الواقع السياسي من منظور الحلف.
دولتان قضتا على الأمل الأوكراني
في الأيام التي سبقت القمة، كان الدبلوماسيون المتعاطفون مع أوكرانيا يصرون على أنَّ كييف تقدم مطالب واقعية بشأن مسألة العضوية؛ لكن التعليقات العامة للإدارة الأوكرانية أشارت إلى خلاف ذلك.
فقد صرَّح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، في مقابلة مع تلفزيون Bloomberg، يوم الثلاثاء 11 يوليو/تموز، بأنَّ بلاده تأمل في تلقي دعوة رسمية للانضمام إلى حلف الناتو في القمة، حتى لو لم تصبح العضوية والالتزامات الدفاعية الجماعية التي تأتي معها رسمية إلا عقب انتهاء الحرب. لكن قال دبلوماسيون آخرون إنَّ هذا لن يحدث أبداً.
وقال كوليبا لتلفزيون Bloomberg: "كان هناك نقص في الإرادة السياسية".
وكانت الولايات المتحدة وألمانيا هما اللتين أصرَّتا على التراجع عن الالتزام بضم أوكرانيا إلى الحلف. في حين قدمت المسودات الأولية لبيان القمة الختامي مساراً أوضح لانضمام أوكرانيا في النهاية، لكن بايدن والمستشار أولاف شولتز كانا حذرين من التمادي في هذه التعهدات.
وطالبت فرق الدولتين بإجراء تغييرات في الأيام الأخيرة قبل القمة؛ مما أزعج الكثير من الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك الأوكرانيين.
رسالة أوكرانية أتت بنتائج عكسية
في اليوم التالي، سمع الفريق الأوكراني أنَّ الحلفاء أوشكوا على الاتفاق على نص البيان، لكنه لن يعجبهم؛ لذا قرروا إرسال تغريدة استفزازية، في محاولة لإعادة دفة النقاش لصالحهم.
واستحوذت التغريدة بالتأكيد على انتباه المفاوضين، لكنها جاءت بنتائج عكسية.
فعندما وصل زيلينسكي إلى مقر انعقاد القمة، قوبل بانتقاد صريح من عدة قادة آخرين، الذين أوضحوا أنَّ تصرفه غير مقبول.
وشعر مؤيدو كييف الأكثر حماسة بالقلق من أنَّ الحلفاء يكررون نفس خطأ عام 2008 عندما أثبت التعهد المُبهَم بعضوية أوكرانيا أنه استفزاز لروسيا، ولم يقدم في الوقت نفسه حماية كافية ضد العدوان العسكري.
وفي هذا الصدد، علّقت كريستين بيرزينا، المحللة الجيوسياسية في مركز الفكر والرأي German Marshall Fund بواشنطن: "بإضافة شرطين إلى عضوية أوكرانيا لم يكونا موجودين من قبل، يعطي الناتو انطباعاً بأنه يتعامل مع أوكرانيا ببرود".
لكن كان هناك أيضاً فهم جماعي للحاجة إلى إظهار الوحدة.
كان الدبلوماسيون من كلا الجانبين يصوّرون فورة غضب زيلينسكي في اليوم السابق على أنها مناورة مألوفة تهدف إلى زيادة الرهانات في المفاوضات، وهي خطوة نجحت في الماضي، لكن هذه المرة لم تؤتِ ثمارها.
وبرغم أنَّ زيلينسكي هدد عدة مرات بعدم حضور القمة، تغيرت نبرته عندما تحدث للصحفيين في منتصف النهار.
وقال زيلينسكي للصحفيين: "نتفهم أنَّ البعض يخشى التحدث عن عضويتنا في حلف شمال الأطلسي الآن؛ لأنهم يخشون الحرب الدولية". وأضاف أنَّ أوكرانيا تقبل أنه لا يمكنها الانضمام إلا "عندما يكون الوضع آمناً على أرضنا".
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو يقف بجانب زيلينسكي في وقت لاحق يوم الأربعاء 12 يوليو/تموز: "سنحرص على حصولك على ما تحتاجه.. ونتطلع إلى اليوم الذي نعقد فيه اجتماعاً للاحتفال بعضويتك الرسمية في الناتو".