رغم الجهود التي تقوم بها لجنة 6+6 في ليبيا المشتركة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، من أجل التوصل إلى حل سياسي يصل بالبلاد إلى انتخابات رئاسية وعامة، فإن البعثة الأممية ترى أنها "غير كافية"، لا سيما أن الأولى لا تزال عاجزة عن التوصل إلى اتفاق بشأن الخلافات المتعلقة بقوانين الانتخابات.
تصريحات البعثة الأممية حول لجنة "6+6" جاءت معبرة عن إحباطها من جهود هذه اللجنة، مؤكدة أنها "غير كافية للتوصل إلى حل حتى الآن"، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أسباب ذلك، وعن البدائل والسيناريوهات التي من الممكن أن تنهي الخلافات الحالية بين الأطراف الليبية المتصارعة.
وفي ليبيا، يطلق مصطلح "الأجسام السياسية" على مجالس الحكم، التي تتمثل بـ"النواب" و"الأعلى للدولة" و"الرئاسي" وحكومتين، واحدة مُعترف بها دولياً في غرب البلاد، وأخرى كلفها البرلمان في الشرق، وجميعها متنازع بينها، دون حل يلوح في الأفق.
داخل مجلسي الأعلى للدولة والنواب، تأييد واضح لعمل لجنة "6+6" المشتركة بين هذه المجلسين، إلا أن هناك أعضاء آخرين يرفضونها، ويعتبرون أنها "انحرفت عن استحقاقاتها"، مؤيدي تصريح البعثة الأممية بهذا الشأن.
"انحراف 6+6 عن استحقاقاتها"
في هذا الشأن، صرّحت نعيمة الحامي، عضو المجلس الأعلى للدولة، في تصريح لـ"عربي بوست"، بأن تشكيل لجنة 6+6 "غير دستوري وغير صحيح".
وقالت إن "اللجنة توجهت إلى اختصاصات ليست من اختصاصاتها، إذ إنها من المفترض أن تقوم بإعداد قانون الاستفتاء والانتخابات، ولكنها توجهت إلى السلطة التشريعية وتقسيم المقاعد، وربط انتخابات مجلس النواب بانتخابات الرئاسة".
تابعت أيضاً بأنها كعضو في المجلس الأعلى للدولة، تتفق مع تصريحات البعثة على أن لجنة 6+6 لن تكون قادرة على إيجاد حل حقيقي، مؤكدة أن موقفها "ليس تقليلاً من جهود اللجنة، ولكن هذا هو الواقع"، وفق تعبيرها.
"توافق مرتقب"
في المقابل، قالت عضو مجلس النواب الليبي، أسماء الخوجة، لـ"عربي بوست"، إن "لجنة 6+6 أكملت عملها وقامت بما هو مطلوب منها على أكمل وجه، وشهدت توافقاً بين أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، ويمكنني وصف اللقاء بينهما بأنه كان ناجحاً ومثمراً".
أبدت كذلك عضو مجلس النواب الليبي استغرابها من التصريحات التي أفادت بعدم نجاح هذه اللجنة، أو عدم وصولها إلى حل ينهي الخلافات الحالية والوصول إلى توافق لإجراء الانتخابات الليبية في أقرب الآجال، مؤكدة أن "مجلس النواب قد رحّب بمخرجات هذه اللجنة، كما رحّب بها المجلس الأعلى للدولة ايضاً".
وأكدت الخوجة عن لقاء قريب بين أعضاء مجلس النواب للاجتماع في الجلسة القادمة حول مخرجات هذه اللجنة، لإبداء الآراء بين أعضاء المجلس لمناقشة أي تعديلات أخرى، وأن هذه اللجنة ستكون هي الحل للوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية.
التدخلات الدولية
تبدو المواقف داخل مجلسي النواب والأعلى للدولة متباينة، إلا أنه في الإطار التحليلي لهذا الملف، صرح المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ،
بأن "سبب عدم التوافق قد يكون غياب النية للوصول إلى حل من المجلسين النواب والأعلى للدولة".
وأوضح أن "المسألة لا تتعلق بالمجلسين فقط، بل إن هناك أطرافاً سياسية وعسكرية أخرى فعالة، وتأثيرها في المشهد أصبح واضحاً وأكثر بكثير من المجلسين، لذلك فإن حدوث انفراجة أو تقارب بين هذه الأطراف المتنازعة هو أمر مستبعد".
تابع بأن "عدم توافق الرؤى الدولية وحالة الخوف لدى الأطراف الدولية تجعلها لا تتحمّس بأن تدعم هذه المسألة، بالتالي ترى الكثير منها التعامل مع الأجسام الحالية في ليبيا أفضل من أن تتعامل مع مخرجات انتخابية ليست مضمونة النتائج بالنسبة لها، وهذا يعد سبباً رئيسياً لعدم الوصول لاتفاق، سواء أكان من خلال لجنة 6+6 أو غيرها".
أشار أيضاً إلى أن "تصريح البعثة لا يُعد تقليلاً من جهود لجنة 6+6، وإنما هي قناعة بعدم الخروج بنتيجة، وأن المسألة أصبحت بعيدة كل البعد عن الحل الليبي الليبي"، مؤكداً أن "هذا مجرد شعار فقط، فلن يكون الحل ليبياً خالصاً، لأن كِلا الطرفين في اللجنة لديهما ارتباطات دولية، تضغط وتُسير المسارات السياسية لهما".
وأوضح أنه "منذ البداية يجزم الجميع بأن هذه اللجنة لن تأتي بحل، وهذه حقيقة نابعة من سوابق وشواهد حصلت، بأن الحل يكمن في التوجه الدولي لمسألة الفصل بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفي الوقت الحالي هناك غياب للتوافق المحلي والدولي حولها، وهذا الأمر أصبح يُستغل من المجلسين والحكومتين، وجميع الأطراف، للبقاء في السلطة، والاستفادة من حالة العبث".
وشدد على أن "التوجه نحو الانتخابات التشريعية يعني أن يأتي جسم تشريعي جديد وحكومة جديدة منبثقة عن إرادة شعبية"، مؤكداً أنه "إذا استمرت قضية ارتباط الانتخابات الرئاسية بالبرلمانية، فلن يكون هناك حل".
ماذا عن دور البعثة الأممية؟
أكد المحلل السياسي، محمود إسماعيل الرملي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الملف الليبي غاية في الغموض، وغاية في الصعوبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التسليم بأن لجنة 6+6 لم تتوصل إلى حل، ولكن الواقع العملي يقول إنها توصلت إلى حل، ولكنه لا يرضي الجميع، فهناك إشكاليات ثلاثة".
أوضح أن هذه الإشكاليات تتلخص بـ"مسألة متعددي الجنسية وحامليها، ومسألة العسكريين المرشحين، ومسألة من يحملون أحكاماً وقضايا سابقة، وأيضاً هل ستُجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومتى؟ ومدى ارتباط انتخابات الرئاسة بالبرلمان، فهل في حال عدم حصول الانتخابات الرئاسية ستكون الانتخابات البرلمانية باطلة؟".
أوضح أن "كلها أسئلة حرجة تطرح نفسها، ولكن في الواقع، فإن السؤال يقول: هل المسألة متعلقة بالحلول أم بالرغبة في عدم الوصول إلى الحلول؟ أم كليهما؟".
لفت كذلك من ناحية أخرى، أنه "بدا واضحاً أن البعثة الأممية الحالية لم تنجح، بل هي متهمة بالفشل التام، وبأن عملها يصبّ في صالح دول أو أجندات خارجية معينة، وبالتمديد والتنطيط في العمل على إدارة المشكلة".
يصف الرملي بأن المبعوث الأممي عبد الله باتيلي ربما سيضاف إلى قائمة المبعوثين الفشلة الذين سبقوه، فهناك شكوك كبيرة ومشروعة متمثلة في عدم رغبة البعثة في الوصول إلى حل، نظراً لتعارضه مع مصالح بعض الدول.
تابع كذلك بأنه "حتى محلياً، ليست هناك نية للتوجه إلى حل حتى لا تتضرر مصالح بعض الدول، في المقابل لا يُبرر هذا بأن هناك أجساماً ميتة متربعة على عرش ما يتعلق بالسياسة في ليبيا، منها البرلمان منتهي الصلاحية ومجلس الدولة والحكومات المتصارعة، فكلها أجسام يجب أن تنتهي".
وحاول "عربي بوست" أخذ تصريح من البعثة الأممية إلا أنها لم ترد على اتصالاته.
الحل في الانتخابات
وقال الرملي، إنه "ليس هناك مشروع واضح تقوده الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا، ولن تحدث الانتخابات خلال هذا العام 2023، ويبدو أن إجراء الانتخابات أضحى من الماضي، لأنه لم يتم الانتهاء من الإجراءات المطلوبة لإتمامها، ويكمن السبب في ضرورة إزالة كل الأجسام الحالية، ولا يمكن العمل على إصلاح ذلك إلا عن طريق إجراء الانتخابات، والتوجه إلى صناديق الانتخابات بدل صناديق الذخيرة".
وتابع بأن "الأمم المتحدة كان عليها أن ترسم ملامح حل، ولكنها لم تفعل، وعلى الليبيين أن يدركوا ذلك جيداً".
وأشار الرملي إلى أن "الليبيين يريدون الانتخابات، والتوجه إليها، ويريدون إنهاء المراحل الانتقالية، ويريدون دستوراً وقواعد تحكم هذه العملية السياسية، بعد أن طال أمدها منذ عام 2011 حتى اليوم".
وقال إن "هناك توجهاً بشكل صريح إلى ما يتعلق بضرورة توحيد الجهود من أجل عملية سياسية ناضجة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، والعملية التي انتهت لها لجنة 6+6 ربما يمكن العمل على إصلاحها، حتى وإن كانت بها إشكاليات حول شروطها، ولكن يجب العمل على إصلاح نقاط الخلاف".
وأضاف: "يجب أن يكون هناك انصياع للحل، وأن تكون الإرادة الدولية واضحة في مساعدة الليبيين في إعادة صناعة مستقبلهم، وليس في مساعدة أشخاص من أجل البقاء في السلطة، وتمديد نصوص من أجل الاستمرار في المشهد ذاته".
وشدد على أنه "لا يمكن أن يستمر هذا الوضع بهذا الشكل، والسيناريوهات التي وضعت من المجتمع الدولي لا يمكن أن تؤتي أكلها، ويجب عليهم مساعدة ليبيا من أجل بناء دولة من أجل الاستقرار والهدوء، وكل ما جرى من إشكاليات كانت بسبب التحالفات الدولية".
واختتم بقوله إن "الغرب ليس مهتماً سوى بملفات النفط والغاز وملفات الهجرة غير الشرعية، أما الملفات الأخرى في ليبيا ليست من أولوياته، بالتالي استمرار الأزمة والصراع، وتقاسم النفوذ دون أن يصل الليبيون إلى حل. ومع كل هذه الإشكاليات لابد أن يصل الليبيون إلى حل قبل نهاية هذا العام، بشرط إرادة سياسية قادرة على إحداث تغيير كل الأجسام السياسية والوصول إلى دستور يحكم العملية السياسية في ليبيا".
يشار إلى أن لجنة "6+6″، المُشكلة من مجلسي النواب والأعلى للدولة، توصلت إلى قوانين انتخابية أحدثت بعض نقاطها جدلاً في البلاد، ومطالبات بتعديلها، بينما تُصر اللجنة على أن "قوانينها نهائية ونافذة"، إلا أنها لم تحسم الجدل بشأن العديد من القوانين، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة.
وترعى البعثة الأممية حواراً سياسياً في ليبيا بهدف إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية 2023 لحل أزمة الصراع على السلطة منذ مطلع 2022.