قالت صحيفة The Times البريطانية في تقرير نشرته الجمعة 7 يوليو/تموز 2023 إن الإيطالية جورجيا ميلوني تُعَدُّ أول زعيمة يمينية متشددة تتولى رئاسة الوزراء بعد الحرب في ثالث أكبر اقتصادٍ أوروبي. ويدرس العديد من ساسة اليمين ظهورها المتزايد على الساحة الأوروبية اليوم حتى يسيروا على نهجها، ليقتربوا أكثر فأكثر من السلطة في جميع أنحاء القارة.
ففي إسبانيا، قد ينضم حزب فوكس القومي إلى الحكومة عما قريب بعد أن حصد ضعف أصواته المعتادة في الانتخابات المحلية الأخيرة. أما في فرنسا، فتتوقع مارين لوبان الحصول على دعمٍ إضافي من الناخبين الذين سئموا أعمال الشغب في البلاد.
جورجيا ميلوني باتت قدوة لأحزاب أوروبا اليمينية
في حين تستغل أحزاب اليمين المتشدد في النرويج والسويد نفوذها لشن حملات ضد الهجرة، مدفوعةً بنجاحها الانتخابي. ومالت اليونان بدورها نحو اليمين كذلك. فيما يفوز حزب "البديل من أجل ألمانيا" بالانتخابات المحلية للمرة الأولى في تاريخه، ويتصدر استطلاعات الرأي في شرق البلاد.
لم تتراجع شعبية جورجيا منذ وصولها إلى السلطة داخل إيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول، ومضى ائتلافها للفوز بالانتخابات المحلية، بينما انقسم معارضوها وبدأوا يميلون إلى اليسار أكثر.
فبعد أن مهد رئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني الطريق أمام دونالد ترامب، وبعد أن دشنت حركة النجوم الخمسة عصر الشعبوية على الإنترنت؛ جاءت أول رئيسة وزراء أنثى في تاريخ إيطاليا لتُثبت أن بلادها لا تزال المختبر المسؤول عن إطلاق الصيحات السياسية.
وقال باول زيركا، زميل السياسة الأقدم في مركز European Council on Foreign Relations البحثي: "لم تعد جميع أحزاب أوروبا تتحدث عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي اليوم، بل يستمتعون بهذه الدفعة المضاعفة لأنهم يركزون على مشكلات الحياة اليومية".
تزايد وتيرة رفض الهجرة في أوروبا
لا شك أن التحدي اليومي الرئيسي بالنسبة للناخبين يتمثل في ارتفاع تكلفة المعيشة نتيجة الحرب في أوكرانيا، ونتيجة مشكلات سلسلة التوريد بالتزامن مع تعافي العالم من كوفيد-19.
وفي الوقت ذاته، يُقلّد اليمينيون حول أوروبا قرار جورجيا وشريكها في الائتلاف ماتيو سالفيني بمعارضة أهداف الاتحاد الأوروبي الخضراء.
حيث رفض زعيم حزب الرابطة (ليغا) المناهض للهجرة، سالفيني، أهداف خفض الانبعاثات باعتبارها "خياراً كارثياً يساعد الصين". كما حمّل المسؤولية عن الفيضانات المميتة الأخيرة في إيطاليا لأنصار البيئة، الذين أوقفوا برامج الحماية من الفيضانات.
وتشهد هولندا صعوداً سريعاً لحزب حركة المزارع-المواطن الذي يحارب السياسات الخضراء. بينما يتمرد الألمان ضد الضغوط الحكومية لتركيب مضخات حرارية مناسبة للبيئة في منازلهم.
وقال زيركا: "شهدنا زيادةً في المخاوف حيال تهديد الحريات في ألمانيا والنمسا أثناء تفشي كوفيد، وأرى أن الجدل بشأن المضخات الحرارية يرتبط بذلك الأمر. ويُمكن القول إن المطالبة بالحريات أصبحت مرتبطةً اليوم بردٍ فعل عنيف ضد أنشطة حماية البيئة، فيما يقول اليمين المتشدد إنه سيحافظ على تلك الحريات".
تطبيق سياسات اقتصادية تقليدية في إيطاليا
سيلاحظ اليمينيون الذين يسيرون على نهج جورجيا أنها خففت من حدة خطابها المناهض للاتحاد الأوروبي بمجرد توليها المنصب، وطبّقت سياسةً اقتصادية تقليدية.
علاوةً على أنها لم تفِ بوعودها بوقف تدفق قوارب المهاجرين مع وصول 69 ألف شخص للبلاد خلال العام الجاري، أي أكثر من ضعف الإجمالي المسجل بحلول التوقيت نفسه من العام الماضي 2022.
وتحث جورجيا دول الاتحاد الأوروبي على استقبال بعض الواصلين، لكن الرافضين للفكرة هم أقرب حلفائها في بولندا والمجر، اللتين تشاركانها خطابها المناهض للهجرة.
وليس هذا هو مصدر التوتر الزاحف الوحيد داخل المعسكر اليميني الأوروبي بحسب فرانسيسكو غاليتي، محلل شركة Policy Sonar الاستشارية في روما. إذ قال: "باستثناء جورجيا والبولنديين؛ لم تأخذ الغالبية العظمى من أحزاب اليمين الأوروبي موقفاً حازماً ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا -وخير مثالٍ على ذلك هي مارين وفيكتور أوربان المجري".
حرب أوكرانيا اختبار صعب لأحزاب أوروبا
ستكون مسألة روسيا بمثابة اختبار صعب للأحزاب أثناء تشكيل تحالفاتهم، التي يأملون أن تمنحهم الأغلبية في انتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل. وقد بدأت الشروخ تظهر في روما.
حيث تحالف سالفيني مع مارين والبديل من أجل ألمانيا في كتلة برلمانية بالاتحاد الأوروبي. ويأمل سالفيني أن تتحالف كتلته مع كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، التي أسسها حزب المحافظين البريطاني قبل الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي تضم حزب إخوة إيطاليا الخاص بجورجيا وحزب العدالة والقانون الحاكم في بولندا.
بينما قال غاليتي: "تكمن المشكلة في أن سالفيني وحلفاءه يُنظر إليهم على نطاقٍ واسع باعتبارهم سامين وأنصاراً لروسيا -ولهذا لن يتحقق ذلك التحالف".