علم "عربي بوست" من مصادر نيابية مطلعة أن عوامل داخلية وخارجية تسببت بتأجيل إقرار قانون العفو العام في الأردن المنتظر، وإرجاء مناقشته في جلسة استثنائية للبرلمان كان من المزمع عقدها في 16 يوليو/تموز 2023.
أوضحت أن الخطوات القانونية لإقرار القانون كانت ستبدأ بعرضه على مجلس النواب، بعد صدور إرادة ملكية تقتضي بالموافقة على إقرار قانون العفو العام في الأردن، إلا أن "مطالب خارجية من بينها الإفراج عن باسم عوض الله" تسببت بتأجيل الأمر.
باسم عوض الله
تؤكد المصادر لـ"عربي بوست" أن دولة خليجية معروفة بعلاقتها برئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، المعتقل حالياً، طالبت الأردن بأن يشمله قانون العفو العام.
كشفت كذلك عن طلب أردني في مقابل الإفراج عنه، يتمثل بتغطية تكاليف إصدار قانون العفو العام، التي تقدر بنحو 200 مليون دينار أردني، فيما كان رد الدولة الخليجية بالموافقة الأولية، إلا أن الأمر لم يبتّ فيه بشكل رسمي بين الدولتين حتى الآن.
مصادر حكومية أخرى أكدت هذه المعلومات لـ"عربي بوست"، وعلقت بأن هناك أموراً غير محسومة بعد بهذا الخصوص، مثل: "هل الدعم الذي سيقدم سيصل إلى الديوان الملكي، أم كتعويضات للجهات المتضررة من وراء العفو، ومنها البلديات المحلية التي تعدّ أكبر المتضررين من الناحية المادية جراء إسقاط المخالفات المتراكمة التي تقدر بـ40 مليون دينار أردني؟".
وسبق أن صدر حكم نهائي من محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية في الأردن، في عام 2021، بسجن رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله 15 عاماً مع الأشغال المؤقتة، فيما عُرف بـ"قضية الفتنة".
وفي 3 أبريل/نيسان 2021، أعلنت السلطات اعتقال عوض الله و17 متهماً آخرين في تهم متعلقة بتورط الأمير حمزة (41 عاماً) مع "جهات خارجية" في "محاولات لزعزعة أمن البلاد" و"تجييش المواطنين ضد الدولة"، وهو ما نفى صحته الأمير.
وتدخل الأمير الحسن، عمّ الملك، لاحتواء الخلاف داخل الأسرة الهاشمية، لتجنب محاكمة الأمير حمزة، وهو ما حدث بالفعل، حيث أسفر مسعاه عن توقيع الأخير رسالة أعلن فيها الولاء للملك عبد الله الثاني.
العفو العام في الأردن 2023 ومطالب أمريكية
مطالب خارجية أخرى تضاف إلى ما سبق أيضاً، هذه المرة أمريكية، إذ تؤكد المصادر ذاتها، أن واشنطن أوصلت مطالب عبر سفارتها في الأردن وعبر اجتماعات مع مسؤولين أردنيين لمناقشتها، وتتمثل في أن يشمل العفو العام الناشطين والحراكيين والمعارضين السياسيين.
كما أن المطالب شملت أيضاً دعوة السلطات في الأردن إلى "عدم شمول العفو العام في الأردن 2023 قضايا الإرهاب منها تهريب الأسلحة لحركات المقاومة في الأراضي الفلسطينية (ما يعني ضمناً الإشارة إلى قضية النائب عماد العدوان)، بالإضافة إلى المنتمين والمحسوبين على تنظيمات جهادية كالقاعدة وداعش".
من المطالب الأخرى أيضاً ألا يشمل العفو كذلك قضايا الشرف والقتل عليها، والاعتداء على العرض، والاغتصاب.
مطالب إسرائيلية متعلقة بالنائب العدوان
الجانب الإسرائيلي كانت له مطالبه أيضاً في هذا الملف، داعياً الأردن إلى ألا يشمل العفو العام في الأردن 2023 القضايا المتعلقة بتهريب الأسلحة والمتهمين الذي جرى توقيفهم ومحاكمتهم في قضايا تجارة الأسلحة وتهريبها للداخل الفلسطيني، ومنها القضايا المتعلقة لصالح حركة "حماس" واتهامهم بالارتباط بجماعات مسلحة، والتدريب.
يتضح من ذلك أيضاً أن المطلب يقصد بالأساس النائب الأردني عماد العدوان، المعتقل حالياً بعد تسليمه من الاحتلال الإسرائيلي إلى الأردن لمحاكمته بتهمة القيام بـ12 عملية تهريب إلى الضفة الغربية المحتلة لصالح المقاومة، وبعد رفع الحصانة عنه.
يُذكر أن الاحتلال الإسرائيلي أعلن، في أبريل/نيسان 2023، اعتقال النائب الأردني عماد العدوان أثناء مروره بسيارته من الأردن إلى الضفة الغربية عبر جسر الملك حسين، ووجه له اتهامات بتهريب الأسلحة، ولاقت قضيته تعاطفاً شعبياً أردنياً واسعاً، وقامت إسرائيل لاحقاً بتسليمه للأردن شرط تقديمه للمحاكمة واستمرار اعتقاله.
سجون ممتلئة في الأردن
تؤكد إحصائيات رسمية أردنية أن نسبة الإشغال في السجون الأردنية وصلت حتى الرابع من مايو/أيار 2023، إلى 165% من سعتها الاستيعابية، حيث أشار محافظ البنك المركزي عادل شركي في وقت سابق، إلى أن مَن هناك مِن بينهم نحو 800 ألف مواطن من المقترضين من البنوك قروضاً متفرقة.
الناشط السياسي الشيخ محمد خلف الحديد، علق على ذلك في حديثه لـ"عربي بوست"، بأن الأعداد الكبيرة في السجون هي ما دفعت الحكومة الأردنية للاتجاه نحو قانون العفو العام من أجل تخفيف الضغط على السجون.
وأضاف: "هذا القانون لا يزال يحتاج إلى بعض اللمسات الأخيرة من الدولة الأردنية، التي تسعى لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وامتيازات من وراء هذا العفو"، وفق قوله.
وقال إن "هناك جدليات كبيرة حول القضايا التي سيشملها العفو العام في الأردن، منها القضايا المالية كالحقوق والمطالبات والذمم المالية والتزوير والسرقة والرشاوى، التي بات عليها جدل كبير في الأوساط الرسمية"، مشيراً إلى أن "الناشطين والحراكيين السياسيين والمعارضين يعدّ ملفهم من الأمور الشائكة التي عليها جدل رسمي كذلك، لكونها ضمن إطار الجرائم السياسية التي تصنف بأنها تضرّ بمصالح الدولة أو النظام السياسي العام".
كانت وزارة العدل الأردنية قد أكدت أن عدد المدينين في جميع دوائر التنفيذ بلغ حتى 20 أبريل/نيسان 2023، 158 ألفاً، 68% منهم يقل دينهم عن 5 آلاف دينار، و87% أقل من 20 ألفاً.
عوامل داخلية وراء تأخير إصدار القانون
أكد عضو مجلس النواب الأردني النائب عدنان مشوقة، في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن إصدار قانون العفو العام يخضع لاعتبارات داخلية عدة، منها أن "قوى الشد العكسي في البلاد تعدّ أحد العوامل الأساسية في عرقلة إصداره، بالإضافة إلى توجهات رئاسة الوزراء في مسألة قانون العفو العام"، دون مزيد من التوضيح بهذا الخصوص.
وقال النائب مشوقة إنّ "الحكومة الأردنية تنتظر الفرصة المناسبة للإعلان عن إصدار قانون العفو، ويمكن أن تشكل الذكرى الـ 25 لتسلم العاهل الأردني سلطاته الدستورية وإعلانه ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية في السابع من شهر فبراير/شباط 1999م ذكرى مناسبة لإصدار العفو".
أما عضو مجلس النواب النائب أيوب خميس، فأكد بدوره أن سبب تأخر إعلان إصدار قانون العفو العام في الأردن، "يعود بالدرجة الأولى إلى تباين واضح في الرؤى حول من سيشملهم العفو القادم، خصوصاً أن هناك قضايا جنائية وحقوقية لا تسقط بالتقادم، وقد جرى جدل كبير حولها بين المؤسسات الرسمية في البلاد".
وأشار إلى أن "هناك اعتراضات حول قضايا القتل، باعتبار أن الكثير من ذوي وأهالي الضحايا يرفضون مثل هذا العفو، باعتبار أنه سيؤدي ذلك إلى ضياع الحق الخاص".
في حين أكدت المصادر الخاصة لـ"عربي بوست"، أن جرائم القتل والسرقة الجنائية والسلب والقضايا المتعلقة بالأمن الخارجي والداخلي وقضايا التجسس وقضايا المخدرات، بالإضافة إلى قضايا التزوير والسرقة والاعتداء على العرض وتشمل الاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي وغيرها تعد من القضايا الجدلية التي سيشملها قانون العفو العام في المرحلة اللاحقة.
أخر أخبار العفو العام في الأردن
في هذا السياق، يؤكد المساعد السابق لنائب عام الجنايات الكبرى القاضي لؤي عبيدات، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن "المناخ العام الأردني يخلو من أي رغبة في إصدار حل عام وجذري لأوجاع وهموم المجتمع الأردني، وأن المتصدرين للمشهد السياسي الأردني غير معنيين بتقديم حلول حقيقية".
وقال إن "قانون العفو العام يجب ألا يكون على شاكلة القانون الذي أصدر عام 2019، الذي لم يشمل القضايا المصنفة بالجرائم السياسية سواء كانت جنحاً أو جنايات"، مؤكداً أن "القضايا السياسية تعد جرائم واقعة تحت بند الإخلال بأمن الدولة الخارجي والداخلي، أي مصنفة على أنها جرائم إرهاب، وهذا يعني أنها لا تشمل الناشطين والحراكيين السياسيين، الذين أبدوا رأيهم أو وجهوا أي نقد سياسي بحق الدولة والحكومة"، وفق قوله.
كما يؤكد عبيدات أن "قضايا الغرامات والرسوم المفروضة أو التي ستفرض في الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات أو في أي إجراءات جزائية، ومنها مخالفات السير والأبنية والبيئة تعد أحد الأمور الجدلية التي لاقت جدلاً كبيراً حول شمولها في قانون العفو العام في الأردن، وذلك بسبب اعتراض البلديات المحلية وأمانة عمان عليها، باعتبار أنها ترفد موازنات البلديات بدخل يقدر بـ40 مليون دينار أردني سنوياً، الأمر الذي أثار غضب هذه البلديات عند شمول هذه القضايا في قانون العفو القديم".
يُشار إلى أن آخر عفو عام صدر في الأردن كان في 2018، واستثنى حينها جرائم التجسس والخيانة، والإرهاب، والقتل العمد، وتجارة المخدرات، وهتك العرض.
ويمر العفو العام بحسب الدستور الأردني، بمراحل عدة، تبدأ بوضع الحكومة مشروع قانون تحيله إلى مجلس النواب ليوافق عليه، ثم يحتاج إلى موافقة مجلس الأعيان قبل أن يصادق عليه الملك، لينتهي مجدداً إلى رئاسة الوزراء لإقراره بشكله النهائي.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.