كان المعتقلون في سجن غوانتانامو التابع للولايات المتحدة في كوبا على موعد مع حدث استثنائي عندما سمحت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمحققةٍ مستقلة تابعة للأمم المتحدة بزيارة المعتقلين، وذلك لأول مرة منذ إنشائه عام 2002، حسب ما ذكرته وكالة The Associated Press الأمريكية الخميس 6 يوليو/تموز 2023.
الوكالة أوضحت أن المعتقلين المسنِّين حضروا الاجتماع مع فيونوالا ني أولين، المحققة المستقلة التابعة للأمم المتحدة، وهم مكبلون بالسلاسل، ولم يُعرفوا في اللقاءات بأسمائهم بل بالأرقام التسلسلية التي تستخدم للتعامل معهم في المعتقل. وقال السجناء الذين التقوها: "لقد تأخرتم كثيراً" في القدوم إلينا.
معاناة المعتقلين في غوانتانامو
تحدث السجناء إلى المحققة الأممية عن قلة الاتصالات المسموحة لهم مع عائلاتهم؛ ومشكلاتهم الصحية المتفاقمة؛ والآثار النفسية والجسدية للتعذيب وسوء المعاملة؛ وصارحوها بآمالهم في المغادرة ولقاء أهلهم وأحبائهم.
كما قالت ني أولين، في مقابلة أجرتها مع وكالة The Associated Press الأمريكية، الأسبوع الماضي، إنها ذهبت إلى هناك بعد فوات الأوان، فقد احتجزت الولايات المتحدة 780 معتقلاً مسلماً في غوانتانامو عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول في عام 2001، واليوم لم يتبق منهم سوى 30 سجيناً.
حاولت الأمم المتحدة منذ سنين عديدة أن ترسل محققين مستقلين إلى غوانتانامو، لكن الإدارات الأمريكية السابقة أثناء عهد جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، رفضت ذلك. وقد أثنت ني أولين على إدارة جو بايدن لسماحها لـ"الأصوات الناقدة" بدخول المنشأة؛ وأعربت عن أملها في أن تحذو الحكومات الأخرى حذو بايدن.
إذ قالت ني أولين، أستاذة القانون في جامعة مينيسوتا الأمريكية، إنها "تسعى إلى تقديم توصيات تحسِّن المعيشة اليومية لهؤلاء الرجال، لكن الجميع يدرك أن معظمهم عاشوا في ظروف لم يكن لمن هم مثلي ولا للأمم المتحدة أي تأثير يُذكر" في مراقبتها أو تغييرها.
أوضاع لم تشهدها من قبل في أي سجن
كما لفتت إلى أنها زارت كثيراً من السجون شديدة الحراسة خلال السنوات الست التي أمضتها بالعمل محققةً في شؤون حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ومنها سجون بُنيت لاحتجاز المدانين بالإرهاب والجرائم ذات الصلة، لكنها "لم تشهد نزلاء بأي سجن على وجه الأرض تعرضوا لما تعرض له سجناء غوانتانامو، من حيث ظروف اعتقالهم، ونقلهم إلى هناك عبر الحدود".
فيما تحدثت ني أولين، في تقريرها الصادر في 26 يونيو/حزيران، عن أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وإن كانت "جرائم ضد الإنسانية"، فإنها لا تبرر المعاملة السيئة التي تعرض لها المعتقلون في غوانتانامو، فالغالبية العظمى من السجناء هناك اعتقلوا بلا سبب ولا صلة تربطهم بالهجمات الإرهابية، وجميع من تبقى منهم على قيد الحياة لا يزال يعاني صدمات نفسية وجسدية من آثار ما تعرض له في هذا المعتقل.
في المقابل، قالت إدارة بايدن -التي زعمت من قبل أنها تريد إغلاق غوانتانامو- في بيانٍ مرفق بالتقرير، إن نتائج تحقيقات ني أولين "تخصها وحدها"، و"الولايات المتحدة لا توافقها في كثير من المزاعم والتفاصيل القانونية التي جزمت بها"، ولكنها ستُراجع توصياتها بعنايةٍ.
بينما قالت ني أولين إن السلطات الأمريكية تفرض على موظفي المعتقل ألا يعاملوا المحتجزين إلا بالرقم التسلسلي لاعتقالهم، وليس بأسمائهم، وهو ما وصفته بأنه "تجريد للمعتقلين من الإنسانية"؛ وخصَّت بالذكر 3 معتقلين قالت إنهم لم يُتهموا بأي تهم رسمية، و"يعيشون في تيه قانوني شامل"، وهو أمر "يتعارض بشدة مع القانون الدولي".
سُمح لـ 16 سجيناً بالمغادرة ولكن الولايات المتحدة لم تعثر على دولة مستعدة لاستقبالهم؛ ولا تزال هناك 11 قضية معروضة أمام اللجان العسكرية الأمريكية.
صعوبة في التركيز ونوبات متكررة
كما أشارت ني أولين إلى أن المعتقلين أحضروا إليها مكبلين بالأغلال، وهو إجراء غير معتاد حتى في التعامل مع المدانين بجرائم الإرهاب، فالقانون الدولي لا يسمح بتقييد المحتجزين إلا لأسباب أمنية قاهرة، ولذلك فهي ترى أن هذا الإجراء يجب حظره في غوانتانامو، وعدم استخدامه إلا في الحالات الطارئة، خاصة "أنك تتعامل مع فئة مستضعفة من المعتقلين المسنين".
أوضحت ني أولين أن "التعذيب الذي تعرض له هؤلاء الرجال جعلهم يواجهون صعوبات في التركيز؛ ونوبات متكررة من استرجاع الأحداث؛ والألم الجسدي. وكثير منهم يصعب عليه الحركة، ويكابد مشكلات أخرى، منها الإعاقة الدائمة، وإصابات الدماغ الرضحية، والألم المزمن، وأمراض الجهاز الهضمي والمسالك البولية".
كما قالت ني أولين إن المعتقلين الذين حاولوا الإضراب عن الطعام، كانوا يتعرضون للتغذية القسرية باستمرار؛ وقد استحوذت الأفكار الانتحارية والرغبة في إيذاء النفس على كثير منهم.
خلصت في "النتائج الأساسية لهذا التقرير، إلى أن اليأس والقنوط مسيطران على المعتقلين المحتجزين منذ 20 عاماً بدون محاكمة، خاصة وأنهم لم يروا أفراد عائلاتهم، ولم يتواصلوا مع أحدٍ في العالم الخارجي" إلا محاميهم حتى زيارتهم لها في فبراير/شباط الماضي.
من الجدير بالذكر أن ني أولين أجرت مقابلات مع بعض الضحايا الذين أصيبوا في أحداث 11 سبتمبر/أيلول وناجين وأفراد من عائلات قتلى الهجمات، والتقت كذلك بعض المعتقلين السابقين (من إجمالي 741 معتقلاً) الذين أطلق سراحهم من غوانتانامو، منهم 150 أعيد توطينهم في 29 دولة.
بينما عاد الباقون إلى منازلهم، وتوفي 30 معتقلاً سابقاً. وقالت ني أولين إن أكثر شيء يحتاج إليه المعتقلون في غوانتانامو وأولئك الذين أطلق سراحهم هو "إعادة التأهيل من آثار التعذيب".