كشفت مصادر لـ"عربي بوست" أن حزب الله يُريد اقتراح تعديل في الدستور اللبناني بما يُقدم له ضمانات، وذلك بعد اتفاق كل القوى السياسية المسيحية والدرزية والسنية على مرشح واحد لرئاسة لبنان، وهو الوزير السابق جهاد أزعور.
ويعتبر حزب الله أن تحالف كل من القوى المسيحية، والمعارضة والأغلبية درزية وجزء رئيسي من النواب السنة، على مرشح واحد الهدف منه واضح وهو قطع الطريق على مرشح حزب الله والقوى المتحالفة معه في لبنان أي سليمان فرنجية.
وحصل جهاد أزعور على حوالي 60 صوتاً، ألغى معنوياً قدرة فرنجية على الوصول للرئاسة، إلا في حال تراجع أحد الأطراف الوازنة في البلاد، وهو أمر مستحيل بسبب التلويح الأمريكي بفرض عقوبات على حلفاء حزب الله والنظام السوري.
هل ينجح حزب الله في تعديل الدستور؟
كشف المصدر الدبلوماسي لـ"عربي بوست" أن حزب الله سيقدم خيارين على الأطراف الداخلية، أولهما انتخاب رئيس يحظى بدعم الحزب، وتنطبق عليه مواصفات حماية المقاومة، مقابل تقديم ضمانات تُسهل تشكيل حكومة لا ثلث معطل فيها لأي طرف، وتحظى بموافقة السعودية وقطر.
أما الخيار الثاني، فهو اللجوء لمؤتمر داخلي بغرض تعديل الدستور، يضمن له وللطائفة الشيعية مكتسبات تترجم قوته العسكرية والسياسية، ما يعني الدخول في نفق الفراغ المديد، لأن الحزب يرى أن كل ما قدمه ليس لديه ما يحميه سياسياً سوى السلاح والردع.
ويشير المصدر إلى أن التعديلات التي بدأ الحزب الترويج لها قد تطال مناصب رفيعة كقيادة الجيش، ورئاسة المخابرات، ومدير مصرف لبنان، وربما قد يطالب الحزب برئاسة الحكومة للشيعة مقابل رئاسة البرلمان للسنة، كما هو الشأن في العراق.
المحلل السياسي ربيع دندشلي قال إن حزب الله، ومنذ اتفاق الطائف، يسعى لتعديلات جوهرية في الدستور، لكنه اصطدم برفض سوري لتعديل التفاهم آنذاك على طريقة حكم لبنان، والذي كان برعاية سورية-سعودية.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أنه عقب الانسحاب السوري مطلع 2005، بات حزب الله أكثر ميلاً لترجمة قوته العسكرية والأمنية في قالب الحكم، على اعتبار أن الشيعة هم خط المواجهة الأول لكل الهجمات الإسرائيلية.
وقال المحلل السياسي إن حزب الله يعتبر أن صمود الشيعة ثبت معادلة ردع لإسرائيل، لذا يجب عليه تحصيل ثمن بمواقع أساسية ومهمة في الدولة تضفي شرعية أكبر على حزب الله.
بالمقابل تعتبر الكاتبة السياسية، جوزفين ديب، في حديثها لـ"عربي بوست" أن الكلام عن تغيير في الحصص الطائفية، انطلاقاً من التغيّر الحاصل في موازين القوى على مر السنوات الماضية بدأ ينشط.
وقالت المتحدثة إن "الحزب يعلم أن تغيير الدستور بالمدى المنظور هو شبه مستحيل، لكنّه يبحث المحافظة على "دور المقاومة"، وعدم تقييدها بـ"قرار الحرب والسلم"، ووضع سلاحها على طاولة البحث، وضمان الوجود الشيعي في الدولة".
وهذا النقاش الداخلي، وفق ديب، يقوم به الحزب انطلاقاً من اصطدامه بعقبات تمثّلت بالحسابات الداخلية التي منعت ترجمة انتصاراته الخارجية، لكنه سيطرحه بالصيغة المناسبة والوقت المناسب، وفق ما ستؤول إليه التطوّرات الإقليمية.
وتعتبر المحللة اللبنانية أن حزب الله يدرك أن صيغة تعديل الدستور غير مطروحة حالياً دولياً ومحلياً، إلا أنه يتمسك بالاحتمال الأسهل، وهو البحث في تثبيت المكتسبات.
تخوفات حزب الله
كشف مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" أن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، التقى سفير دولة عربية قبيل عيد الأضحى بأيام، أبلغه وناقش معه ملفات داخلية وخارجية، بالإضافة إلى الملف الرئاسي.
وأضاف المتحدث أن قاسم أشار لضيفه عن تخوف حزب الله من محاولات إلغائه سياسياً، والضغط المباشر لعزله ورفع الغطاء الداخلي عنه، خاصة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
ومما زاد قلق حزب الله، حسب نائب نصر الله، هو دخول الحزب في أزمة عميقة مع حليفه المسيحي التيار الوطني الحر، والذي انخرط في تكتلات داخلية مدعومة خارجياً لمواجهة خياراته.
وما زاد قلق حزب الله حسب مصدر "عربي بوست"، هو اجتماع القوى المسيحية الرئيسية في لبنان على موقف واحد، وهو: التصويت لجهاد أزعور ليكون رئيساً للجمهورية.
وأمام هذا الواقع، حاول قاسم الإشارة إلى أن ما يجري هو مسعى جديد لإعادة تشكيل "الجبهة المسيحية اللبنانية"، التي نشأت مطلع السبعينيات على خلفية الوجود المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية الداعمة لياسر عرفات، وهذا الأمر قد يؤدي لنشوء دولة مسيحية على تماس مع إسرائيل.
ووفقاً للمصدر نفسه، فإن الظروف اليوم مختلفة لناحية، لأن حزب الله ليس هو منظمة التحرير، في ظل الانتصارات التي حققها المحور التابع لإيران والمكتسبات التي جرت عبر المصالحة مع السعودية وعودة العرب لمصالحة النظام السوري.
وأشار المتحدث إلى أن الطائفة الشيعية في لبنان باتت تشكل أكثرية داخلية، وبالتالي لا يمكن عزلها ولا تجاوزها.
حزب الله يبحث عن ضمانات
طالب حزب الله بضمانات داخلية مدعومة خارجياً مقابل أي تسوية مقبلة لانتخاب رئيس البلاد، على رأسها انتخاب رئيس "لا يطعن المقاومة في ظهرها"، وضمان حضوره في الدولة والمشاركة بشكل أوسع في اتخاذ قراراتها الاستراتيجية.
بالتوازي تروّج دائرة مقربة من حزب الله لحالة القلق الذي تعيشه الطائفة الشيعية على خلفية التهديد المستمر من أطراف متعددة في الداخل والخارج، وهو ما لا يمكن للحزب أن يرتضيه بعد كل ما حققه سياسياً، وعسكرياً في لبنان ودول المنطقة.
مصدر مقرب من حزب الله قال لـ"عربي بوست" إن الحزب حريص على إظهار أنه غير مؤثر بالشكل الذي يجري اتهامه به داخل الدولة، وأنه غير قادر على الاستئثار بقرارات الحكومات المتعاقبة بدليل العديد من الخيارات السياسية التي اتخذت على عكس قناعته في محطات متكررة.
ويعتبر حزب الله، حسب المصدر نفسه، أن كل الحضور الشعبي والسياسي والعسكري والأمني والاقتصادي الموازي، والذي حققه "محور الممانعة" في لبنان وسوريا واليمن بالمراحل الماضية، لم يكن قابلاً لاستثماره بشكل صحيح في لبنان على صعيد الحكم والتأثير.
لكن حزب الله استطاع، بحسب المصدر نفسه، خلق "حصانة داخلية" عبر تحالفه أولاً مع التيار الوطني الحر، وتفاهمه مع تيار المستقبل على ملفات داخلية، الأمر الذي منحه قوة سياسية، تجلت عام 2016 بوصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
وقال المصدر نفسه إن الظرف السياسي اليوم بات مختلفاً، فالحزب المنتصر خارجياً يعيش أزمة حكم داخلي تمنعه من فرض وصايته على الدولة وتكريس نفسه بانتخاب رئيس محسوب عليه.
بين الحكم الفيدرالي والانفصال.. ماذا يقترح المسيحيون؟
تعتبر الأطراف المسيحية أن فشل الدستور سببه وجود طرف سياسي مسلح يقوم بفرض طريقة تعاطٍ داخلي وخارجي، ويخالف أغلبية لبنانية في الرؤى والتوجهات والثقافات وطريقة العيش وحيوية المجتمع وخصائصه.
ومن هذا المنطلق كان لقاء الموفد الفرنسي، جان ايف لودريان، مع قيادة حزب الله، والذي امتد لأكثر من ساعتين ونصف، وتمت فيه مناقشة أطروحة حزب الله المتعلقة بتخيير الأطراف بين فرنجية أو تعديل الدستور ليتناسب مع قوة الحزب.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن الأطراف المسيحية باتت تعتبر أنه لم يعد بالإمكان التعايش مع انعكاسات صراعات حزب الله الخارجية، لذا باتت القوى المسيحية تطرح صيغة تعاطٍ جديدة، عنوانها "الفيدرالية والانفصال" تمنحهم استقلالية إدارية ومالية لمناطقهم.
وهناك كلام جدّي في البيئة المسيحية تضم رجال دين وأحزاباً فاعلة وجامعات بدأت تتحدث عن مقترح الحكم الفيدرالي أو الانفصال، وذلك ما أكدته مصادر "عربي بوست".
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإن لودريان ذكر لقيادة الحزب أن لبنان يتألف من 3 طوائف، من بينها المكون السني المتمسك بالدستور الذي جاء بعد اتفاق الطائف، والذي يعطي رئيس الحكومة صلاحيات واسعة.
وقال مبعوث باريس حسب المصادر نفسها أن حزب الله يعتبر أن اتفاق الطائف لم يعطه الضمانات التي يريدها، حسب الدور الذي يلعبه، وارتباطاته الإقليمية بالإضافة إلى السلاح الذي يملكه.
وتؤكد المعلومات أن لودريان شدد لمسؤولي حزب الله أنه لا يمكن لحزب فرض رئيس ترفضه الأغلبية، لأنه في حال نجح الشيعة في فرض سليمان فرنجية فلن يستطيع هذا الأخير أن يحكم.
من جهته، أشار المحلل السياسي، ربيع دندشلي، أن الطريقة الحالية لحزب الله في مقاربة الملف الرئاسي والملفات السياسية لن تكون قادرة على إنتاج رئيس للجمهورية، إلا بتسوية خارجية تتوفر لها الرعاية والدعم الإقليمي.
وحسب المتحدث أنه كلما تأخرت التسوية، فإن الصيغة كلها ستكون مدرجة على طاولة البحث، لا سيما أنه في مقابل سعي الشيعة إلى تكريس مكتسبات شيعية، فإن المسيحيين سيكونون حريصين على استعادة ما خسروه من امتيازات على الصعيد العام للدولة.
وبحال تعذر الأمر سيسعون إلى خلق مساحات مستقلة داخل مناطق يعتبرون أنها تابعة لهم جغرافياً.