أعلن وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان أن "بلاده تتطلع لتطوير العلاقات والعودة إلى حالتها الطبيعية مع الدول الأخرى في المنطقة والعالم الإسلامي، بما في ذلك البلدان المسلمان والشقيقان مصر والمغرب".
وحسب وكالة فارس، فإن تصريح الوزير حول إعادة علاقة ايران والمغرب كان خلال لقاء نظمته وزارة الخارجية الإيرانية بحضور سفراء الدول الإسلامية المعتمدين في طهران، يوم الخميس 29 يوليو/تموز 2023.
وعاشت العلاقات المغربية الإيرانية حالة مد وجزر منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي حرص على تقوية العلاقة الدبلوماسية مع طهران قبل الثورة الإسلامية سنة 1979.
رد مغربي
كشفت مصادر دبلوماسية خاصة لـ"عربي بوست" أن المغرب ينهج سياسة اليد الممدودة للجميع، شرط أن كل طرف أجنبي عليه احترام سيادة المغرب، وعدم السعي في طريق تقسيم المملكة.
وقال المصدر نفسه الذي فضل عدم ذكر اسمه: "استمعنا لتصريح وزير الخارجية الإيراني نهاية الأسبوع الماضي، والمملكة لديها بالتأكيد شروط لاستئناف العلاقات مع جمهورية طهران، أهمها عدم دعم ميليشيات البوليساريو".
وأضاف المصدر نفسه: "العلاقات التاريخية بين المغرب وإيران كانت تتسم بمتانة استثنائية قبل الثورة الخمينية، لكن بعدها عرفت هذه العلاقة حالة مد وجزر بسبب اختيار إيران أن تدعم مجموعة من الانفصاليين يريدون تقسيم مملكة عمرها مئات السنين".
وعن المد الشيعي قال مصدر "عربي بوست" إن "المغرب كان ولا يزال يجسد نموذجاً دينياً وسطاً بين النموذجين الإيراني والسعودي، ولن يسمح بنشر المذهب الشيعي القادم من آسيا وسيصده بكل قوة".
وأشار المتحدث إلى أن إيران بدأت تتخلص من عداوات لم توصلها إلى نتائج إيجابية، ولعل أبرزها استئناف العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وتبادل السفراء.
وقال المصدر الدبلوماسي في حديثه: يجب على إيران أن تفهم أن المغرب لا يُساوم في قضية الصحراء، التي يراها مغربية ويقترح حلاً أممياً وهو الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب.
المغرب وإيران.. أزمة عمرها 40 سنة
كانت العلاقات بين المغرب وإيران تعرف توافقاً سياسياً منذ عهد الملك المغربي السابق الحسن الثاني، وشاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي، قبل أن تنقطع هذه العلاقات مباشرة بعد الثورة الإسلامية التي شهدتها إيران نهاية السبعينيات.
وتم قطع العلاقات رسمياً بين الرباط وطهران سنة 1981 بعد إعلان إيران دعمها لجبهة البوليساريو التي تتنازع مع المغرب على إقليم الصحراء، مقابل ذلك منحت الرباط حق اللجوء السياسي لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي.
بعدها بعشر سنوات، عادت المياه إلى مجاريها بين المغرب وإيران، وتم افتتاح السفارة الإيرانية بالرباط بشكل رسمي، وذلك بعد تراجع طهران عن الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية"، التي تُريد البوليساريو قيامها.
استمر تطبيع العلاقات بين المغرب وإيران 18 سنة ثم عاد التوتر مجدداً، وفي سنة 2009 قرر المغرب قطع العلاقات، ثم أعادها سنة 2015، ليعيد قطعها سنة 2018 والسبب دائماً: دعم طهران لجبهة البوليساريو عبر إرسال الأسلحة.
كانت قضية دعم البوليساريو أهم سبب لقطع العلاقات المستمر بين المغرب وإيران طيلة الـ40 سنة الماضية، دون تغافل إعلان المغرب استعداده لدعم العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وذلك بموجب معاهدة الدفاع المشترك العربية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت البحرين سبب قطع العلاقات المغربية الإيرانية سنة 2009، فالرباط تضامنت مع البحرين بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين عن أنها المحافظة الـ14.
وكان مجلس العلماء المغربي، قد أصدر فتوى في عهد الحسن الثاني لتكفير آية الله الخميني، وذلك بعد تولي الأخير لمسؤولية المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران.
التشيع.. حرب الرباط على طهران
سنة 2009 اتهمت الرباط إيران عبر بلاغ صادر عن وزارة الخارجية المغربية بـ"تشجيع نشر التشيع في البلاد؛ مما يُهدد وحدة المذهب السني المالكي الذي ينتمي له جل المغاربة".
وحسب تقارير مدنية، فإن هناك أكثر من 3000 مواطن مغربي اعتنقوا المذهَب الشِّـيعي يعيشون في المملكة، إلا أن السلطات المغربية تُقلقها النشاطات الإيرانية في أوساط الجالية المغربية في أوروبا واعتناق الآلاف منهم للمذهب الشيعي.
وامتد التوتر بين المغرب وإيران المستمر منذ سنوات إلى محيط المملكة الإفريقية، حيث الصراع الخفي بين الرباط وطهران على "النموذج الديني"، خصوصاً في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وتُحاول إيران نشر المذهب الشيعي في دول جنوب الصحراء، مقابل ذلك تسعى الرباط إلى صد الشيعة القادمين من دول آسيا، وذلك بفتحها مؤسسات "تُحارب" بشكل مباشر مذهب أنصار حزب الله في إفريقيا جنوب الصحراء.
ويأخذ هذا الصراع الخارجي بين البلدين أبعاداً حادة، خصوصاً في دول غرب إفريقيا، التي تضم جالية مغربية مهمة وتربطها علاقات وطيدة بالرباط، إذ يعمل المغرب بشكل حثيث على التصدي لتغلغل المد الشيعي الإيراني لهذه الدول.
ويساعد إيران في تحقيق تسللها إلى قلب القارة الإفريقية ونشر مذهبها الشيعي، وجود عشرات آلاف الشيعة اللبنانيين الذين هاجروا في سنوات ماضية من لبنان واستقروا في دول إفريقية، إضافة إلى المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية والدينية التي بُنيت بتمويل إيراني في إفريقيا.
يقول عبد الإله السطي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير، في تصريحه لـ"عربي بوست": "إن المغرب كرس التوجه القائم على المذهب المالكي بطريقة الجنيد في التصوف والمذهب الأشعري في العقيدة، إضافة لصد الباب على بعض المذاهب الخارجية، التي جعلت من إفريقيا بيئة ملائمة لنشر خطابها والترويج لأفكارها".