شرع الكرملين في السيطرة الكاملة على إمبراطورية "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة التي بناها رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، وذلك في الساعات التي أعقبت وقف فاغنر تقدم جنودها نحو العاصمة موسكو بعد تمرد مسلّح، وفق تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الأربعاء 28 يونيو/حزيران 2023.
تقرير الصحيفة نقل عن دبلوماسيين وضباط استخبارات، ومنشقين عن "فاغنر"، وأشخاص مطلعين على المحادثات ومراجعة بيانات الرحلات، أن انطلاق الكرملين السريع في السيطرة الكاملة يأتي كمحاولة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتقليل من شأن الفوضى التي تحدث في بلاده، وطمأنة شركاء روسيا في إفريقيا والشرق الأوسط بأن عمليات فاغنر هناك ستستمر دون انقطاع.
تغيير القوى
وأفادت الصحيفة الأمريكية بأن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين سافر إلى دمشق نهاية الأسبوع لإيصال رسالة بشكل شخصي لرئيس النظام السوري بشار الأسد مفادها أن قوات مجموعة "فاغنر" لن تعمل هناك بشكل مستقل.
ونقلت عن شخص مطلع على المحادثات قوله إن فيرشينين حض الأسد على منع مقاتلي "فاغنر" من مغادرة سوريا دون إشراف موسكو. وذكر بيان صادر عن مكتب الأسد بعد الاجتماع أنهما بحثا التنسيق خاصة في "ضوء الأحداث الأخيرة".
فيما قال مصدران مطلعان إن مقاتلي "فاغنر" الذين عملوا بشكل مستقل إلى حد كبير في سوريا، تلقوا أوامر، الثلاثاء، بالذهاب إلى قاعدة جوية تديرها وزارة الدفاع الروسية في مدينة اللاذقية الساحلية، وإنهم امتثلوا للأوامر.
على نحو مماثل أيضاً اتصل كبار المسؤولين بوزارة الخارجية الروسية برئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، الذي يضم حراسه الشخصيون عناصر من "فاغنر"، وقدموا تطمينات بأن أزمة، السبت 24 يونيو/حزيران، لن تعرقل توسع روسيا في إفريقيا، فيما انتقلت طائرات حكومية تابعة لوزارة الطوارئ الروسية من سوريا إلى مالي، وهي من المواقع الخارجية الرئيسية الأخرى لمجموعة "فاغنر".
وعلى مدار سنوات، أنكرت روسيا أي ارتباط لها بفاغنر، لكن يبدو أنها تحاول اليوم الاستيلاء على شبكة المرتزقة مترامية الأطراف التي أدارها بريغوجين ورجاله. ولم يتضح بعد ما إذا كانت ستنجح في تحقيق ذلك، أو مدى سرعتها في فعل ذلك، عقب التمرد الفاشل يوم السبت 24 يونيو/حزيران.
إذ قال جاي بيتر فام، المبعوث الخاص السابق لمنطقة الساحل بغرب إفريقيا: "ساعدت مجموعة فاغنر روسيا على بناء نفوذها، ولا تود الحكومة التخلي عنها؛ حيث إن فاغنر منحت الدولة القدرة على الإنكار. لكن السؤال المطروح هو: هل سيتمكنون من إدارة تعقيدات العمليات والتعامل مع مستويات التدقيق الإضافي؟".
إمبراطورية عالمية
وتدر شركات الواجهة التابعة لفاغنر في إفريقيا مئات الملايين من الدولارات سنوياً، لتمثل بذلك مصدر تمويل أساسياً يحافظ على نفوذ روسيا في القارة وتمويل عملياتها في أوكرانيا، بحسب المسؤولين الغربيين.
وتشمل مصادر دخل المجموعة تصدير الذهب السوداني إلى روسيا، وكذلك تصدير الألماس من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى الإمارات، بالإضافة إلى تصدير الخشب إلى باكستان، بحسب المسؤولين.
بينما ثبّت مرتزقة فاغنر أقدامهم في مالي وسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى. وعرضت المجموعة كذلك المساعدة في قمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة بفنزويلا والسودان. وخطط شركاء بريغوجين رحلة جوية إلى هايتي أيضاً في أواخر فبراير/شباط، من أجل عرض خدماتهم على الحكومة هناك، بحسب الوثائق العسكرية الأمريكية المسربة على منصة ديسكورد.
ويعتمد مصير عمليات فاغنر الآن على نجاح الكرملين في تهميش بريغوجين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الإمبراطورية التي بناها داخل ثلاث قارات. وقال بعض مسؤولي الأمن القومي الذين يقيمون الإمكانات المحتملة إن واشنطن قد تعثر على مساحة شاغرة، ويمكنها استغلالها لاسترداد نفوذها داخل قارة شهدت نشاطاً من جانب روسيا والصين مؤخراً.
وبعد سنوات من إنكار أي ارتباط بين الكرملين وفاغنر، خرج بوتين في يوم الثلاثاء 27 يونيو/حزيران، ليؤكد أن المجموعة كانت ممولة من الدولة الروسية خلال العام المنقضي في مايو/أيار. في ما تدفع وزارة الدفاع الروسية أجور 3,000 من مرتزقة بريغوجين النشطين في جمهورية إفريقيا الوسطى، بحسب تصريح مستشار الأمن الرئاسي في البلاد فيديلي غوانديكا.
ويمتلك رجال فاغنر في روسيا مهلةً حتى الأول من يوليو/تموز لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية. وأكد بريغوجين مراراً أن رجاله سيرفضون تلك العقود. لكنه لم يذكر ما إذا كان سيحاول إبقاء سيطرته على عمليات فاغنر الخارجية من منفاه أم لا.
فيما أوضح لو أوزبورن، محلل مجموعة أبحاث All Eyes on Wagner، أن حساب تليغرام وقنوات الاتصال التابعة لفاغنر قد عاودت العمل بعد صمتها منذ يوم السبت. وتبعث تلك القنوات بالرسالة نفسها لدرجةٍ كبيرة، وفحواها هو الاحتفاء ببريغوجين على اعتباره الرجل الذي يستطيع الإطاحة ببوتين.
إعدادات الحرب
اتخذت مجموعة فاغنر عدداً من الخطوات الهجومية لتوسيع بصمتها داخل إفريقيا وخارجها، وذلك منذ شن بوتين حربه في أوكرانيا.
ففي يناير/كانون الثاني، عقدت مجموعة فاغنر محادثات بشأن إرسال قوة عسكرية إلى بوركينا فاسو. ولمَّحت منافذ الدعاية التابعة للمجموعة إلى أنها تضع ساحل العاج نصب أعينها كوجهة مقبلة.
بينما نشرت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية في فبراير/شباط تزعم أنها كشفت مؤامرة من بريغوجين. وتدَّعي المعلومات أن المؤامرة تستهدف مساعدة المتمردين في زعزعة استقرار الحكومة التشادية وقتل رئيس البلاد، الذي يعد حليفاً غربياً مهماً.
في ما ذكر تقرير للأمم المتحدة العام الجاري أن المدربين الروس يتعاونون مع الجنود المحليين في جمهورية إفريقيا الوسطى، من أجل السيطرة على المناطق المعروفة بتعدين الألماس الحرفي.
لكن مارات غابيدولين، قائد فاغنر السابق في سوريا، ليس واثقاً في ما إذا كانت المنظمة ستستطيع النجاة من دون مؤسسها.
من ناحيته، اختزل غوانديكا التقدم المسلح تجاه موسكو يوم السبت في صورة خلاف بين بوتين وبريغوجين، ووصف الأمر بأنه "شأن محلي" ولن تكون تداعياته كبيرةً على بلاده.
وأثبت غوانديكا وجهة نظره بالصمت لبرهة أثناء إقلاع طائرة سوخوي يقودها طيار روسي من مطار العاصمة بانغي، وذلك لتنفيذ مهمة استطلاعية. ثم أردف: "من المطمئن ألا نشهد أي تغيير هنا".