اختتم المبعوث الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية الأسبق جان إيف لودريان زيارته إلى لبنان، بعد لقاءات شملت معظم الأطراف السياسية والحزبية، بالإضافة لوزيري الخارجية عبد الله بوحبيب والبيئة ناصر ياسين، على أن يواصل اتصالاته قريباً.
كما يتوقع أن يزور لودريان السعودية للبحث مع المستشار الملكي نزار العالولا مجريات الملف اللبناني وتطورات مواقف الأطراف، ليتوجه بعدها إلى الدوحة للقاء وزير الدولة في وزارة الخارجية القطري محمد عبد العزيز الخليفي لوضعه بصورة لقاءاته في بيروت وما يمكن القيام به للوصول إلى صيغة اتفاق على اسم رئيس للجمهورية.
طيّ صفحة فرنجية.. عجز مديد
وتشير المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مطلعة إلى أن لودريان أبلغ الأطراف السياسية بشكل رسمي عن تراجع بلاده عن دعم وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والذي يعتبر مرشح حزب الله والنظام السوري مقابل تسمية السفير السابق نواف سلام لمنصب رئاسة الحكومة.
وأكد مبعوث الرئاسة الفرنسية أن بلاده ستعمل على الوصول إلى حل سياسي تجمع عليه أغلبية الأطراف الداخلية والخارجية.
وبحسب مصدر دبلوماسي مطلع، فإن الزيارة الاستطلاعية التي قام بها جان إيف لودريان لا تزال تحمل نفس الانطباعات التي خرجت بها القوى السياسية منذ اليوم الأول لوصوله، وهي استخدام الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص أسلوب الاستماع والصمت.
فيما الخلاصة الأساسية التي أسفرت عن لقاءات لودريان أن الأمور لا تزال معقدة، وأن العوامل الداخلية والخارجية غير جاهزة بالمدى المنظور لإنتاج حل داخلي للأزمة اللبنانية، لا على صعيد رئاسة الجمهورية وتكليف رئيس حكومة بأجندة إصلاحية واضحة.
وبحسب المصدر، فإن لودريان أشار لسفراء عرب وأوروبيين عن صعوبة تسويق الحلول مع القوى المحلية والدول العربية والغربية في ظل المواقف الداخلية الرافضة لوصول مرشح محسوب على حزب الله ورئيس النظام السوري بشار الأسد، خاصة أن حزب الله لا يزال على موقفه باستمرار دعم وصول فرنجية طالما أن الأخير لم ينسحب من السباق.
فيما لدى الجانب الآخر تصورات توحي بأن الحزب ينتظر تطورات الملف النووي مع الجانب الأمريكي ليبني على الشيء مقتضاه.
وتشير المعلومات إلى أن لودريان فشل في تسويق فكرة طاولة حوار داخلي في السفارة الفرنسية (قصر الصنوبر)، وخاصة أن أطراف المعارضة استفاضت خلال لقاءاتها مع لودريان على انزعاجها من المواقف الفرنسية المتعلقة بدعم فرنجية حالياً ونجيب ميقاتي سابقاً.
كذلك، فإن لقاء لودريان مع النواب التغييريين شهد توتراً شديداً خلال اللقاء، حيث استفاض النائب إبراهيم منيمنة بشكل موسّع في الحديث عن الأدوار السلبية التي تلعبها باريس في لبنان لصالح حزب الله والأطراف السياسية عبر تثبيتها ومحاولة خلق تسويات تفرض على اللبنانيين تارة بتسويق فرنجية وتارة أخرى بالسعي لشراء استثمارات في لبنان دون مناقصات، وهذا الكلام أزعج لودريان وأدى لتوتير النقاش.
ويؤكد المصدر أن الموفد الفرنسي طلب من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي أن يدعو إلى طاولة حوار بالتنسيق مع حزب الله والطائفة السنية، إلا أن الراعي لم يبدِ تجاوباً لحساسية الظرف السياسي وصعوبة التوافق طالما أن الحزب ليس جاهزاً للتراجع خطوة للوراء.
وثمة شعور بأن لودريان، بعد لقاءاته مع الأطراف وما سمعه من خلافات واختلاف في وجهات النظر وتشدد في المواقف، بات مدركاً أن "المهمة مستحيلة"، وأنه لا يُمكن لباريس والتي توترت علاقتها مع القوى الداخلية، وتحديداً المسيحية على خلفية تبني فرنجية، أن تنجح في هذا الدور وحيدة طالما أنها خالفت بالتوجه السابق السياق الأمريكي – السعودي – القطري والذي اتفق عليه في اجتماعات اللجنة الخماسية.
لودريان وحزب الله العنيد المتشدد
بالتوازي تشير مصادر مقربة من حزب الله لـ "عربي بوست" إلى أن اللقاء بين الموفد وحزب الله لم يتوصل إلى أي مساحة مشتركة، إذ سعى لودريان لإجراء "مسح أولي" لتداعيات جلسة البرلمان في 14 يونيو/حزيران، مؤكداً لحزب الله أن حصول مرشح المعارضة والتيار الوطني الحر على 60 صوتاً يشكل عنصراً جديداً طرأ على مسار المعركة الانتخابية.
وأشار لودريان لحزب الله -بحسب المصادر- إلى أنه خلال لقاءاته مع المعارضين سمع منهم مواقف واضحة وهي أن الجلسة الماضية كانت ضد فرنجية لما يمثله سياسياً وليس بشخصه، وأنهم مستعدون للبحث مع حزب الله وحركة أمل في خيار رئاسي ثالث تتوافق عليه الأطراف مجتمعة.
يأتي هذا على اعتبار أن التصويت أظهر أن غالبية برلمانية ساحقة تتجاوز 85 نائباً صوّتت ضد فرنجية، وهم أصوات الوزير السابق جهاد أزعور، إضافة للمصوتين لزياد بارود والأوراق البيضاء، إضافة للتكتل السني الذي يؤكد أنه لن يصوت لمرشح طرف، وخاصة أن الأغلبية الساحقة من المسيحيين اختارت التصويت لأزعور.
وبحسب مصادر حزب الله، فإن لودريان أكد للحزب أن القيادة السعودية لا تزال على موقفها الأساسي وهو وصول رئيس غير متورط بالفساد، وتريد أن تكون بعيدة عن أي محاولة لجرها إلى مقايضة وتسوية وهي حتى اللحظة ملتزمة بمبدأ الحياد ولا تريد الدخول توتر مع أي طرف لبناني، لكنها في الوقت نفسه لن تساهم في دعم أي عهد رئاسي يكون امتداداً لمرحلة الإفلاس والانهيار والفساد.
بالمقابل فقد سمع لودريان من حزب الله موقفاً متشدداً وهو أن المعركة التي يخوضها لإيصال فرنجية هي معركة وجودية. على اعتبار أن ترشح سليمان فرنجية يرتبط بسياق استراتيجي لبناني وإقليمي، لا يمكن أن يكون من السهل التخلي عنه وهو ذو مواصفات جامعة بحسب الحزب وواضح "ولا يتواطأ على المقاومة وسوريا"، وهو ليس بعيداً عن السعودية والدول العربية.
وأضاف المصدر أنه بات ضرورياً على أطراف المعارضة التفكير بصعوبة تخلي الحزب عن فرنجية في هذه المرحلة، وإلا فإن الفراغ الطويل سيكون سيد الموقف، وربما بمدة أطول مما اقتضاه وصول ميشال عون إلى الرئاسة والتي طالت لمدة سنتين ونصف.
وتشير المعلومات إلى أن لودريان طرح على حزب الله وحركة أمل تساؤلات عن موقف المسيحيين الرافضين لسليمان فرنجية، ليكون الجواب بأن العمل مستمر للتفاهم مع أحد الأطراف الأساسيين وتحديداً جبران باسيل. وهو ما عزز لدى المبعوث فرضية استمرار الفراغ على اعتبار أن باسيل يرفض فرنجية بشكل قاطع.
تغيير النظام أم تثبيت الاستقرار؟
ووفق هذه الصورة، يعتبر المحلل السياسي اللبناني جوني منير أن لودريان، العائِد في أواسط الشهر المقبل، سيحمل معه هذه المرة نقاشاً أكثر تفصيلاً استناداً إلى محادثاته التي سيجريها مع الدول الخمس.
ولا شك في أن المبعوث الرئاسي الفرنسي -وفق منير- كان قد وضع استراتيجية مدروسة لمهمته مع هَدفٍ من المُفترَض أن يتوصّل إليه لإتمام مهمته.
وبحسب حديث منير لـ "عربي بوست"، فإذا كان يُسَلِّم بحُكم الامر الواقع الذهاب إلى الخيار الثالث الرئاسي، إلا أن السؤال الأهم -وفق المحلل اللبناني- هو الثمن الذي سيطلبه "حزب الله"، عبر الإلحاح في الدعوة إلى الحوار كسبيل وحيد للخروج من الأزمة، وهو ما فَسّرته العواصم المعنية بأنه للحصول على ثَمن سياسي داخل النظام السياسي اللبناني قبل الانخراط في المرحلة الجديدة.
ويشير منير إلى أنه إذا كان تعديل اتفاق الطائف غير متوافر، فإن البديل يمكن تأمينه من خلال بروتوكول جديد يمنح الحزب من خلال المواقع الشيعية صلاحيات جديدة، أي تطوير الممارسة لتطبيق الدستور من خلال الأمر الواقع إذا كان ذلك غير متوافر على صعيد تعديل النصوص.