تسبب انفجار غواصة تيتان بعد ساعات فقط من بدء رحلتها الأحد، 18 يونيو/حزيران 2023، لاستكشاف حطام السفينة تيتانيك، في كشف أنظمة التجسس البحرية الأمريكية بالغة السرية، والتكنولوجيا الصوتية المتطورة التي يستخدمها الجيش في رصد ما يفعله الخصوم على عمق آلاف الأقدام تحت سطح البحر.
صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قالت في تقرير، الأحد 25 يونيو/حزيران 2023، إن أحد هذه الأنظمة- ولا يمكن تحديد أي منها بالضبط- رصد أصوات ما يعتقد المسؤولون أنها تخص انفجار غواصة تيتان.
إذ قال مسؤولون أمريكيون إنَّ البحرية الأمريكية أبلغت قائد خفر السواحل بالنتائج التي توصلت إليها في الموقع، وبينما لم تستطِع البحرية الجزم بأنَّ الصوت جاء من تيتان، ساعد الاكتشاف في تضييق نطاق البحث عن المركبة المفقودة قبل اكتشاف حطامها يوم الخميس 22 يونيو/حزيران.
وبحسب الصحيفة، فإن جهود الولايات المتحدة لتطوير قدرات المراقبة تحت الماء تعود إلى أكثر من قرن، حيث طورت خلال الحرب العالمية الثانية، أنظمة سونار طويلة المدى لاكتشاف الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي.
وفي بداية الحرب الباردة، بدأت الولايات المتحدة العمل على ما صار نظام المراقبة الصوتية. ويعتمد نظام المراقبة الصوتية، المُطوَّر لاكتشاف الغواصات النووية السوفييتية، على شبكة من أجهزة الاستماع تسمى المسماع المائي المُثبَّتة في قاع البحر. وظل اسم البرنامج سرياً حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. كما لا يزال موقع وقدرات المسماع المائي سرية حتى اليوم.
ووفقاً لتاريخ الكشف الصوتي للغواصات الذي كتبته البحرية "صار خطر الحرب النووية حقيقة مركزية في الحياة الحديثة، وبدأ سباق تسلح غاضب"، تمحور حول الغواصات وأنظمة الكشف الصوتي.
واستُخدِم نظام المراقبة الصوتية للعثور على السفن المحطمة من قبل، بما في ذلك USS Threshe، وهي غواصة تعمل بالطاقة النووية غرقت في عام 1963، أثناء اختبارات الغوص قبالة كيب كود بولاية ماساتشوستس؛ ما أسفر عن مقتل 129 شخصاً كانوا على متنها.
من جهته، قال برين تانيهيل، محلل في مركز أبحاث The RAND Corporation، إنَّ النظام لا يزال قيد الاستخدام اليوم، ومن المحتمل أنه اكتشف الضوضاء الناتجة عن انفجار تيتان، لكن قد تكون طرق الكشف الأخرى قد ساعدت أيضاً في البحث، وأياً كان ما حدث فقد يمر وقت طويل قبل أن تكشف الإدارة الأمريكية أسرارها.
كما أوضح تانيهيل: "بمجرد أن تبدأ الحديث عن أنظمة وقوارب الحرب المضادة للغواصات في شمال المحيط الأطلسي، فإنك تصل على الفور إلى تصريح سري للغاية".
وتابع: "لذا، لا يمكن للبحرية الحديث بصراحة، ما لم تحصل على تصريح رئاسي لرفع السرية عن أي شيء تقوله".
كم كلفت عملية البحث؟
ويوم الجمعة 23 يونيو/حزيران، صرح خبراء بأنَّ تكلفة عملية البحث غير المسبوقة عن الغواصة المفقودة تيتان ستصل على أقل تقدير إلى ملايين الدولارات.
وانطلقت الجهود الدولية الهائلة للطائرات والسفن السطحية وروبوتات أعماق البحار، يوم الأحد 18 يونيو/حزيران، وتسابق الباحثون على مدار الساعة طوال 96 ساعة، على أمل يائس في العثور على ركاب السفينة وإنقاذهم قبل نفاد إمدادات الأوكسجين.
وامتدت منطقة البحث لآلاف الأميال- بضعف حجم ولاية كونيتيكت وفي المياه بعمق 4 كيلومترات- بمشاركة وكالات مثل خفر السواحل الأمريكي وخفر السواحل الكندي والبحرية الأمريكية ووكالات أخرى وكيانات خاصة.
إلى ذلك، قال نورمان بولمار، المؤرخ البحري والمحلل والمؤلف المقيم في فرجينيا، إنه لا يوجد بحث آخر مماثل في المحيطات، لاسيما مع مشاركة العديد من البلدان وحتى الشركات التجارية في الآونة الأخيرة.
والطائرات وحدها مُكلّفة في التشغيل، وقدّر البنتاغون تكلفة الساعة بعشرات الآلاف من الدولارات. فقد استُخدِمَ في البحث كل من P-3 Orion التي تعمل لمحرك المروحة التوربينية، وP-8 Poseidon التي تعمل بالطاقة النفاثة، جنباً إلى جنب مع C-130 Hercules.
ويمكن لبعض الوكالات طلب سداد التكاليف التي تكبّدتها في البحث. في حين قال ستيفن كويرتينغ، المحامي الأمريكي في ولاية مين والمتخصص في القانون البحري، إنَّ خفر السواحل الأمريكي- الذي ستصل فاتورته وحدها إلى ملايين الدولارات- يحظر عموماً بموجب القانون الفيدرالي تحصيل تعويضات تتعلق بأية خدمة بحث أو إنقاذ.