تطلق عصابات من المستوطنين على نفسها مسمات مختلفة، وتقوم بإحراق منازل وسيارات الفلسطينيين واستهداف مناطقهم بالتخريب في الضفة الغربية، وآخرها ما قامت به مجموعات التلال في قرية ترمسعيا.".
قرية ترمسعيا تقع في مدينة رام الله، وتعد آخر القرى التي وقعت ضحية جرائم المستوطنين فيها، إذ أكد رئيس بلديتها لافي أديب، أنه جرى حرق 16 منزلاً على الأقل، ونحو 50 سيارة، بالإضافة إلى أراض زراعية في البلدة، وأن 12 من سكان البلدة مصابون بالرصاص الحي الذي أطلقه مستوطنون.
وقال إن هجمات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية لا تزال مستمرة بتواطؤ من الاحتلال، مضيفاً أنهم يعتبرون في البلدة أنه "لا فرق بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين".
ما هي "مجموعات التلال"؟
مكونة من مستوطنين متطرفين، وقوامها من مجموعة استيطانية إسرائيلية في الضفة تدعى "شبيبة التلال"، ونشطت خلال العقدين الأخيرين، متخذة طريقة حياة تشبه إلى حد كبير نمط حياة السكان الأصليين من البدو الفلسطينيين، وإقامة بؤر استيطانية مكونة من خيم وغرف مبنية من الصفيح على معظم تلال وجبال الضفة.
تتحرك الجماعة بتعليمات توراتية ودينية من حاخامات متطرفين، ركزت هجماتها على امتداد طريق "الون" الاستيطاني، الذي يشق الحزام الشرقي للضفة من الشمال حتى الجنوب، وعلى الحواف الشرقية لمحافظة رام الله في منطقة طريق المعرجات، الذي يعتبر أحد المنافذ البرية الرئيسية للفلسطينيين تجاه المعبر الحدودي مع الأردن.
تعد "مجموعات التلال" من بين أبرز الجماعات الاستيطانية التي تقوم بهجمات مستمرة ضد الفلسطينيين، إلى جانب جماعة "تدفيع الثمن" المتطرفة.
تأسست "شبيبة التلال" في نوفمبر/تشرين الثاني 1998، وحظيت حينها برعاية وزير جيش الاحتلال آنذاك أرئيل شارون، الذي سمح بتسليح عناصرها، لتمكينهم من سرقة الأراضي الفلسطينية، وإنشاء "البؤر الاستيطانية" ومشاريع "الاستيطان الرعوي".
يطلق عليهم أيضاً "فتية التلال" أو "مجموعات التلال"، ويؤمنون بما يسمى "أرض إسرائيل الكبرى"، ومنهم انطلقت نواة جماعة "تدفيع الثمن" التي ترتكب الجرائم يوميّاً بحقّ الفلسطينيين.
ينتمي أفرادها إلى تيارات وحركات عنصرية مثل حركة "أرض إسرائيل" بزعامة الحاخام أفراهام ساغرون، وحركة "درب الحياة" بقيادة الحاخام إسحق غينزبورغ، وحركة "نواة المدينة العبرية" برئاسة مائير بارتلر.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قالت في تقرير لها عن عصابات المستوطنين من بينها شبية التلال، إن "هؤلاء يتبعون لتنظيم مشابه لتنظيم "التمرّد" الذي يقوده حفيد الفاشي اليهودي مئير كهانا، ويدعى مئير إيتينجر، وسبق أن اعتقل في إسرائيل مرات عدة لفترات قصيرة، وأبعد عن الأراضي الفلسطينية المحتلة".
أضافت: "حتى الآن، يحظى أفراد مجموعات "شبيبة التلال" ببيئة اجتماعية حاضنة ومؤيدة في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، كما أنهم يحظون بدعم قضائي وقانوني من جمعية "حنانو" القانونية، وأبرز الناشطين فيها المحامي إيتمار غفير، من حركة "كهانا"، الداعية إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم. كذلك، يحظى منفذو العمليات الإرهابية بتفهّم كامل لعملياتهم، إن لم يكن التشجيع من عامة المستوطنين وقادتهم، ناهيك عن دعم مواقع ووسائل إعلام يمينية متطرفة.
تتسبب هذه الجماعة الاستيطانية المتطرفة، باستشهاد العديد من الفلسطينيين سنوياً، ومنذ مطلع العام الجاري 2023، سُجلت العشرات من انتهاكات المستوطنين، التي خلّفت استشهاد 3 فلسطينيين، هم: طارق معالي الذي أعدمه مستوطن على جبل الريسان غرب رام الله، ومثقال ريان الذي أصيب برصاصة مستوطن في الرأس خلال الدفاع عن قرية قراوة بني حسان غرب سلفيت، وسامح حمد الله الأقطش الذي استُشهد في قرية زعترة، بعد إصابته بالرصاص في اعتداءات المستوطنين غير المسبوقة في بلدة حوارة وقرى جنوب نابلس.
دعوات تحريضية وخطورة مجموعات التلال
قبيل ساعات من إحراق منازل الفلسطينيين والمنشآت والمركبات جنوبي نابلس من مجموعات التلال في قرية ترمسعيا في رام الله، أطلق رئيس ما يعرف بمجلس "شومرون" الاستيطاني الإقليمي، دعوة لمحو بلدات فلسطينية عن الوجود، في تغريدة نالت إعجاب وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش.
ثم تبعت ذلك تصريحات محرضة من أعضاء "كنيست"، وصفوا تصرفات المستوطنين بـ"الاحتجاج الشرعي"، بحرق البيوت والاعتداء على من فيها "لاستعادة الأمن وقوة الردع"، وفق تعبيرهم.
الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش، اعتبر أن "ما يجري أمر مدبر من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، خاصة حزب "الصهيونية الدينية" الذي أيد مسؤولوه هذه الأعمال على وسائل التواصل الاجتماعي"، موضحاً أنهم "من شكلوا نواة العصابات المسلحة من المستوطنين على غرار شبيبة التلال، وجماعات تدفيع الثمن".
نقلت عنه وكالة "وفا" الفلسطينية الرسمية، قوله إن "خطورة الأمر تخطت الفكر العنصري المتطرف المتجذر في عقول المستوطنين وثقافتهم، حيث شكلوا لتطبيق فكرهم وتعزيزه تشكيلات عسكرية منظمة، ستكون نواة لذراع عسكرية رسمية سترى النور قريباً في الدولة العبرية".
وحذر من أن "ما جرى من مجموعات التلال في قرية ترمسعيا لا يشكل اندفاعاً لمجموعات غاضبة فقط، وإنما هذه ميليشيات عسكرية لها هيكليتها وموازنتها، والتي يسعى بن غفير إلى الاعتماد عليها في تشكيل ما يسمى بالحرس الوطني الساعي إلى تكوينه".
من جانبها، نشرت صحيفة "هآرتس"، أن جرائم المستوطنين تشهد ارتفاعاً في عدد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين وأملاكهم.
حماية من الجيش الإسرائيلي
الخبير الأمني الإسرائيلي تسفي برئيل، قال في صحيفة "هآرتس" أيضاً، في مقال سابق، إن عصابات "شبيبة التلال" تحظى بـ"الحماية والتحصين من قبل ثلاثة جدران إسرائيلية"، موضحاً أن "هذه الجدران هي: الحاخامات ومجلس "يشع" الاستيطاني والحكومة الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو".
ولفت إلى أن هناك "أعضاءً في الكنيست الإسرائيلي، يوفرون الحماية لميليشيات المستوطنين المسلحة في المناطق".
يقوم الجيش الإسرائيلي بحماية مجموعات المستوطنين، الذين يهاجمون بلدات وقرى الفلسطينيين، ويمنع مواجهتهم والاشتباك معهم، ويقوم على تأمين سلامتهم حتى انتهاء جرائمهم بحق الفلسطينيين.
تتلخّص آلية عمل "مجموعات التلال"، بالاستيلاء على الأرض بطرق غير رسمية، عبر احتلال قمة تل من خلال إقامة معسكر عليها بحماية الجيش الإسرائيلي، والمطالبة بالأراضي المجاورة، سواء أكانت تحت الزراعة الفلسطينية أم لا، والبدء باقتلاع الأشجار الفلسطينية وإطلاق النار، لتهديد أي فلسطيني يقترب من البؤرة الاستيطانية الجديدة.
يشار إلى أن البؤر الاستيطانية تنتشر بكثافة على طول الشريط الشرقي للضفة الغربية، انطلاقاً من الأغوار الشمالية، وصولاً إلى صحراء شرق القدس المحتلة، وهو الشريط الذي احتوى على الانتشار البدوي والزراعي الفلسطيني الأوسع على مستوى فلسطين، ويتعرض بشكل مستمر لهجمات المستوطنين المتطرفين.