كشف تقرير لموقع Africa Intelligence الفرنسي الاستخباراتي، أن الميليشيات الروسية تتصارع على تأمين الموارد المادية من دوائر النفوذ العليا في موسكو، حيث تولى سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، مؤخراً، مهمة توزيع حصص الكرملين من المعدات والموارد الإدارية المخصصة للحرب في أوكرانيا بين الميليشيات المتنافسة.
حيث أصبحت مجموعة مرتزقة "باتريوت" -أبرز منافس لمجموعة "فاغنر" ذائعة الصيت؛ في التمويل والمعدات والذخيرة، والتي تصف نفسها أيضاً بأنها شركة عسكرية خاصة- مقربة من وزارة الدفاع الروسية، وأصبحت القناة التي تفضّل الدائرة المقربة من شويغو استحواذها على مخصصات الدولة.
وقد كان أول ظهور لهذه المجموعة في سوريا عام 2016، وتركز عملها بعد ذلك على مهام الحماية المباشرة وتأمين المواقع، وتجنب المشاركة في غمار المعارك.
ميزة تنافسية
وصارت عادةً لدى كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الروسية أن يكافئوا الضباط المقربين على ولائهم بوظيفةٍ في "باتريوت".
والعروض في هذه الوظائف جذابة: فالرواتب تصل إلى 200 ألف روبل (2400 دولار أمريكي) شهرياً للضابط المبتدئ، وهو ضعف الأجر الذي يحصل عليه الضابط من الرتبة ذاتها في الوزارة.
ومن ثم لا يحب ضباط "فاغنر" نظراءهم في "باتريوت"، بل يصفونهم فيما بينهم بـ"المدَّعين المتملقين" وينتقدونهم أشد الانتقاد، لأنهم لا ينشطون في الغالب إلا عند حضور كاميرات الصحفيين.
وآثرت الدوائر العليا في موسكو المجموعات المنافسة لـ"فاغنر" بميزة أخرى، وهي تجنيد المُدانين والمساجين. فقد بدأ بريغوجين بتجنيد المدانين للقتال ضمن ميليشياته في أوكرانيا عام 2022، لكنه مُنع في الآونة الأخيرة من ذلك.
وصارت وحدة "ستورم زي" Storm Z التابعة لوزارة الدفاع هي التي تدير تجنيد المُدانين الراغبين في الالتحاق بالقتال في أوكرانيا، مقابل الحصول على راتب ووعود بإيقاف تنفيذ العقوبات الموقعة عليهم.
العودة إلى إفريقيا
وبالنظر إلى تضعضع نفوذها في أوكرانيا، عادت "فاغنر" إلى الاهتمام بالحضور في إفريقيا، لا سيما أنها منطقة مألوفة لها.
حيث سُربت على تطبيق تليغرام، في 11 يونيو/حزيران الجاري، بيانات مدعومة بالصور لثلاث طائرات نقل عسكرية روسية من طراز "أن 124" An-124 تسلمتها "فاغنر" لاستخدامها وإمداد القوات المسلحة لجمهورية إفريقيا الوسطى أيضاً بها.
وتشير المعلومات الواردة لموقع Africa Intelligence إلى أن وزير الدفاع الروسي كان قد أوقف عمليات الإمداد هذه بضعة أشهر؛ لعرقلة خطط "فاغنر" في المنطقة.
وقد جاءت هذه الشحنات العسكرية، ومعها الرحلات المتوالية من دبلوماسيين روس إلى عدة بلدان إفريقية في الأسابيع القليلة الماضية، نتيجةً لضغوط أشرفت عليها حاشية بريغوجين من وراء الكواليس.
إذ تعتمد "فاغنر" اعتماداً كبيراً على الدولة الروسية في تيسير أعمالها المحلية: تتولى وزارة الدفاع ووزارة الطوارئ الروسية تسليم المعدات العسكرية، وتنقلها شركات الطيران المدني الحكومية في بعض الأحيان. علاوة على ذلك، ترتبط عقود "التأمين الخاصة" الموقعة بين "فاغنر٫ والحكومات ارتباطاً مباشراً بالتعاون الدبلوماسي والتجاري بين روسيا وهذه الدول.
الصراع بين دوائر النخبة الروسية
لكن تفضيل الميليشيات الأخرى بالموارد ليس سببه الوحيد تراجعَ مكانة بريغوجين بين بعض دوائر النخبة في موسكو. فهناك أسباب أخرى، منها أن نجاحاته في الأشهر الماضية -سواء في ساحة المعركة أو في التقرب من الجمهور- قد أثارت خلافات بين مختلف دوائر النخبة في موسكو، لا سيما الدوائر الموالية لفصائل أخرى.
على سبيل المثال، احتشد هذا الشهر مقربون من الزعيم الشيشاني رمضان قديروف -الذي كان حليفاً لبريغوجين في بعض الأمور حتى وقت قريب- تأييداً لوزير الدفاع في مهاجمة زعيم "فاغنر".
ومن جهة أخرى، كان من المثير للاهتمام أن ميخائيل ميزينتسيف، نائب وزير الدفاع الروسي، قد استقال في مايو/أيار؛ للانضمام إلى فريق إدارة "فاغنر" لأسباب غامضة لم يتطرق إليها الكرملين علناً. وقد كان ميزنتسيف جنرالاً ذا نفوذ كبير، ويُزعم أنه مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
علاوة على ذلك، فقد كان مبعوثاً خاصاً سابقاً لسوريا، وأمضى مسيرته المهنية بأكملها في العمل تحت إمرة شويغو، ولديه صداقة طويلة مع حاكم مقاطعة موسكو أندريه فوروبيوف، وأحد أركان الفصيل المقرب من وزير الدفاع.
يحظى بريغوجين الآن بالتأييد من شريحة من النخبة القومية المتطرفة في روسيا، مثل قادة حزب "روسيا العادلة" -السياسي سيرغي ميرونوف، والكاتب زاخار بريليبين الذي تعرض مؤخراً لمحاولة اغتيال- فهم جميعاً من مؤيدي زعيم "فاغنر" من وراء الكواليس.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض معارضي بوتين في المنفى لديهم آمال يعولون في تحقيقها على بريغوجين، وإن أدانوه هو ومنظمته علناً، وأبرز هؤلاء قطبُ صناعة النفط السابق ميخائيل خودوركوفسكي، الذي يأمل أن ينقلب بريغوجين على نظام الحكم، ليُساعده بعد ذلك في العودة إلى المشهد السياسي في روسيا.