على بعد نحو 100 كيلومتر من حدود أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي، تمتد بين الحقول الزراعية والغابات أنابيب ومضخات يُتوقع أن يكون لها دور مهم في بلوغ مساعي الدول الأوروبية لتأمين إمدادات الطاقة، وإحباط المساعي الروسية للضغط على أوروبا بتقليص الإمدادات، بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية.
وقالت الوكالة إن منشأة التخزين الأوكرانية Bilche-Volytsko-Uherske يمكنها الاحتفاظ بأكثر من 4 أضعاف كمية الغاز الطبيعي التي تخزنها أكبر منشأة في ألمانيا؛ وبالنظر إلى أن أوكرانيا كانت طوال عقود معبراً رئيسياً لإمدادات الطاقة الروسية، فإن المنشأة يسهل ربطها بشبكات الدول الأوروبية.
فكرة مجنونة
قد يبدو تخزين الوقود الحيوي في بلد يتعرض لهجمات صاروخية، وهجمات على البنية التحتية للطاقة، فكرةً مجنونة، لكن الفكرة ما انفكت تكتسب مزيداً من المؤيدين لها، لأن المنشأة بعيدة بمسافةٍ آمنة عن خط المواجهة؛ وترى بعض الشركات أن الأمر يستحق المخاطرة.
من جانب آخر، تعد أوكرانيا موطناً لأكبر شبكة من الكهوف تحت الأرض في قارة أوروبا ويمكنها تخزين الغاز لتوفيره عند ارتفاع الطلب والأسعار في فصل الشتاء؛ وفي الوقت نفسه فإن مرافق التخزين الأوروبية تكاد تبلغ أقصى سعتها من التخزين بعد أن امتلأت بنسبة 70%.
ولذلك فإن المسؤولين الأوروبيين بدأوا بالتفكير في تعزيز الروابط مع منشآت تخزين الغاز في جميع أنحاء أوكرانيا، لأن تخزين الوقود هناك يحول دون إغراق السوق بما يفيض على حاجته في الأشهر المقبلة.
في هذا السياق، قالت شركة الطاقة الألمانية "آر في إي" RWE AG، في بيان لـ"بلومبرغ"، إن "تخزين الغاز في أوكرانيا يساعد في تحقيق التوازن بين العرض والطلب خلال النصف الثاني من صيف 2023، خاصةً أن الشبكات الأوكرانية لديها ارتباط واسع بأسواق الغاز في الاتحاد الأوروبي".
مع ذلك، فإن تنفيذ فكرة تخزين الغاز في أوكرانيا يقتضي تخفيض الأسعار بدرجة كافية لتبرير التكاليف؛ ومشاركة الاتحاد الأوروبي بالدعم ضد أي خسائر محتملة في ظل الصراع الجاري بين روسيا وأوكرانيا.
تخزين الغاز في أوكرانيا
تأتي هذه المبادرة ضمن المساعي المبذولة لتجنيب الأسواق حالة الذعر التي رفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقةٍ العام الماضي واستدعت تدخُّل الدول لحماية الشركات والمستهلكين، إذ يشير مركز الأبحاث البلجيكي Bruegel إلى أن حكومات الاتحاد الأوروبي قدمت دعماً قدره 694 مليار دولارٍ العام الماضي، ولا يمكنها تحمُّل تكرار ذلك هذا العام.
كانت شركات الطاقة الأوروبية تخزِّن الغاز في أوكرانيا قبل الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022، لكن تخزين الإمدادات في بلد يدور فيه صراع عسكري أمرٌ غير مألوف، وتدل هذه الفكرة والنقاشات حولها على ضيق خيارات أوروبا، وتأثير الحرب في إعادة ضبط المخاطر.
في العام الماضي، قلَّص الكرملين تدريجياً إمدادات الغاز، ما تسبب في إحداث فوضى بأسواق الطاقة في أوروبا.
ولا تزال هذه المخاوف قائمة، بينما تعرض أوكرانيا المساعدة. لا سيما أن تخزين الغاز في أراضيها سيولد لها الإيرادات التي هي في أمس الحاجة إليها؛ ويعزز العلاقات الأوكرانية مع الدول الأوروبية؛ ويُفشل مساعي روسيا التي حاولت استخدام الطاقة لإضعاف الدعم الأوروبي لكييف.
تبلغ سعة تخزين الغاز المتاحة في المناطق الآمنة نسبياً بأوكرانيا -على عمق كيلومترين تحت الأرض- أكثر من 30 مليار متر مكعب. وتوفر شركة Ukrtransgaz الأوكرانية ثلث تلك المساحة، أي ما يعادل نحو 10% من طلب الاتحاد الأوروبي في الربع الأخير من العام الماضي.
خيار "جذاب وتنافسي"
بدوره، قال ماركو سالفرانك، رئيس قسم التجارة القارية في أوروبا بشركة Axpo السويسرية، إن "السوق الأوكرانية تقدم إمكانية التخزين بسعر تكلفة ثابت، ما يجعل تخزين الغاز في أوكرانيا خياراً جذاباً وتنافسياً للغاية"، غير أن الأمر لا يزال يحتاج إلى تقليل المخاطر، وإقناع شركات التأمين.
ويتوقف استعداد التجار لتخزين الغاز في أوكرانيا على الأسعار وما إذا كان الاتحاد الأوروبي مستعداً لتوفير الدعم، ولذلك فإن المحادثات جارية.
وأوضح تيم ماكفي، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، في بيان صحفي، الأسبوع الماضي، أن المفوضية "تستكشف ما إذا كانت المؤسسات العامة مستعدة لتقديم الضمانات الكافية للاعتماد على مخازن الغاز الطبيعي في أوكرانيا، وسبل الدعم التي يمكن تقديمها لهذه الخطوة".