يظهر تأييد داخل مجلسي النواب الليبي والأعلى للدولة لتشكيل حكومة ليبية جديدة، وذلك في ظل عدم إمكانية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية العام الجاري 2023، بسبب عدم التوافق على قوانين الانتخاب، التي في حال إنجازها، فإنه وفق القانون تجري الانتخابات بعد ذلك بثمانية أشهر.
جاء ذلك بحسب مصادر تحدثت لـ"عربي بوست"، مؤكدة أن مناورات حثيثة تجري في الأروقة السياسية الليبية، لا سيما داخل البرلمان والأعلى للدولة؛ لتمكين حكومة جديدة بديلة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، بسبب عدم إمكانية إجراء الانتخابات، ما يثير تساؤلات حول إمكانية ذلك، وإن كان سيلقى الأمر قبولاً بين الأطراف المتنازعة.
قال عضو المجلس الأعلى للدولة سعد شراده، لـ"عربي بوست"، إنه "بات من الواجب الشروع في حكومة جديدة، وذلك للإشراف على الانتخابات"، معللاً ذلك بأنه ليس من الممكن إجراء الانتخابات في ظل انقسام السلطة التنفيذية.
أوضح كذلك أنه "يجب الوفاء باستحقاق قانون الانتخاب من لجنة 6+6، وهذا القانون على وشك الخروج، ومن ثم سيكون الذهاب إلى سلطة تنفيذية منتخبة".
لكنه لفت إلى أن الانقسامات والاختلافات بدأت منذ عام 2014، ومن حينها لا نزال نشهد مناورات وذهاباً إلى دول خارجية باتت متدخلة في الشأن الليبي بشكل كبير؛ لذلك فإن الأمور لا تكون محسومة بشكل واضح.
أما فيما يخص الأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة المرتقبة، فقال شراده إنه ليست هناك شخصيات بعينها لرئاسة الحكومة المرتقبة، ولكن هناك شخصيات كثيرة تسعى لذلك.
أبرز المرشحين
في حين أن شراده لم يفضل ذكر أسماء بعينها، إلا أن مصادر ليبية مطلعة أوضحت لـ"عربي بوست" أن هناك اسمين اثنين يعدان من أبرز الأسماء المرشحة لاستلام حكومة جديدة في حال التوافق على ذلك بين مجلس النواب والأعلى للدولة.
الاسمان هما: خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، وأسامة حماد نائب رئيس حكومة فتحي باشاغا الذي عزله البرلمان.
ويدعم الخيار الأول المجلس الأعلى، فيما يؤيد نواب حماد، الذي يقوم حالياً بتسيير حكومة باشاغا بعد توقيفه، في حين أنه لم يعلن أحدهما رسمياً رغبته في ذلك.
لكن المصادر أوضحت أنه "لا يوجد أي خطوة عملية حتى الآن، وأن الأسماء التي يمكن أن ترأسها لم تطرح بقوة حتى الآن"، مؤكدة أن "الاسم المطلوب لحكومة جديدة، لا بد أن يحظى بتوافق من مجلس الدولة والبرلمان معاً؛ لأن المجلسين يتبنيان فكرة الحكومة الثالثة".
ما إمكانية ذلك؟
من جهته، أكد عضو مجلس النواب الليبي عمار الأبلق، تصريحات أدلى بها رئيس المجلس الأعلى للدولة ورئاسة مجلس النواب، متعلقة بضرورة توحيد المؤسسات قبل إجراء الانتخابات، ويأتي في أولوياتها حكومة جديدة.
لكنه أضاف لـ"عربي بوست"، أن هذا الأمر مستبعد في الوقت الحالي، نتيجة الوضع القائم حالياً من حيث دعم الأطراف الدولية، وكذلك ممارسة عمل الحكومة من العاصمة طرابلس، الأمر الذي قد يؤدي إلى فوضى أمنية واقتتال، كما حدث مع حكومة باشاغا.
تابع أيضاً أن "لجنة 6+6 المكونة من مجلسي الأعلى والنواب ليس من اختصاصها الخوض في مسألة الحكومة، ولا التدخل في عمل المفوضية، وإنما دورها يقتصر على إعداد مسودة قوانين الانتخابات فقط".
إلا أنه قال: "لكن سمعنا في الأيام الماضية تصريحاً لأحد أعضاء اللجنة بضرورة إيجاد حكومة واحدة تسهل عمل المفوضية لإجراء الانتخابات، وهذا التصريح لا يعدو إلا أن يكون رأياً شخصياً".
في المقابل، قال المحلل السياسي إدريس عبدالسلام، لـ"عربي بوست"، إن هناك مباحثات تُجرى لتمكين حكومة جديدة مصغرة تقوم بإجراء الانتخابات، وما يدلل على ذلك أن هناك تفاهمات بين مجلسي النواب والأعلى للدولة للسير في هذا الاتجاه، مضيفاً أن "اتفاق بوزنيقة الذي ينتظر اعتماده، يطرح عدة تساؤلات أبرزها هل سيحظى بالقبول لدى بقية الأطراف الليبية المتنازعة، خاصة فيما يتعلق بشروط الترشح ومزدوجي الجنسية وآلية الانتخابات أم لا؟".
تسمية اتفاق بوزنيقة متعلقة باسم المدينة التي من المزمع أن تشهد اتفاقاً على قانون الانتخابات في حال التوافق عليه وإنجازه.
لكن عبد السلام لا يرى أن الأوضاع الحالية تسمح بإجراء الانتخابات في ظل انتشار السلاح بين الأطراف المتنازعة والاشتباكات المستمرة حتى الآن، مؤكداً غموض الموقف الدولي حول إمكانية إيجاد حكومة جديدة، وبالتحديد أمريكا وبريطانيا، فهما تؤكدان ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت.
تساءل كذلك بأنه في حال تم الاتفاق على إجراء حكومة مصغرة، كما تنادي بها بعض الأطراف، فهل سترضى كل الأطراف بهذا المقترح أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار المحاصصة السياسية حول الحقائب التي ستضمها هذه الحكومة. وهل ستعمل هذه الحكومة على إجراء الانتخابات في المدد الزمنية المطلوبة، أم أنها ستبقى في المشهد سنوات قادمة؟
أشار أيضاً إلى تصريح الدبيبة، رئيس الحكومة الحالية، بأنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة، وهذا التصريح فيه اعتراض واضح من الدبيبة للجهات التشريعية التي كُلفت باختيار القاعدة الدستورية وشروط الترشح وقوانين الانتخابات، وسط موقف مجهول من المبعوث الأممي والدول الفاعلة في الملف الليبي من تصريحاته.
المحاصصة الفعلية
من جانب آخر، يرى المحلل السياسي إسلام الحاجي أن كل الأطراف المتنازعة تسعى لوجودها ومشاركتها في أي حكومة قادمة، وهذا سيناريو حقيقي تكرر في كل الحكومات المتعاقبة، مؤكداً أن هذا الأمر ليس غريباً.
ورأى في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "هناك اتفاقاً على إسقاط حكومة الدبيبة، وأن كل هذا يعتمد على مدى موافقة وتوافق ما تراه الدول الغربية الفاعلة حول هذه الحكومة، ودورها ومن سيرأسها، وغيرها من هذه الأمور".
بناء على ذلك، أكد أن "الاتفاق بهذا الخصوص ليس محلياً فقط، مهما تصارعت الأطراف المحلية على إسقاط الحكومة، وإيجاد حكومة بديلة، فهذا ليس قراراً محلياً داخلياً"، وفق تقديره.
تابع الحاجي أن "الصراع اشتد ضد حكومة الوحدة الوطنية منذ أن سحب مجلس النواب الثقة من رئيسها، ويتمثل ذلك باختيار حكومة جديدة، بعد أن تم انتخاب حكومة فتحي باشاغا التي لم تحظ بالاعتراف الدولي، ولم تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، وتحديداً المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس، التي تعتبر مركز القرار في ليبيا".
وشدد على أن حكومة الدبيبة "ما زالت هي التي تصدر قراراتها، ويتم التعامل بها في الشرق والجنوب الليبي، رغم إقالة باشاغا، وتكليف حماد بديلاً عنه، حيث يُعد بديلاً مؤقتاً فقط إلى حين إنهاء حكومة الوحدة الوطنية، وهذا ما تسعى إليه الأطراف كافة"، بحسب قوله.
أشار الحاجي إلى أن "الخطة الدولية الموضوعة، هي تقارب الأطراف الفاعلة على الأرض في الشرق والغرب لإيجاد حكومة بديلة"، معتبراً أن "اللقاءات الدولية واللقاءات التي حدثت بين الأطراف العسكرية في الشرق والغرب الليبي كلها دلائل على السعي لإيجاد حكومة جديدة بمشاركة حقيقية بين الشرق والغرب".
ورجّح أنه "قد يتم تغيير الحقائب الوزارية والمحاصصة بحكومة مصغرة تتشكل من عشرين حقيبة كحد أقصى، تمارس مهامها بحرية أكثر من السيطرة التي يفرضها رئيس الحكومة على قراراتها".
وأكد أنه لا توجد أي أسماء مطروحة بشكل جدي حتى اللحظة لرئاسة الحكومة، ولكن ستكون مهمتها إجراء الانتخابات بعد اتفاق مجلسي النواب والأعلى للدولة.
شدد أيضاً على أن جميع الأطراف الليبية التي تريد حكومة ثالثة في انتظار موافقة الدول المؤثرة في ليبيا وعلى رأسها أمريكا، وأنه في حال موافقتها بما يتماشى مع استراتيجيتهم، سيتم التوصل لاتفاق على حكومة جديدة.
وذهب إلى القول إن "ما سيصدر عن اللجنة 6+6 وكل اللجان التي سبقتها، تجميع للأطراف المتصارعة على السلطة لإيجاد توافق بينهم يتماشى مع ما تضعه الدول الكبرى من استراتيجيات ورؤية لإدارة الأزمة في ليبيا"، مؤكداً أنها "هي صاحبة القرار، ولا يوجد قرار ليبي حر حتى هذه اللحظة".
غموض دولي
يرى الباحث والمحلل السياسي محمود إسماعيل الرملي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن هناك الكثير من التصريحات لميلاد حكومة مصغرة بالفعل، وهذه التصريحات بدأتها لجنة 6+6 بتشكيل حكومة مصغرة، وقد ذكرت ذلك في بيانها خاصة بعد انتهاء حكومة باشاغا والتحقيق معه وحكومة الدبيبة المعترف بها دولياً وغير المتواجدة في الشرق والجنوب الليبي.
ويعتبر الرملي أن هناك توجهات دولية على أن تنجز لجنة 6+6 أعمالها خلال مدة لا تتجاوز شهر يوليو/تموز 2023، مؤكداً أن هذه اللجنة اتفقت على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية موضحة بعض المعالم الخاصة بأن الانتخابات ستُجرى هذا العام.
لفت كذلك إلى إمكانية قبول خليفة حفتر والدبيبة بهذه المخرجات حول تشكيل حكومة موحدة، موضحاً أنها تمثل نهاية للبرلمان والمجلس الأعلى للدولة وكل الأجسام الأخرى، وهناك نية واضحة من المجتمع الدولي حول إجراء الانتخابات والتوجه لصناديق الانتخابات بدل صناديق الذخيرة.
وأشار إلى أن هناك تحركاً سياسياً كبيراً بعد العمليات الأخيرة التي قامت بها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، لمحاربة أوكار الهجرة غير الشرعية وتهريب الوقود في الغرب الليبي، والقضاء على بعض البؤر الأخرى لإنهاء الجريمة من جهة، وإشارة إلى المجتمع الدولي بأن هذه الحكومة قادرة على فرض الأمن في المنطقة التي تقع في نطاقها ونفوذها من جهة أخرى.
وقال إن إمكانية تشكيل حكومة مصغرة من عدمها تظل مجرد تكهنات، معللاً ذلك بأن كل الأجسام السياسية مسيطرة حالياً بحكم الأمر الواقع، لأنها هي التي تحكم وتريد الاستمرار في حكمها، بل إن هدفها الأساسي الاستمرار، مضيفاً أن ليبيا بحاجة للتغيير.
وأشار إلى أن الأيام القادمة ستكون محل اختبار للمجتمع الدولي وإرادته وتوجهاته، لأن خارطته ليست واضحة، فالمبعوث الأممي على سبيل المثال بنى الكثير من إجراءاته على ردود الأفعال بدل الأفعال.
ورجح أنه "ربما سيتم التوصل لاتفاق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، ولكن الاتفاق على قانون الانتخابات أمر، وإمكانية الاتفاق أيضاً على حكومة جديدة بديلة لحكومة الدبيبة أمر آخر، فمن الصعب تطبيق ذلك"، وفق تقديره.
يشار إلى أنه كان من المنتظر التوقيع على مخرجات لجنة 6+6 بالأحرف الأولى الإثنين 5 يونيو/حزيران 2023، في مدينة بوزنيقة المغربية، بحضور رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، إلا أن ذلك تأجل ليوم الثلاثاء "لأسباب تنظيمية"، وفق عضو اللجنة عز الدين قويرب.
بعد مباحثات استمرت لنحو أسبوعين بمدينة بوزنيقة، صوّت أعضاء لجنة "6+6″، السبت 3 يونيو/حزيران 2023، بالإجماع، لصالح القوانين الانتخابية المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة ومجلسي النواب والشيوخ.
يُذكر أن لجنة "6+6" مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة (نيابي استشاري) نص على تشكيلها التعديل الـ13 للإعلان الدستوري، وهو دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.
اللجنة مكلفة بإعداد قوانين انتخابية "توافقية" تجري عبرها انتخابات تحل أزمة الصراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.