بدا لافتاً منذ تشكيل الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، قبل 5 أشهر، حجم الجهد الدبلوماسي الذي يبذله وزراؤها مع القارة الأوروبية، لترميم العلاقة بين إسرائيل وأوروبا المتضررة خلال عهد الحكومات السابقة منذ 2009، مركزة العمل على إبعاد الأوروبيين عن القضية الفلسطينية، وتبني مواقف وسياسات أكثر انحيازاً للاحتلال.
قام بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة بزيارات عمل عدة مهمة لأربع من أكبر العواصم الأوروبية، هي: باريس وبرلين ولندن وروما، فيما نظّم وزير خارجيته إيلي كوهين سلسلة زيارات مماثلة، دون أن تسفر بالضرورة عن تحسّن مباشر للعلاقات.
يستعرض "عربي بوست" في هذا التقرير، خطوات إسرائيل لترميم علاقاتها المتدهورة مع أوروبا، دون ضمان أن تنجح في سحب دولها إلى جانب مواقف الاحتلال على حساب الفلسطينيين، رغم ظهور بعض السياسات الأوروبية الأخيرة لدى عدد من الدول في الانحياز لإسرائيل، بما خالف عقوداً طويلة من المواقف المبدئية التي ناصرت القضية الفلسطينية.
الانقلاب القضائي
ظهرت المواقف الأوروبية مبكرة لمنع حكومة اليمين الإسرائيلي من تنفيذ "الانقلاب القضائي"؛ إذ صدرت تحذيرات وصلت حدّ توجه البرلمان الأوروبي لإجراء مناقشة بشأنه، عبر اجتماعات عقدتها نائبة رئيسه نيكولا بار، بعد لقائها بوزارة الخارجية وعدد من أعضاء الكنيست، وتحدثت في الغرف المغلقة بسلبية عن هذا الملف.
"الانقلاب القضائي" هو ما يصفه معارضو الحكومة الحالية للخطة التي قدمها نائب رئيس الوزراء ووزير العدل ياريف ليفين، بدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لإجراء تغييرات جوهرية في النظام القانوني في إسرائيل، واصفاً إياه بأنها "إصلاح قضائي"، في حين يرى معارضوها بأنها تمثل مهرباً لنتنياهو المتهم بقضايا فساد.
تناول مسؤولون كبار في مؤسسات الاتحاد الأوروبي هذا الخلاف القضائي علناً، منهم رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا خلال لقائها بالرئيس يتسحاق هرتسوغ في بروكسل، ووزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ما أثار غضباً إسرائيلياً حكومياً، وصف الانتقادات الأوروبية بأنها تدخلات خارجية، وبأنها "غير عادية".
جرى مؤخراً تداول وثيقة للبرلمان الأوروبي، ورد فيها أن إسرائيل تشهد أكبر احتجاجات في تاريخها ضد التغييرات القانونية التي تريدها حكومة نتنياهو، في المقابل أعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها تتابع التدخل الأوروبي، رغم أنه لن يسفر عن أي منتج في شكل قرار أو أي بيان باسم البرلمان الأوروبي.
بضائع المستوطنات
رغم الجهود الإسرائيلية لترميم العلاقات الأوروبية، لكن دول الاتحاد الأوروبي تحذر باستمرار من تداول منتجات المستوطنات الإسرائيلية في أسواقها.
آخر الدعوات أتت على لسان وزير الاقتصاد البلجيكي "بيير إيف دارمانير"، بعد عام من قرار أوروبي بوسم تلك المنتجات، حيث ستقوم الجمارك البلجيكية بمداهمات الشحنات القادمة من إسرائيل للتحقق إن تم تصنيعها في المستوطنات أم لا، وستتم مداهمة المتاجر التي تبيعها، وسيدعمون القائمة السوداء لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة للشركات والكيانات العاملة فيها.
لطالما كانت بلجيكا واحدة من أكبر الدول الأوروبية الداعية لتمييز منتجات المستوطنات. ففي حرب غزة 2021، أعلنت وزيرة الخارجية السابقة صوفي فيليمز، أنها ستعمّق سياسة التمايز بين إسرائيل والأراضي المحتلة، مؤيدة أيضاً طلب الفلسطينيين الحصول على رأي بشأن شرعية "الاحتلال الإسرائيلي المستمر" من محكمة العدل الدولية في لاهاي.
في يونيو/حزيران 2022، ألمح رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كروا، أن بلاده تدرس إمكانية منع دخول منتجات المستوطنات لأراضيها.
كذلك في سنوات سابقة، دعت بروكسل حين ترأست مجلس الأمن الدولي، كبير مستشاري الرابطة الدولية لحقوق الطفل في فلسطين، ليلقي خطاباً أمام أعضاء مجلس الأمن بشأن حقوق الأطفال الفلسطينيين تحت واقع الاحتلال الإسرائيلي، ما أثار غضباً واسعاً ضده، وباتت إسرائيل تتهم بلجيكا بانتهاج خطّ هجومي ضدها في الأمم المتحدة، ما أوصل توتر علاقاتهما لمستويات قياسية.
شهدت بلجيكا وإسرائيل تبادلاً للاتهامات، وصلت ذروته باستدعاء مساعد السفير البلجيكي بتل أبيب مرتين، مقابل استدعاء سفير الأخيرة في بروكسل.
ومؤخراً، أصدرت بلجيكا قراراً يلزم الشركات المحلية بـ"وسم" بضائع المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويقضي الوسم بوضع علامات واضحة على المنتجات، تشير بوضوح إلى أنها منتجة في مستوطنات إسرائيلية مقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما شكّل صفعة قوية لإسرائيل، ودفع بنائب وزير خارجيتها إيدان رول لإلغاء اجتماعه مع وزارة الخارجية وبرلمان بلجيكا، احتجاجاً على القرار.
للسبب ذاته، رفض الدبلوماسيون الإسرائيليون مقابلة وزيرة خارجية النرويج أنكن هايتفيلدت، عقب قرار بلادها وضع وسم لمنتجات المستوطنات.
وأجرت إسرائيل مباحثات دبلوماسية مع النرويج لثنيها عن تنفيذ القرار، دون جدوى. ورغم أن النرويج ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكنها أوضحت أن قرارها يستند لحكم محكمة العدل الأوروبية 2019، وبموجبه يجب توسيم المنتجات الغذائية الآتية من مناطق تحتلها إسرائيل حتى لا تضلّل المستهلك الأوروبي حول مصدرها، خاصة النبيذ وزيت الزيتون والفواكه والخضراوات.
سبق كذلك لإسرائيل اتهام النرويج بتمويل المنظمات المناهضة لها، بما فيها حركة المقاطعة العالمية للبضائع الإسرائيلية "بي دي إس"، فيما أعلن أكبر صندوق تقاعد بالنرويج سحب استثماراته من 16 شركة مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية، وبيع أسهمه بشركة "ألبيت معرخوت" الإسرائيلية لدورها ببناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية.
قررت أيضاً منظمة "LO" للنقابات العمالية في النرويج فرض مقاطعة اقتصادية وثقافية وأكاديمية على إسرائيل، وأوقف صندوق الاستثمار التابع للحكومة النرويجية الاستثمار بشركتي "أفريكا-إسرائيل" و"دانياسيبوس" الإسرائيليتين.
العلاقات العسكرية
بالتزامن مع سلسلة الزيارات الإسرائيلية الأخيرة للقارة الأوروبية، فقد أبرمت صفقة لبيع أنظمة "حيتس3" إلى ألمانيا، وهي إحدى أهم صفقات السلاح الإسرائيلية في العقود الماضية، بقيمة 3-4 مليارات دولار، وتتمثل ببناء نظام دفاع متعدد الطبقات ضد الصواريخ، على خلفية الحرب في أوكرانيا، ورغبة ألمانيا بتسريع إبرام الصفقة، بزعم أن هذه المنظومة يمكنها التعامل مع تهديد الصواريخ الباليستية الروسية، وبالتالي ليس حمايتها فقط، ولكن جيرانها الأوروبيين أيضاً.
وأجرى سلاح الجو الإسرائيلي تمريناً مع نظيره اليوناني لتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود بعيداً عن الأجواء الإسرائيلية، على خلفية "التهديد الإيراني المتزايد باستمرار"، بزعم أن المسافة بينهما تعدّ نصف المسافة من إسرائيل إلى إيران.
كانت رغبة إسرائيل واضحة بأنها تريد تعزيز تحالفها الثلاثي في شرق المتوسط مع اليونان وقبرص، رغم أن هذا التحالف يوتّر العلاقة مع تركيا، بسبب خلافها حول توسيع المياه الاقتصادية، والسيطرة على حوض شرق المتوسط.
السفارة في القدس
من القضايا التي ركّز عليها نتنياهو وكوهين بجولاتهما الأوروبية محاولة إقناعها بنقل سفاراتها للقدس المحتلة، حيث اتخذ رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان قرار نقل السفارة، والآن يناقشان التوقيت المناسب لإعلانه، ما سيجعلها أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تفعلها، لأنه لا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع أن أوربان صديق شخصي لنتنياهو، وساعد إسرائيل على منع صدور مواقف أوروبية ضدها. وسيعتبر هذا التطور سلبياً على صعيد مستقبل القدس المحتلة.
أما إيطاليا فشهدت زيارات متبادلة مع إسرائيل الطامعة لنقل سفارتها للقدس المحتلة، لكن التقديرات تتحدث عن أن الانتقال سينتهي بافتتاح مكتب منخفض المستوى فيها بسبب رفض الاتحاد الأوروبي. وسيطر الموضوع على وصول عدد من المسؤولين الإسرائيليين إلى روما، أهمهم رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس الكنيست أمير أوحانا ووزير العلوم أوفير أكونيس، فيما تتحضر تل أبيب لدعوة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ووزير خارجيتها. وقد أبلغ كبار المسؤولين الإيطاليين نظراءهم الإسرائيليين بالتفكير في طلب نقل السفارة بشكل إيجابي.
مع العلم أنه منذ تشكيل الحكومة اليمينية الحالية في إيطاليا، فهي تبدو مواتية جداً لإسرائيل. وظهرت مؤشرات أولى على تغيير نمط تصويتها بالأمم المتحدة لصالحها، فصوّتت مرتين ضد قرار إحالة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لمحكمة العدل الدولية، وهو أمر رحّبت به تل أبيب. وعزم نتنياهو حينها على إقناع ميلوني لعقد اجتماع مشترك لحكومتيهما في القدس المحتلة، بعد عقد كامل من اجتماع مماثل في روما.
على صعيد التشيك، عاشت إسرائيل إحباطاً عقب عدم تمكن رئيسها السابق ميلوش زيمان من نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة، لأنه واجه صعوبة بتنفيذها بسبب قلة دعم الائتلاف الحكومي، وضغوط الاتحاد الأوروبي، مع أن التشيك افتتحت في مارس/آذار 2021 مكتباً في القدس المحتلة، وليس سفارة، بل مكتباً قنصلياً يتولى القضايا القنصلية والسياسية والاقتصادية، امتداداً لسفارتها في تل أبيب.
المنطقة "ج"
لا تخفي الدول الأوروبية دعمها للبناء الفلسطيني في المنطقة "ج" من الضفة الغربية، الخاضعة أمنياً ومدنياً لإسرائيل.
مع تشكيل الحكومة الحالية اليمينية المتطرفة في إسرائيل، كُشف النقاب عن "وثيقة سرية" للاتحاد الأوروبي من 6 صفحات، دعت لتوسيع الوجود الفلسطيني بهذه المنطقة، ما دفع وزارة خارجيتها لمهاجمة الاتحاد، واعتبار الوثيقة جزءاً من سلسلة مواقف أوروبية غير مقبولة بالنسبة لإسرائيل.
دعت الوثيقة لتعزيز المساعي الأوروبية لتعزيز الوجود الفلسطيني بالمنطقة (ج)، وإثبات حق الفلسطينيين فيها بالوثائق القانونية، وتعزيز بنيتهم التحتية، ومتابعة ومراقبة النشاط الأثري الإسرائيلي فيها، والحاجة لرؤية أوروبية مشتركة، ونهج أكثر تنسيقاً لزيادة القدرة على توسيع المشاركة الأوروبية في المنطقة.
تسببت الوثيقة الأوروبية بهجوم إسرائيلي رسمي عليها، حتى إن وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش اعتبرها جزءاً من "التورط السافر للاتحاد الأوروبي في الجهود الفلسطينية لإقامة دولة معادية بحكم الأمر الواقع في قلب إسرائيل، وهذا غير مقبول"، وفق قوله.
اعتبرت أيضاً عضوة الكنيست أوريت ستروك من حركة "الصهيونية الدينية"، الوثيقة أنها تعد "كشفاً لحقيقة مفزعة تتمثل باستثمار أوروبي ضخم في خطة تخريبية لإقامة دولة فلسطينية مخالفة للاتفاقيات".
من جانبها، زعمت عضوة الكنيست ليمور هار- ملاخ من "العصبة اليهودية"، أن الوثيقة "تؤكد أن الفلسطينيين وحلفاءهم الأوروبيين يديرون خطة استيلاء ضخمة لصالح إقامة دولة فلسطينية على كلّ الضفة الغربية، وسأعمل على وقف أنشطة الاتحاد الأوروبي فيها"، بحسب ما تعهدت به.
المناهج الدراسية
للعام الرابع على التوالي، تواصل إسرائيل تحريض الأوروبيين على وقف تمويل المناهج الدراسية الفلسطينية بزعم أنها تحرّض على العمليات المسلحة، واحتوائها مواد معادية للسامية.
بهذا الصدد أدان البرلمان الأوروبي مؤخراً السلطة الفلسطينية، بأغلبية 451 مؤيداً مقابل 151 معارضاً، ما شكل مصدر خيبة أمل فلسطينية.
دفع القرار الأوروبي بكوهين للترحيب بما وصفه بالقرار "التاريخي"، كاشفاً أنه خلال زيارته للبرلمان الأوروبي، التقى برئيسته روبرتا ميتسولا، وشكرها على خطّها المتصلب ضد الفلسطينيين.
وأعلن المفوض الأوروبي أوليفر فيرهالي المسؤول عن تقديم الأموال للفلسطينيين، أنه لم يعد ممكناً استخدام الأموال الأوروبية للتحريض ضد إسرائيل. أما مفوضة شؤون المساواة في الاتحاد الأوروبي هيلينا دالي، فزعمت أن هناك حاجة لتغيير حيوي في المناهج الدراسية الفلسطينية، وكذلك ميريام لاكسمان، عضوة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، زعمت أن هذه المناهج "عقبة رئيسية أمام حل الصراع".
مستغلاً هذا الزخم الأوروبي، بعث وزير الشتات عميحاي شيكلي برسالة لسفراء دول الاتحاد الأوروبي في تل أبيب، دعاهم لدراسة تجميد تمويل المناهج الفلسطينية التي تعزز ما وصفه بالمحتوى المحرّض، وقدم تقريراً بذلك باللغات العبرية والإنجليزية والفرنسية.
المسجد الأقصى
شهدت الشهور الأخيرة توتراً وغضباً إسرائيلياً أوروبياً، عقب زيارة وفد من 30 سفيراً أوروبياً للمسجد الأقصى، التقوا بإدارة الأوقاف الإسلامية، مظهرين دعم الوصاية الأردنية على المقدسات المسيحية والإسلامية، ما دفع إسرائيل لانتقادها، بزعم أنها تمت دون تنسيق معها، وأنها تتجاهل سيطرتها على الأقصى.
حتى إن الناطق بلسان الخارجية الإسرائيلية وصف الزيارة بـ"غير المسؤولة، ومن شأنها أن تؤدي لاستفزاز وتحريض".
المؤسسات الحقوقية
لم تتوقف التوترات الإسرائيلية الأوروبية عن التصاعد، فواصلت تل أبيب قيادة ضغوط سياسية ودبلوماسية وقانونية لوقف التمويل المقدم للمؤسسات والمنظمات الحقوقية الفلسطينية والأوروبية، بزعم أن تمويلها يذهب لقوى المقاومة ويشجع الهجمات المسلحة، ما كشف عن صراع حاد داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي بسبب إعداد قائمة سوداء لـ"منظمات حقوق الإنسان"، رغم معارضة وزير خارجية الاتحاد جوزيف بوريل لهذا التوجه.
تسبب الأمر بحملة عدائية ضده من إسرائيل، واعتباره شخصية غير مرغوب بها، وبعث المحامي أرسين أوستروفسكي، رئيس المنتدى القانوني الدولي، الذي يضم 4 آلاف محامٍ وناشط، رسالة حادة إلى بوريل لرفضه هذا التوجه.
منظمة "إلى هنا" اليمينية المتطرفة، دفعت رئيس اللوبي من أجل محاربة نزع الشرعية عن إسرائيل، عضو الكنيست أرييل كيلنر، لإرسال رسائل وقع عليها 20 عضو كنيست لسفارتي ألمانيا والنرويج تطالبهما بوقف تمويل منظمات حقوقية بزعم أنها تدعم المقاومة الفلسطينية.
تراجع التأييد
خيبة أمل سادت تل أبيب عقب قرار بلدية برشلونة الإسبانية بإلغاء توأمتها معها، مع مواصلة الحفاظ على توأمة مماثلة مع مدينة غزة.
وأكد رئيس بلديتها آدا كولاو أن الخطوة تأتي احتجاجاً على الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. ووقّع 5 آلاف من مواطنيها على عريضة تطالب بقطع العلاقات مع بلدية تل أبيب، متهمينها بقتل آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم مئات الأطفال، وتعزز مشروع التطهير العرقي، ونظام الفصل العنصري، ويجب عزلها مثل جنوب إفريقيا.
وافق برلمان كاتالونيا في 2022 على اقتراح يعرّف إسرائيل كدولة فصل عنصري، وفي حرب غزة 2014 اتهمها بقتل الأبرياء، وفي 2018 دعا رئيس وزراء إسبانيا لوقف مبيعات الأسلحة إليها، واصفاً هجماتها بـ"البربرية واللاإنسانية".
في فرنسا، أرسل المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية سيمون ساروسي برقية عاجلة لوزارة الخارجية في تل أبيب، حذرت فيها أن الصحفيين والأكاديميين الذين دعموها لسنوات طويلة بدأوا بالتحدث ضد حكومتها، خاصة ضد الانقلاب القانوني، وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، واعتبار التطرف يهدد مستقبل إسرائيل، ما يسفر عن ضعف الدعم الفرنسي المقدم لها، عقب نشوء ظاهرة مقلقة للصحفيين والمحررين والأكاديميين الفرنسيين، المعروفين بموالاة إسرائيل، لكنهم يعبرون عن أنفسهم بطريقة انتقادية لأول مرة، وشوهدوا وهم ينتقدونها.
فيما أعلن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أن "إسرائيل تنتحر"، بسبب تطرف مجتمعها الذي يهدد مستقبلها، في حين أن "آلان بيرشون" المحرر السابق لصحيفة "لوموند" نشر مقالاً انتقد فيه "الانقلاب القانوني"، مقارناً إسرائيل بالمجر.
ونشرت عريضة وقعها عشرات المثقفين في المجر، معظمهم يهود، حذروا فيها من أن النظام السياسي الإسرائيلي في طريقه لأن يصبح "استبدادياً ماكراً وغير ليبرالي".
أما "لوك دي باروش" المحرر الاقتصادي لأكبر أسبوعية في فرنسا "لو بوانت"، فنشر مقالاً افتتاحياً انتقد فيه بشدة هجمات المستوطنين، ودعم الجيش الإسرائيلي لهم. وأما "ديفيد كليف" الأكاديمي اليهودي الفرنسي فقد هاجم في صحيفة "لوفيغارو" أعمال شغب المستوطنين ضد الفلسطينيين.
تمّ تتويج التوتر الفرنسي الإسرائيلي بمقاطعة باريس لوزير المالية الإسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش، شريك نتنياهو الرئيسي، خلال حضوره مؤتمر وزراء مالية دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حيث لم يعقد اجتماعاً واحداً مع أي مسؤول فرنسي، بمن فيهم نظيره، عقب إثارته غضبها، حين زعم فيها قبل شهرين أنه "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني"، في حين وصفت وزارة الخارجية الفرنسية كلماته بـ"الفاحشة وغير المسؤولة".
ألغى كذلك ممثلو الاتحاد الأوروبي الاحتفال الرسمي بـ"يوم أوروبا" في إسرائيل، بعد اختيارها لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لتمثيلها فيه، وأعلن الاتحاد أنه ليس معنيّاً بإعطاء منصّة لمن تتعارض مواقفهم مع قيمه.
انتقل التوتر الإسرائيلي الأوروبي إلى ألمانيا أيضاً، التي أظهرت رفضاً للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما ما يتعلق منها بالقدس.
ورفض دبلوماسيو ألمانيا أخذ صور تذكارية، وخلفهم أسوار البلدة القديمة، باعتبارها أرضاً محتلة، ما أثار غضب وزارة خارجية إسرائيل، حيث تحظر التوجيهات الدبلوماسية الألمانية أي نوع من التعاون مع احتلال مخالف للقانون الدولي، ويُطلب من الممثلين الألمان عدم زيارة هذه الأماكن.