يتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى تعيين نائب رئيس الوزراء التركي الأسبق محمد شيمشك، من أجل قيادة ملف الاقتصاد التركي، لكن موقع Middle East Eye البريطاني أشار في تقرير له الخميس 1 يونيو/حزيران 2023، إلى أن هناك اختلافاً في التوجهات بين أردوغان وشيمشك، خاصة فيما يتعلق بالفائدة وسعر الليرة التركية.
الموقع أشار إلى تصريحات أردوغان عندما قال إن نيته هي إدارة اقتصاد البلاد بحزمٍ قائمٍ على الثقة والاستقرار، مضيفاً أنه يستهدف صياغة خطة إدارة مالية ذات سمعةٍ عالمية داخل البلاد، من أجل جذب الاستثمارات ودعم اقتصاد التصنيع الموجه نحو التوظيف.
كما أوضح في حديثه إلى قادة الأعمال داخل أنقرة، الأربعاء 31 مايو/أيار: "نحن عازمون على اتخاذ خطوات من أجل تعويض الرفاه المفقود، الذي تعانيه قطاعات مختلفة من مجتمعنا". وأردف أردوغان أن حكومته تتمتع بسجلٍّ حافل في مجال مكافحة التضخم، في إشارةٍ إلى فترة حكمه منذ عام 2002 وحتى 2018.
حيث استطرد قائلاً: "نحن الذين خففنا عن شعبنا بتقليص مشكلة ارتفاع التضخم التي مثلت صداعاً في رأس الاقتصاد التركي طيلة سنوات، وخفضنا معدل التضخم إلى رقمٍ من خانة واحدة، وسنفعل ذلك مجدداً".
هل يقود محمد شيمشك الاقتصاد التركي؟
يتجه الرئيس التركي إلى تعيين فريق جديد وموثوق لإدارة الاقتصاد، ويشمل ذلك منصبي وزير المالية ومحافظ البنك المركزي. إذ صرّحت مصادر مطلعة على فكر أردوغان لموقع Middle East Eye البريطاني، بأنه كان يفكر في تعيين محمد شيمشك، وزير المالية الأسبق والمحبوب في الأسواق.
فقد التقى محمد شيمشك مع أردوغان يوم الإثنين 29 مايو/أيار، لكن الاتفاق لم يُحسم بعد. وأوضح مصدر مطلع على المسألة للموقع البريطاني: "يُصر الرئيس بشدة على الاحتفاظ بأسعار الفائدة المنخفضة. ويمكنهما الاتفاق على كل شيء، لكن رفع أسعار الفائدة ما يزال يمثل مشكلة".
كما أردفت المصادر أن محمد شيمشك يحاول إقناع الرئيس بإطلاق يده في إدارة السياسة النقدية لمدة 18 شهراً على الأقل، ويريد من أردوغان تعيين وزراء جدد من ذوي الفكر شديد التوافق معه.
بينما أوضح المصدر: "يقترح زيادة تدريجية في أسعار الفائدة؛ حتى لا تكون تكلفة السياسة باهظةً على الشركات. ويرغب في رفع الفائدة من معدلها الحالي عند 8.5% إلى 25% بمرور الوقت".
لكن هناك مخاوف حول ما إذا كان أردوغان سيلتزم بسياسةٍ كهذه أم لا، وهذا إذا قبل باتخاذ خطوة كهذه من الأساس.
حيث يركز أردوغان حالياً على الانتخابات البلدية المُزمعة إقامتها في مارس/آذار 2024. وربما ستساعد تدابير التقشف في السيطرة على التضخم، لكنها قد تتسبب في البطالة وبعض مشكلات السيولة للشركات، مما قد يمثل مشكلةً للرئيس في صناديق الاقتراع.
تغيير توجه أردوغان
في حال تغيير أردوغان لمساره وتجديد دماء فريق الاقتصاد بأسماءٍ موثوقة؛ فمن المحتمل أن يؤدي ذلك لإنعاش المستثمرين الدوليين بحسب وولف بيكولي، خبير الشأن التركي المخضرم في شركة Teneo الاستشارية.
إذ أوضح بيكولي للموقع البريطاني: "هناك فرصة أمام تدفق المحافظ الاستثمارية على تركيا دون شك. ويرجع السبب في الأساس إلى أن كثيراً من الأسواق الناشئة الأخرى تعيش وضعاً أكثر صعوبة، إلى جانب صعوبة الوصول إلى الأموال أيضاً".
لكن بيكولي حذر من المخاطرة التي ستظل قائمةً في وجود أردوغان، حيث من الممكن أن يُقيل محمد شيمشك أو أي شخصٍ آخر يتم تعيينه في منصب وزير المالية، وذلك في حال شهد تراجعاً في دعم حزب العدالة والتنمية عقب فترة شهر العسل الأوّلية بعد الانتخابات.
يوافقه الرأي تيموثي آش، خبير الاستراتيجيات السيادية البارز في شركة Bluebay Asset Management. حيث قال آش للموقع البريطاني: "تحب الأسواق شيمشك وتثق به، لكنها لا تثق بأن أردوغان سيمنحه تفويضاً لحل مشكلات ميزان المدفوعات فعلياً. ولا بد من رفع الفائدة لإبطاء الطلب على الواردات".
أردف آش أن محمد شيمشك -أو أي شخص آخر- سيتمكن من النجاة عند رفع أسعار الفائدة بحدةٍ أقل، وذلك في حال تعيين محافظٍ موثوقٍ للبنك المركزي. فيما قال بيكولي إن أردوغان يحتاج إلى أدوات لمساعدته في مكافحة التضخم بحسم، كما يحتاج إلى سعر فائدة يتناسب مع معدل التضخم.
أضاف بيكولي: "قد يمنحنا وصول سعر الفائدة إلى مستوى 25% إشارة، لكنني أشك في أنها ستمثل مجرد استجابة خجولة من الأسواق. إذ من الواضح أن تأثير استجابة الأسواق سيعتمد على السياق الأوسع أيضاً".
تابع بيكولي قائلاً إن هناك العديد من الطرق المتاحة أمام أردوغان ليبعث بإشارةٍ جيدة إلى المستثمرين. حيث يمكنه أن يعد بتنفيذ إصلاحات هيكلية في سوق العمل أو النظام الضريبي مثلاً. كما يمكنه أن يُحرز تقدماً في علاقاته مع واشنطن، أو يسحب رفض تركيا لانضمام السويد إلى الناتو.
السماح لليرة بالانخفاض
يؤمن كبار المسؤولين الأتراك المحيطين بأردوغان بضرورة حدوث تغيير في مسار السياسة الاقتصادية والنقدية. حيث تحدث مسؤول تركي بارز إلى الموقع البريطاني في أبريل/نيسان، قائلاً: "لقد غيّر رأيه في السياسة الخارجية من قبل. أي إنه من الممكن أن يغير رأيه بشأن الاقتصاد. ويحاول الجميع تحقيق ذلك".
لكن تظل الاحتمالية قائمةً بألا يتبع أردوغان هذه النصيحة، وأن يحتفظ في المقابل بسياسته النقدية غير التقليدية. فما الخيارات المتاحة أمام أردوغان إذا لم يغير رأيه بشأن أسعار الفائدة؟
ليس هناك كثير من الخيارات وفقاً لبيكولي، باستثناء السماح للدولار بأن يأخذ مجراه مع مشاهدة قيمة الليرة وهي تنخفض.
إذ يجري تداول الليرة حالياً بسعر 20 ليرة مقابل الدولار الواحد. وقد يحتاج أردوغان لرفع ذلك الرقم إلى 25 ليرة مقابل الدولار من أجل إرضاء المصدرين الأتراك، الذين يقولون إنهم في وضعية غير مواتية مقارنةً بمنافسيهم الدوليين، لأن تدخلات البنك المركزي تجعل الليرة مقوّمة بأعلى من قيمتها.
بينما قال بيكولي: "يمكنهم أن يحاولوا تشديد شروط الائتمان والسيولة بفرض قواعد إضافية. ومن المفترض أن يساعد موسم الصيف في جلب بعض النقد الأجنبي للبلاد، مما قد يسمح لهم بتحقيق بعض التقدم حتى يحل الخريف".
كما تحدث عن أهمية أسعار الطاقة والسياق الدولي من أجل تقييم الوضع، لكنه توقع أن أي تشديد للقواعد سيترك أثره على النمو الاقتصادي الذي يفخر به أردوغان ويود الحفاظ عليه.
موّل أردوغان سياسة أسعار الفائدة العام الماضي عن طريق إبرام عدة صفقات عملات وودائع مع دول الخليج، وأذربيجان، وروسيا. ويعتقد البعض في أنقرة أنه يستطيع طلب مزيد من تلك المجاملات. لكن آش يرى أن أي أموال خليجية جديدة ستأتي مشروطةً من الآن فصاعداً، كما حدث مع مصر وباكستان مؤخراً.
كما قال: "لن يُقرض الخليج أي أموال إذا لاحظ ترتيبات سياسية سيئة تمثل تهديداً لميزان المدفوعات، مما قد يعني أنهم لن يستردوا أموالهم. بينما يحتاج بوتين لأكبر قدر ممكن من المال حتى ينجو بنفسه. وأظن أن من مصلحته الإبقاء على أردوغان في ضائقةٍ مالية وجعله أكثر اعتماداً عليه. أي إن أردوغان لن يحصل على عملية إنقاذ ضخمة".
إذا حافظ أردوغان على انخفاض أسعار الفائدة وعجز عن توفير الأموال من الخارج، فيقول آش إن الرئيس سيضطر إلى السماح بانهيار الليرة مع المخاطرة بمعدل تضخم أعلى نتيجةً لذلك. وربما يتحول الوضع إلى أزمة نظامية، مما قد يسفر عن فقدان أوسع للثقة بالنظام المالي، بحسب آش.