رفض زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية وأقدمها؛ كمال كليجدار أوغلو، تقديم استقالته من منصبه بعد هزيمته أمام الرئيس رجب طيب أردوغان وعدم فوز تحالفه بالغالبية في البرلمان في الانتخابات التي أقيمت يومي 14 و28 مايو/أيار 2023، وقال إنه لن يستقيل بدعوى ضرورة دراسة الموقف وعدم الظهور بمظهر الخاسر في الانتخابات الأخيرة، لا سيما أن الحزب حصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين منذ تأسيسه، في حين أن المعركة الأخيرة لكليجدار أوغلو بما يتعلق برئاسته لحزبه قد تؤجل إلى ما بعد انتخابات البلدية.
"لن ألتصق بالكرسي"، بهذه العبارة أكد كليجدار أوغلو في خطاب توليه رئاسة الحزب عام 2010، أنه لن يتمسك بمنصبه، وأنه على استعداد لتركه في حال خسارة الانتخابات أمام حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان حينها.
على مدار أكثر من 13 عاماً خسر كليجدار أوغلو كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها أمام الحزب الحاكم برئاسة أردوغان؛ بدءاً من خسارته رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى عام 2009 لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية حينها "قدير طوباش"، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام الرئيس التركي أردوغان.
موعد المؤتمر العام
بينما تتباين الآراء حول موعد المؤتمر العام لحزب الشعب الجمهوري لاختيار رئيسه للسنوات القادمة؛ تتبنى بعض القيادات ضرورة أن يكون هناك تجديد كامل في صفوف الحزب من رأسه حتى قاعدته.
لكن تتبنى الدوائر القريبة من كليجدار أوغلو تأجيل المؤتمر العام حتى الانتخابات المحلية التركية في شهر أبريل/نيسان 2024 بدعوى استقرار هياكل الحزب من أجل ضمان السيطرة على المدن الكبرى في البلاد ومن بينها إسطنبول وأنقرة، بحسب محللين أتراك.
يرى أولئك الذين يدافعون عن أن كليجدار أوغلو يجب أن يكون مرشحاً في المؤتمر، أنه إذاً سيكون هناك اضطراب كبير في الحزب قبل الانتخابات، وسيكون قد استنفد كل طاقته في الصراع الداخلي، في المعركة الأخيرة لكليجدار أوغلو.
في مقابل ذلك، يقول الكاتب التركي مراد صابونجي لـ"عربي بوست"، إن "هناك بعض المسؤولين التنفيذيين في حزب الشعب الجمهوري، يطالبون بعقد مؤتمر الحزب في موعده خلال شهور الصيف حتى يذهب الحزب إلى الانتخابات المحلية بفريق عمل جديد، وأن رسالة التغيير يجب أن تصل إلى الناخبين".
استقالات في الحزب
بحسب الباحث في شؤون الأحزاب التركية "مراد هان يلدريم"، فإن المعركة الأخيرة لكليجدار أوغلو قد تشهد لجوئه إلى قبول استقالة أعضاء الهيئة المركزية للحزب، من أجل تهدئة الأجواء إلى ما بعد الانتخابات المحلية وانتظار نتائجها التي قد تُنسي قواعد الحزب الخسارة المؤلمة أمام أردوغان.
أضاف يلدريم في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أن "هناك تسريبات تفيد بأن القيادات العليا في حزب الشعب الجمهوري بدأت في إخلاء غرفها داخل مقر الحزب في العاصمة أنقرة استعدادا لتقديم استقالاتهم".
كشف الباحث التركي عن أن كبير مستشاري رئيس حزب الشعب الجمهوري "تونجاي أوزجان" قد بدأ بالفعل في إخلاء غرفته في مقر حزب الشعب الجمهوري قبل اجتماع الهيئة المركزية للحزب إلى جانب الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري، "سيلين سايك بوك" التي تستعد للعودة إلى حياتها الأكاديمية عقب استقالتها من الحزب.
غضب داخل "الشعب الجمهوري"
من جانبه، قال القيادي في حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، في تصريحات صحفية خلال إنهاء أوراق عضويته في البرلمان التركي، إنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع من الحزب أن يتصرف وكأن شيئاً لم يحدث.
لفت أيضاً إلى أن حزب الشعب الجمهوري يجري حالياً دراسات تقييمية، من أجل فهم الناخبين الذين لم يصوّتوا للحزب خلال الانتخابات الأخيرة.
عند سؤاله عن الأخبار التي تتحدث عن مشكلات داخل القيادة العليا لحزب الشعب الجمهوري، قال أوزيل: "نرى أن تركيا ليس لديها نهج سلبي تجاه السيد كليجدار أوغلو، مضيفاً: "سنواصل العمل السياسي في الفترة المقبلة".
كليجدار أوغلو لن يرأس حزبه في البرلمان
للمرة الأولى منذ توليه رئاسة حزب الشعب الجمهوري عام 2010، لن يرأس كليجدار أوغلو المجموعة البرلمانية لحزبه داخل البرلمان التركي؛ بسبب عدم ترشحه في الانتخابات البرلمانية، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على رئيس مجموعة الحزب في البرلمان السابق إنغين أوزكوتش.
من المتوقع أن يتولى أوزغور أوزيل نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة حزب الشعب الجمهوري في الدورة السابقة من البرلمان، رئاسة المجموعة لأكبر أحزاب المعارضة خلال الدورة الجديدة من البرلمان، وهو الأمر الذي أكده في حديثه لوسائل الإعلام.
بحسب جريدة "جمهوريات" الناطقة باسم حزب الشعب المعارض، فإن ثمة تقييمات يجري العمل عليها حالياً في أروقة الحزب، وسيتم الإعلان عنها يومي السبت والأحد 3 و4 يونيو/حزيران 2023، عقب أداء اليمين الدستورية لنواب الحزب في البرلمان.
كليجدار أوغلو ضد إمام أوغلو
من جانبه، رأى الكاتب الصحفي عبد القادر سيلفي أنه إذا تم تحديد موعد المؤتمر العام لحزب الشعب الجمهوري خلال أشهر الصيف فستتاح لكليجدار أوغلو الفرصة لإجبار أكرم إمام أوغلو على الاختيار إما الترشح لرئاسة بلدية إسطنبول أو رئاسة حزب الشعب الجمهوري.
أضاف سيلفي في مقاله بجريدة "حرييت" التركية، أنه إذا اختار إمام أوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري، فإن كليجدار أوغلو سيقاتل بكل الوسائل من أجل القضاء على إمام أوغلو، وإنهاء مستقبله السياسي، وهو أمر يجيده رئيس حزب الشعب الجمهوري، كما يقول سيلفي.
يعتمد كليجدار أوغلو لتحقيق ذلك، على حالة الرفض التي يحملها الكثير من رؤساء البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري ورؤساء الحزب الإقليميين تجاه أكرم إمام أوغلو؛ خاصة بعدما جاء العديد منهم خلال الأيام الماضية إلى أنقرة، وأعربوا عن دعمهم لكليجدار أوغلو.
لن يترك منصبه
وافقه في ذلك الكاتب التركي نديم شنار، فرأى أن كليجدار أوغلو لن يتخلى عن رئاسته لحزب الشعب الجمهوري، وسيلجأ إلى الأسلوب ذاته الذي استخدمه لضمان ترشيحه للانتخابات الرئاسية عن تحالف الطاولة السداسية.
أشار الكاتب الصحفي في مقاله بجريدة "صباح" التركية إلى أن كليجدار أوغلو سينتظر هدوء الأمواج العالية داخل حزبه، قبل أن يستخدمه مندوبو حزبه الذين يدينون له بالولاء لضمان استمرار رئاسته لحزب الشعب الجمهوري المعارض.
أضاف أيضاً في مقاله أنه لن تتمكن أي قوة من عزل كليجدار أوغلو من الرئاسة العامة لحزب الشعب الجمهوري، بعدما استطاع أن يضمن ولاء مجموعة كبيرة من مسؤولي الحزب الإقليميين وقيادات الهيئة العليا للحزب.
ماذا يحدث لأكبر أحزاب المعارضة؟
الكاتب الصحفي "مراد صابونجو"، قال في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إنه التقى العديد من قيادات حزب الشعب الجمهوري خلال الأيام الماضية ممن شغلوا مناصب عليا في أكبر أحزاب المعارضة.
تابع صابونجي أن "الشغل الشاغل داخل حزب الشعب الجمهوري حالياً هو مناقشة مستقبل أحد أقدم الأحزاب في تركيا والعالم، من خلال اسمي كمال كليجدار أوغلو أم أكرم إمام أوغلو؟"، مضيفاً أن "القائد مهم؛ لكن هوية الحزب، والتنظيم، والعلاقة بين القائد والمنظمة هي أيضاً حاسمة".
يتفق طاقم حزب الشعب الجمهوري بحسب "صابونجو" على أن خطاب كليجدار أوغلو ليلة الانتخابات أعطى رسالة "استمرار" فيما يتعلق بالرئاسة العامة، ورغم ذلك لا يتجاهل احتمال حشد المعارضة داخل الحزب بسبب الهزيمة الانتخابية ومحاولات جمع التواقيع للمؤتمر الاستثنائي بسبب الهزيمة الانتخابية.
لهذا السبب، من المخطط اتخاذ قرار لبدء عملية المؤتمر العادي للمؤتمر بحسب الكاتب التركي، الذي سيعقد في الأيام المقبلة حسبما ينص ميثاق حزب الشعب الجمهوري على أن "الجمعية تنعقد كل عامين. ولا يجوز تأجيلها لأكثر من عام".
يشار إلى أن حزب الشعب الجمهوري عقد مؤتمره العادي الأخير في 25 يوليو/تموز 2020، وتم تأجيل المؤتمر الذي كان من المفترض عقده العام الماضي 2022 لمدة عام واحد بسبب "الانتخابات المبكرة المحتملة" ووباء فيروس كورونا الذي شهده ذلك الوقت.