كان ما حدث يوم 22 مايو/أيار 2023، مفاجأة لجميع المراقبين، عندما عين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الأدميرال علي أكبر أحمديان أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ليحل محل الأدميرال علي شمخاني، الذي تصاعد دوره في السياسة الداخلية والخارجية لإيران، في الآونة الأخيرة.
فقد أطلق على علي شمخاني لقب "مهندس الاتفاق الإيراني السعودي"، بعدما نجح في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، الخصمين اللدودين في المنطقة، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت لسبع سنوات، وسنوات طويلة من الصراع.
وكانت وسائل إعلام إيرانية، وبالتحديد موقع "نورنيوز" المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، أفادت أن علي شمخاني قدم استقالته إلى المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، يوم 21 مايو/أيار بعد 10 سنوات من شغله لمنصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.
صحيح أنه في الأشهر الأخيرة كانت هناك أخبار وتكهنات تقول إن استقالة أو إقالة شمخاني أصبحت قريبة، خاصة أنه يتعرض منذ فترة لانتقادات حادة واتهامات بالفساد من قبل خصومه، لكن تنحيه عن منصبه في هذا الوقت بالتحديد، أي بعد الاتفاق الإيراني السعودي، له الكثير من التداعيات خارجياً وداخلياً.
ولم تُنشر أية تفاصيل حول الظروف المحيطة بالإطاحة بعلي شمخاني من منصبه بعد النجاح الهائل الذي حققه في الأشهر الأخيرة، فقط اكتفت وسائل الإعلام المحلية، بخبر تقديم استقالته، وإصدار المرشد الأعلى مرسوماً بتعيينه عضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو أحد الهيئات الحاكمة في إيران والمختصة في الفصل بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، في نزاعاتهما المتعلقة بإقرار القوانين، بعبارة أخرى يعتبر من ضمن الهيئات الاستشارية العليا، والتي تقدم المشورة للمرشد الأعلى أيضاً.
"عربي بوست" تواصل مع مصادر مطلعة في إيران في محاولة لفهم ما يحدث هناك، ومعرفة حقيقة ما يحدث بالضبط، وتداعياته المحتملة على ملف السياسة الخارجية الإيرانية، خصوصاً مع دول المنطقة العربية.
استقالة أم إقالة؟
"الكلام الذي كان يُقال من وراء حجاب، قيل رمزاً، وفي نهاية المطاف سُمع بالإيماءات، فغادر". كانت هذه الأبيات للشاعر الإيراني محتشم كاشاني، التي نشرها علي شمخاني على حسابه على منصة تويتر، قبل وقت قصير من إعلان استقالته، ما فتح الباب أمام التكهنات: هل تمت إقالته أم قدّم استقالته؟
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من علي شمخاني لـ"عربي بوست": "لقد تم دفع شمخاني للاستقالة، إنه يعلم منذ فترة أنه يتم التخطيط لإقالته، وجاءت اللحظة المناسبة ليقوم هو بتقديم استقالته".
وقام الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني بتعيين علي شمخاني في منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهي المؤسسة الأمنية العليا المخولة باتخاذ القرارات المهمة في السياسية الداخلية والخارجية لإيران، بعد موافقة المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي.
لكن ما الذي دفع شمخاني لتقديم استقالته في هذا الوقت المهم وبعد إنجازه للعديد من الملفات المهمة في السياسة الخارجية؟ أجاب المصدر المقرب من شمخاني على هذا التساؤل قائلاً: "مشاجرة مع رئيسي".
وأوضح المصدر: "طلب إبراهيم رئيسي أن تقوم وزارة الخارجية بتعيين السفير الإيراني لدى الرياض، بعد أن علم أن شمخاني يريد أن يتولى هو الملف للنهاية، فحدث خلاف حاد بينهما، وبعدها بأيام قليلة قدّم شمخاني استقالته".
وبحسب مصدر سياسي مقرب من الحكومة الإيرانية، فإن علي شمخاني كان يضغط منذ فترة على المرشد الأعلى، لتعيين سفير مقرب منه لدى السفارة الإيرانية في السعودية، والتي من المفترض أن يتم افتتاحها بعد شهرين من إبرام الاتفاق السعودي الإيراني في 10 مارس/آذار 2023، لكنه لم يحدث حتى الآن.
وأضاف المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "شمخاني كان يريد تعيين سعيد إيرواني المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة، لكن رئيسي رفض هذا الأمر بالكلية، وطالب بنقل ملف التطبيع السعودي الإيراني إلى وزارة الخارجية بدلاً من مجلس الأمن، بل إنه طلب من خامنئي وشدد على طلبه بضرورة إقالة شمخاني في أقرب وقت".
كان من المفترض أن يترك علي شمخاني منصبه كسكرتير للمجلس الأعلى للأمن القومي، بعد أن تركت حكومة حسن روحاني الحكم، وعندما تولى إبراهيم رئيسي منصبه، كانت هناك ضغوط كبيرة من رئيسي وأنصاره لإقالة شمخاني، لكن تدخل المرشد الأعلى ساعد على تأجيل إقالة شمخاني لوقت كبير، ما زاد من غضب خصوم شمخاني من المتشددين ومؤسسة الحرس الثوري الإيراني.
بعد مطالبة إبراهيم رئيسي بتعيين وزارة الخارجية للسفير الإيراني لدى السعودية، علم شمخاني بهذا الأمر، وبحسب المصدر المقرب منه، "غضب شمخاني كثيراً لأنه كان يرى أنه من الأفضل أن يكون هو المشرف على ملف العلاقات مع السعودية للنهاية، لأنه يعلم أن وزارة الخارجية لن تُدير الأمر بالشكل المطلوب، وقدم استقالته إلى خامنئي مباشرة".
وكان من المفترض أن يقوم علي شمخاني بتقديم استقالته من منصب سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي إلى الرئيس إبراهيم رئيسي، بصفته رئيس المجلس، لكنه تجاوز رئيسي وقام بتقديم استقالته مباشرة إلى خامنئي.
على الجانب المقابل، يقول سياسي إيراني أصولي مقرب من الحرس الثوري لـ"عربي بوست"، إن "شمخاني يريد أن يستولي على ملفات وزارة الخارجية، ويريد أن يكون هو الوحيد المشرف على ملف العلاقة مع السعودية والدول العربية، وهذا لا يجوز ولن تقبله الحكومة، وكان لابد من تنحيه".
جدير بالذكر، أنه بعد استقالة شمخاني بوقت قصير، أعلنت الحكومة الإيرانية تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج في الوزارة، علي رضا عنايتي، سفيراً جديداً لها في المملكة العربية السعودية.
في هذا الصدد، يقول السياسي الأصولي المقرب من الحرس الثوري لـ"عربي بوست": "الصراع بين شمخاني ورئيسي على ملف العلاقات مع السعودية، كان السبب في تأخير تسمية السفير وإعادة افتتاح السفارة الإيرانية في الرياض، الآن الأمور عادت لطبيعتها".
دوافع خصوم شمخاني لإقالته
في البداية يجب أن نوضح من هم خصوم علي شمخاني. شمخاني واحد من قادة الحرس الثوري السابقين المقربين من دائرة المرشد الأعلى علي خامنئي، ومقرب من مكتب المرشد، وهو أحد أهم مؤسسات الدولة العميقة في إيران.
أما خصوم شمخاني فهم الأصوليون المتشددون من أنصار النظام الإيراني أيضاً، بالإضافة إلى صقور الحرس الثوري الإيراني، والاثنان من ضمن مؤسسات الدولة العميقة كذلك، وبينهما صراع على كثير من الملفات كما أشرنا في تقرير سابق.
في الآونة الاخيرة، وإثر زيادة قرب شمخاني من المرشد الأعلى، واعتماد خامنئي عليه في الكثير من ملفات السياسية الداخلية والخارجية، مع إقصاء لوزارة الخارجية التابعة للأصوليين المتشددين أيضاً، غضب خصوم شمخاني.
هناك العديد من العوامل التي وقفت وراء رغبة المتشددين والحرس الثوري في إقالة شمخاني من منصبه. يقول محلل سياسي مقيم في طهران، ويعمل في إحدى مراكز الفكر المقربة من مكتب خامنئي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية الموضوع: "على الرغم من أن شمخاني كان واحداً من قادة الحرس الثوري، إلا أنه اتخذ في السنوات الأخيرة مساراً أقرب إلى الإصلاحيين، ولديه علاقات قوية مع بعضهم، وهذا يقلق خصومه".
كان شمخاني قائداً للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، كما أنه شغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي.
كان للاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في أغلب المدن الإيرانية بعد وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في حجز الشرطة، بعد اعتقالها على يد إحدى دوريات الإرشاد (شرطة الأخلاق)، بزعم ارتدائها الحجاب بشكل غير مطابق لقانون الحجاب الإلزامي في البلاد، في منتصف سبتمبر/أيلول 2022، أثر على زيادة الهجوم على شمخاني من قبل خصومه.
فقد انتقد شمخاني أداء الحكومة وسياستها تجاه تنفيذ الحجاب الإلزامي، كما انتقد طريقة التعامل مع المتظاهرين من قبل القوات الأمنية، وبحسب المصادر المطلعة التي أخبرت "عربي بوست"، في وقت سابق، فإن شمخاني قد اجتمع بعدد من السياسيين الإصلاحيين البارزين، لمناقشة طرق لتهدئة الاحتجاجات والتعامل مع مطالب المحتجين، ما زاد من غضب خصومه أكثر وأكثر.
يقول المحلل السياسي الإيراني المقرب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست": "شعر خصوم شمخاني بأن نفوذه يتعاظم في السياسية الداخلية بشكل مقلق، كما أنه لم يفعل أي شيء لقمع الاحتجاجات، ما أدى إلى انتقاده علانية واتهامه بالفشل في تعامل مجلس الأمن القومي مع الاحتجاجات التي هددت البلاد، وطالبوا خامنئي بإقالته لكن الأخير رفض".
وفيما يخص دور علي شمخاني في الاتفاق السعودي الإيراني، وتطبيع العلاقات العربية الإيرانية، يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "لا يمكن إنكار أن هناك الكثيرين من خصوم شمخاني رافضين لأي تطبيع إيراني مع دول الخليج، لأنهم ينظرون إلى هذا الأمر كأنه تقويض لنفوذ إيران الإقليمي، لكن شمخاني كان من الداعمين للاتفاق السعودي الايراني، ورأى خامنئي أنه الأجدر للقيام بهذه المهمة التي نجح فيها بالفعل، ما زاد من قلق خصومه".
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن هناك قلقاً كبيراً لدى خصوم شمخاني، من تكوينه لجبهة معارضة ضدهم تكون شوكة في حلقهم فيما بعد، خاصة مع اتجاه نحو المسار الإصلاحي المعتدل.
قلق من طموحات علي شمخاني
بالإضافة إلى تعاظم دور علي شمخاني في الآونة الأخيرة، وإدارته للعديد من الملفات، كانت هناك أشياء أخرى تقلق خصومه، وهي كما وصفها المحلل السياسي المقرب من دوائر صنع القرار بـ"طموحات شمخاني".
في هذا الصدد، يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "منافسة شمخاني لرئيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، تقلق خصومه بشدة، خاصة بعد تقاربه الكبير مع الإصلاحيين وخاصة حسن روحاني الذي ينوي خوض الانتخابات البرلمانية في العام المقبل".
لكن هل ينوي شمخاني فعلاً الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة؟ أجاب على هذا التساؤل، سياسي معتدل مقرب من شمخاني قائلاً لـ"عربي بوست": "صحيح، كان شمخاني ينوي منافسة رئيسي في الانتخابات المقبلة، كما أنه اجتمع بحسن روحاني مرتين على الأقل للتخطيط لخوض الأخير الانتخابات البرلمانية المقبلة".
جدير بالذكر هنا، أن البرلمان الحالي يسيطر عليه الأصوليون بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2020، والتي شهدت عملية إقصاء كبيرة لأغلب المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين. كما سيطر الأصوليون على الرئاسات الثلاث منذ عام 2020 (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، من أجل ما يُطلق عليه "توحيد السلطات"، تجهيزاً لمرحلة ما بعد خامنئي.
في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي المقيم بطهران، لـ"عربي بوست": "مرحلة انتقال القيادة أصبحت وشيكة، خامنئي يبلغ من العمر 84 عاماً الآن، لذلك لا يريد الأصوليون أية مفاجآت أثناء تجهيزهم للسيطرة على الحكم، وطموحات شمخاني تُنذر بوجود معارضة وشيكة قد تعطّل مخططاتهم".
تداعيات إقالة شمخاني
لاستقالة شمخاني أو إقالته، تداعيات داخلية وخارجية من الممكن أن تثير الكثير من المشاكل للنظام الإيراني. أولاً في الداخل، فإن إزاحة علي شمخاني من المشهد السياسي، خاصة إن حاول الأخير الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، تُشير إلى وجود خلافات عميقة داخل المعسكر الأصولي في إيران، عكس ما أُشيع لسنوات عند تماسكه واتحاد أحزابه.
كما أن إقالة شمخاني تُنذر باستعداد المعسكر الأصولي للقيام بعملية إقصاء كبرى للإصلاحيين والمعتدلين من الانتخابات البرلمانية والرئاسية المستقبلية، ما يعني سيطرتهم الكاملة على الدولة الإيرانية، ولن يكون هناك أي مجال للمعارضة في المستقبل حتى وإن كانت معتدلة.
وتعليقاً على هذا الأمر، يقول المحلل السياسي المقرب من مكتب المرشد الاعلى، لـ"عربي بوست": "إقالة شمخاني من منصبه، تعني أن الأصوليين سيقودون حرباً شرسة من أجل القضاء على أية معارضة محتملة، وهذا سيؤدي إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية وزيادة الفجوة بين النظام والشعب، هذه الأمور قد تؤدي إلى عكس رغبات الأصوليين، خاصة في مرحلة ما بعد خامنئي، من الممكن أن تتعرض الجمهورية الإسلامية إلى ضربات قوية تهدد استقرارها".
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، أشار المحلل السياسي إلى أن هذا الصراع بين الأصوليين وشمخاني وأنصاره من المعتدلين والإصلاحيين، سيضغط على المرشد الأعلى، علي خامنئي، فيقول: "سيحاول خامنئي كبح هذا الصراع داخل المعسكر الأصولي ومؤسسات الدولة، وسيضعه في موقف صعب، لأنهم أيضاً يمثلون جزءاً كبيراً من قاعدة دعمه، ما سيزيد الأمور تعقيداً".
أما بالنسبة لتداعيات استقالة شمخاني على السياسة الخارجية الإيرانية، فإن أكثر ما يقلق داعمي علي شمخاني الآن، هو تنفيذ الاتفاق الإيراني السعودي، ومحاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
بالنظر إلى أهمية دور سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وتأثيره على عملية صنع القرار السياسي والأمني في إيران، وتوقيت إقالة شمخاني بعد وقت قصير من نجاحه في توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، الذي بحسب مصادر إيرانية مطلعة تحدثت لـ"عربي بوست"، في وقت سابق، "طلب السعوديون من الإيرانيين أن يكون الموقّع على الاتفاق شخصية موثوقة ومدعومة من قبل خامنئي لضمان تنفيذ الاتفاق". بعبارة أخرى أراد المسؤولون السعوديون أن من يقوم بالتوقيع على هذا الاتفاق أحد مؤسسات الدولة العميقة، التي لن تغير موقفها بتغيير الحكومة الحالية.
في هذا الصدد، يقول سياسي إيراني معتدل لـ"عربي بوست": "من الممكن أن تبعث إزاحة شمخاني من منصبه برسالة إلى السعوديين، بأن الصراع على السلطة بين الأصوليين ومؤسسات الدولة العميقة قد يؤدي إلى تعطيل تنفيذ الاتفاق السعودي الإيراني، كما أنه من الممكن أن يؤثر على محاولات تطبيع العلاقات الإيرانية مع الدول العربية الأخرى، وهذا أمر سيئ بالنسبة لسياسة إيران الخارجية".
هناك ملف آخر مهم للغاية، وهو استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المتوقفة منذ أشهر طويلة، في الآونة الأخيرة دافع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي عما يُطلق عليه في أدبيات السياسة الإيرانية "المرونة البطولية"، والمقصود بها هنا إبداء بعض المرونة في مواقف معينة تعود بالمصلحة على البلاد، وهو ما أطلقه خامنئي عندما قررت البلاد الموافقة على توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والغرب في عام 2015.
تكهّن الخبراء الإيرانيون بدفاع خامنئي عن المرونة البطولية، قائلاً: "إنها ليست تعني التنازل أو التراجع عن الأهداف، بل إنها غاية لتحقيق المصلحة في وقت من الأوقات"، بأنه يحاول إقناع أنصاره من المتشددين بالعودة إلى المفاوضات النووية، والتي كان من المحتمل أن يلعب علي شمخاني دوراً فيها.
في هذا الصدد، يقول دبلوماسي إيراني سابق، مقرب من وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، لـ"عربي بوست": "الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، والاضطرابات الداخلية، دفع المؤسسة الحاكمة للتفكير مرة أخرى في العودة إلى المفاوضات النووية، خاصة أن موقف البلاد الآن مناسب خاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، لكن لا يمكن إغفال دور بعض النخب الأصولية في منع هذا الأمر من الحدوث".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "إقالة شمخاني تعني المزيد من التعقيد في الملف النووي، خاصة أن وزارة الخارجية الحالية لم تثبت أي تقدم في هذا الملف، إقالة شمخاني ضربة قوية للقوى المؤيدة لإحياء الاتفاق النووي من أجل حل مشاكل البلاد، خاصة أنها تعطي انطباعاً للقوى الإقليمية والعالمية بأن المتشددين سيطروا على الحكم ويصعب التعامل معهم".
ماذا عن بديل شمخاني؟
على الرغم من أن سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، واحد من الوجوه غير المعروفة على الساحة السياسية الإيرانية، ويصفه البعض بأنه من ضمن رجال الظل داخل الحرس الثوري، إلا أنه يمتلك أوراق اعتماد وسجلاً كبيراً يؤهله لشغل هذا المنصب المهم.
أحمديان من مواليد عام 1961 في محافظة كرمان، وبحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، كان من المقربين للقائد السابق لفيلق القدس، قاسم سليماني، انضم إلى الحرس الثوري في أثناء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 والتي استمرت لـ8 سنوات.
خدم أحمديان بجانب قاسم سليماني في الفرقة ثأر الله 41، ومن ثم انتقل إلى القوات البحرية التابعة للحرس الثوري. وبحسب مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، فقد أثبت أحمديان قدراته الهائلة في مجال الهندسة البحرية خلال فترة خدمته التي امتدت لـ15 عاماً.
في عام 2007 تولى أحمديان منصب رئيس المركز الاستراتيجي للحرس الثوري، وفي سبتمبر 2022 عيّنه المرشد الأعلى في مجلس تشخيص مصلحة النظام.
في حديثه لـ"عربي بوست"، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني: "أحمديان من القادة البارزين في الحرس الثوري، لكنه غير معروف على الساحة السياسية أو للشعب الإيراني بشكل كبير، كما أنه يحظى بثقة خامنئي، وفي الوقت نفسه مقرب من خصوم شمخاني من الأصوليين".
وبحسب المصدر ذاته فقد لعب أحمديان دوراً كبيراً في تأسيس مؤسسات ثقافية واجتماعية تابعة لمكتب المرشد والحرس الثوري داخل وخارج إيران، لذلك من المحتمل أن تكون له صلاحيات كبيرة في منصبه الجديد، خاصة بعد مباركة خصوم شمخاني، لتوليه المنصب.
لكن يتوقع المحلل السياسي الإيراني المقرب من مكتب المرشد الأعلى، المزيد من المصاعب التي سيواجهها أحمديان، فيقول لـ"عربي بوست": "بالنظر إلى الصراع الداخلي بين الأصوليين، والصراع بينهم وبين مكتب المرشد، في بعض الملفات، فإنه سيكون من الصعب على أحمديان إرضاء جميع الأطراف في كثير من الأحيان، لكن الرجل يتمتع بذكاء وحكمة وخبرة إدارية عالية".