كشف تقرير لصحيفة The Times البريطانية، الأحد 21 مايو/أيار 2023، عن محاولات روسيا للضغط على المحكمة الدستورية بجمهورية إفريقيا الوسطى، من أجل إجراء تغييرات على الدستور، للسماح للرئيس فاوستين أرشانج تواديرا المدعوم من موسكو، بهدف بقائه في السلطة لفترة ثالثة، من أجل مواصلتها السيطرة على الدولة الإفريقية.
الصحيفة أشارت في تقريرها إلى أنه بعد أسبوعين من بدء الحرب في أوكرانيا وصل اثنان من الدبلوماسيين الروس إلى مكتب القاضية دانييلي دارلان في بانغي، التي ترأس المحكمة الدستورية بجمهورية إفريقيا الوسطى، واقتحما مكتبها، ما تسبب لها في صدمة.
وقالت القاضية دارلان: "قال الروسيان -وقد فوجئت كثيراً بصراحتهما- لقد جئنا لنراك ولدينا سؤال واحد: كيف يمكن إجراء التغييرات اللازمة على الدستور للسماح للرئيس بالبقاء في السلطة؟".
وجادل الروسيان، أحدهما يفغيني ميغونوف، السكرتير الثاني في السفارة الروسية في بانغي، بأنَّ زعيم جمهورية إفريقيا الوسطى المدعوم من روسيا، فاوستين أرشانج تواديرا، الذي يقيده دستور البلاد بفترتين في السلطة، كان الرجل الوحيد القادر على حفظ استقرار أمة مزقتها قرابة 20 عاماً من القتال. ومن أجل مستقبل جمهورية إفريقيا الوسطى، اقترح الروس أن يظل تواديرا رئيساً.
وأضافت دارلان (72 عاماً): "كرر الروس أنَّ الرئيس تواديرا هو الوحيد الذي يمكنه تحقيق الاستقرار هنا. وأوضحت لهما، بدوري، أنه بموجب دستورنا لم يكن من الممكن تمديد فترة الرئاسة إلى ولاية ثالثة. وذكرت لهما أيضاً أنه كانت هناك 4 انقلابات في تاريخنا الحديث تتعلق برؤساء أرادوا البقاء في السلطة. إنَّ إساءة استخدام السلطة هنا مصدر لعدم الاستقرار وليس الاستقرار".
استمر الاجتماع ما يزيد قليلاً عن 30 دقيقة. ثم غادر الدبلوماسيان الروسيان قائلين إنهما سيناقشان الأمر مع تواديرا.
إقالة رئيس المحكمة الدستورية
وبعد 7 أشهر، أُقيلَت دارلان من منصبها بمرسوم رئاسي بسبب معارضتها للإصلاح. ومنذ ذلك الحين، تحرس منزلها فرق من قوات الأمم المتحدة، بينما تتسارع خطوات تغيير الدستور.
وتابعت دارلان، التي منحها البيت الأبيض لقب "المرأة الشجاعة الدولية" قبل شهرين لجهودها في الدفاع عن الدستور: "لا أعرف بالضبط من صاحب فكرة تغيير الدستور، الرئيس أم الروس. كل ما أعرفه هو أنَّ الروس يدعمون الخطة بالكامل".
في حين أنَّ الصراع الدموي لأوكرانيا لتجنب الاستسلام يشغل اهتمام الغرب، فإنَّ زحف النفوذ الروسي وتغلغل سيادتها في إفريقيا كان أنجح؛ لكنه لم يلفت الانتباه الكافي.
نفوذ فاغنر
لا يوجد مكان تتطور فيه حملة موسكو أكثر من جمهورية إفريقيا الوسطى. إذ بعد 5 سنوات من موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على طلب قدمه تواديرا في عام 2018 للحصول على أسلحة ومستشارين روس للمساعدة في دحر مجموعة من القوات المتمردة التي تهدد باجتياح العاصمة، قادت مجموعة فاغنر عملية روسية اخترقت كل ولاية في جمهورية إفريقيا الوسطى، واستطاعت كذلك كسب دعم شرائح من السكان الذين أنهكتهم الحرب.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ عمليات فاغنر في ساحة المعركة في إفريقيا الوسطى أكثر تعقيداً من حيث النطاق عن مثيلتها في أوكرانيا، إذ يدير الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى مزيجاً يجمع بين النفوذ والعمليات العسكرية مع الأعمال التجارية، ويمولون أنفسهم من خلال امتيازات الحصول على الذهب والألماس والأخشاب.
وإذا نجحت الخطوة المدعومة من روسيا لتعديل دستور جمهورية إفريقيا الوسطى، بموجب استفتاء، لإطالة حكم تواديرا، فستكون علامة بارزة في الاستيلاء على البلاد، وتوطيد جمهورية إفريقيا الوسطى كنقطة انطلاق يمكن من خلالها توسيع نموذج فاغنر إلى أماكن أخرى.
ومع ذلك، قالت دارلان: "إذا مُرِر الاستفتاء وأُيّد تعديل الدستور، فسيزداد الوضع صعوبة وقسوة على من هم في السلطة. عليك فقط النظر إلى تاريخنا؛ إذ غالباً ما تؤدي إساءة استخدام السلطة إلى حدوث انقلابات. ومهما قالوا عكس ذلك، فإن أية تعديلات على الدستور في مسألة فترة رئاسية أخرى سيكون، وفقاً للمادة 153 من الدستور، جريمة خيانة، وسوف تعقبها متاعب".