يبذل معارضو حزب الله اللبناني جهوداً للتوحد ضد محاولة الأخير إيصال مرشحه سليمان فرنجية للرئاسة، آخرها سعيهم للاتفاق مع التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل على "مرشح توافق" لقطع الطريق على مرشح حزب الله، في حين يحاول الأخير كذلك تحريك المياه الراكدة بينه وبين باسيل أيضاً، قبل اجتماع خماسي دولي في الدوحة يهدف لحلحلة الأزمة السياسية في لبنان.
يُطلق في لبنان على المرشح الذي تتوافق عليه معظم القوى السياسية اسم "مرشح توافق"، مقابل ما يدعى بـ"مرشح تحدي" وهو الذي تحاول أن تفرضه قوى سياسية كمرشح وحيد للرئاسة أو يكون البديل عنه استمرار الشغور الرئاسي.
لا يزال منصب الرئيس اللبناني شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلى اليوم، دون توصل القوى السياسية إلى توافق على خليفته، في حين تجدر الإشارة إلى أن البرلمان في لبنان من يقوم باختيار الرئيس بشرط حصوله على غالبية الثلثين من الأصوات في الدورة الأولى والغالبية المطلقة في الدورات التالية، وليس بالاقتراع المباشر من الشعب.
تحركات داخلية وخارجية كثيفة
مطلعون على مستجدات الملف الرئاسي، باتوا يربطون بشكل كبير بين مجموعة مسارات، أهمها الوساطة التي يقودها رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، بين حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع من جهة والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل من جهة أخرى، للاتفاق على تسمية مرشح تحمله الكتل المسيحية الأساسية وقوى المعارضة وجزء من نواب السُّنة من خصوم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (مرشح حزب الله) إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، حين يتم الدعوة إليها.
أما خارجياً، فالمسار الأبرز، بحسب مصادر "عربي بوست"، كانت جولات السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على المرجعيات السياسية والكتل البرلمانية، ما اعتبر أنه تأكيد على الموقف السعودي الرافض لوصول حليف حزب الله/النظام السوري (سليمان فرنجية) إلى الرئاسة بشكل واضح.
سبق هذا الحراك جولة الموفد الخاص لدولة قطر جاسم آل ثاني، الذي التقى الكتل السياسية والبرلمانية، وحمل معه ورقة مشتركة مع الولايات المتحدة والسعودية.
في التوازي مع ذلك، كان لافتاً ما أعلنه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد في منتصف يونيو/حزيران 2023؛ ما أثار موجة من التساؤلات والتكهنات حيال الخلفية الحقيقية لهذا الموعد.
أوساط سياسية داخلية وخارجية تحدث معها "عربي بوست"، ربطت ذلك بالضغوط والرسائل الحازمة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام عبر بيان صادر عن خارجيتها، حول ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل شغور موقع حاكمية مصرف لبنان، كي لا يدخل البلد في الفوضى العارمة، مع تلويح بعقوبات قاسية قد تحصل.
ما هي القوى المعارضة لحزب الله؟
بالتوازي مع الحركة الناشطة للسفراء والموفدين، فقد تلقت قوى المعارضة رسائل مباشرة وعبر قنوات دبلوماسية من مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، أنّ الاستحقاق الرئاسي مع دخول الشغور شهره الثامن يجب أن يشهد خطوات جديدة، وأن تسمّي المعارضة مرشّحها الرئاسي.
هذا ما أكدت عليه مصادر "عربي بوست"، مشيرة إلى أنه من هذا المنطلق يقود رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل جهوداً متقدمة مع القوى السياسية المعارضة لحزب الله، وهي الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، بالإضافة لتكتل نواب التغيير ونواب مستقلين من السنة والمسيحيين، بهدف الوصول إلى اتفاق واضح حيال الرئاسة، والاسم الذي سيجمع الأطراف كلها كمرشح توافقي.
إلى جانب ذلك، يقود الجميل جهوداً أخرى مع جبران باسيل للاتفاق على انضمامه الى الخيار الرئاسي الموحد.
جهود لمعارضي حزب الله للتوحد
تشير مصادر لـ"عربي بوست" من هذا المعسكر المعارض لحزب الله، إلى أن باسيل اقترح على الوسطاء مجموعة أسماء، أبرزها وزير الداخلية السابق زياد بارود، ووزير المالية السابق ومدير صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط جهاد أزعور، فيما طرحت المعارضة على باسيل تسمية قائد الجيش جوزيف عون أو الوزير السابق صلاح حنين.
رجّحت المصادر أن أزعور يعد اسماً مقبولاً بالنسبة لمعارضي حزب الله، وذلك انطلاقاً من موقعه الدولي وعلاقاته الخارجية مع الغرب، ونظراً إلى كونه من خلفية سياسية عملت في الاقتصاد، وبسبب عدم استفزازه لأي من الأطراف السياسية بخطابات أو مواقف سياسية سابقة.
كذلك فإن أزعور على علاقة جيدة مع وليد جنبلاط، وبري، وكان قد التقى بحزب الله سابقاً، كما أنه لن يكون عنصراً لتشكيل أي تهديد على القوى المسيحية التي ستحافظ على توازناتها الحكومية والمؤسساتية، بحسب المصادر ذاتها.
أما وزير الداخلية السابق زياد بارود، فيلقى معارضة من حزب القوات اللبنانية وبعض النواب السنة، لا سيما أن اسمه طُرح سابقاً من جبران باسيل وكان متحالفاً مع التيار الوطني الحرّ في الانتخابات البرلمانية عام 2018.
حزب الله يتواصل مع باسيل أيضاً
موقف باسيل المعلن أنه لن يقبل بفرنجية، لكنه في الوقت ذاته لن يرشح شخصية لا تحظى بالتوافق حتى من حزب الله، وانطلاقاً من هذا الموقف أعيد تحريك المياه الراكدة بين باسيل والحزب، وفقاً لمصادر من التيار الوطني الحر الذي يرأسه باسيل في تصريحات لـ"عربي بوست".
المصادر من التيار الوطني الحر قالت إن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا، سيلتقي باسيل خلال اليومين المقبلين للاطلاع على موقفه الجديد من الملف الرئاسي.
أشار المصدر أيضاً إلى أن الحزب بات مقتنعاً بأن باسيل وافق على التواصل بُغية تبادل الآراء حول ما حققته المشاورات الأخيرة، لا سيما منها تلك المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، وهو يحمل مجموعة من الأسئلة والأجوبة تجاه ما انتهت إليه الوساطات الخارجية، لا سيما منها الاقتراحات السعودية التي حملها السفير البخاري في الأيام الأخيرة الماضية، إضافة لزيارة الموفد القطري.
لفتت المصادر إلى أنه سيكون من الطبيعي أن يتناول اللقاء، بالإضافة الى الاستحقاق الرئاسي، ملفات مالية تتعلق ببعض القرارات المطروحة، لا سيما منها مصير حاكمية مصرف لبنان والمقترحات المتبادلة في شأن تسمية حاكم جديد، وآلية التعيين، خصوصاً أن موقف "حزب الله" الأخير الذي عبّر عنه أمينه العام حسن نصر الله يُمكن أن يطوي موضوع مشروع تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي إلى وقت لاحق، إلى ما بعد انتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة جديدة، في حال أيّدَته القوى الأخرى في ذلك، وكان لذلك قبول بالنسبة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
"اجتماع خماسي" دولي في الدوحة
فيما تستمر الاتصالات بين الدول في سبيل تحديد موعد لعقد اجتماع خماسي دولي جديد، حصل "عربي بوست" على معلومات تؤكد أن الدوحة ستستضيف هذا الاجتماع، على أن يكون في أواخر الشهر الحالي.
يضم الاجتماع الخماسي إلى جانب قطر، ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، والسعودية ومصر.
أشار مصدر دبلوماسي عربي إلى أن التحضير لهذا الاجتماع يعني أنه سيكون قادراً على تحقيق تقدم في الملف الرئاسي اللبناني، خاصة أن الموفد الذي زار بيروت منذ أيام والتقى كل الأطراف استطاع تحقيق "اختراق سياسي مع أطراف عدة حول الأسماء والمواصفات"، وفق قوله.
بحسب المصدر ذاته، فإن هذا الاجتماع ستسبقه مقررات القمة العربية ونتائج الاجتماع السعودي- السوري، خصوصاً أن المسؤول عن الوفد القطري كان قد تولى ترتيب التفاصيل كافة التي أدت إلى إنجاح اتفاق الدوحة عام 2008.
أفاد المصدر أيضاً بأن "موقف واشنطن مهم، والذي لا يمكن أن ينفصل عن الدور الذي تضطلع به قطر من خلال جولات الاستطلاع التي قامت بها، وذلك تحضيراً لتكوين رؤية واضحة حول الواقع اللبناني. وذلك بالنظر لقدرة القطريين على التواصل مع كل الأطراف السياسية، خاصة أن لديها قدرة على لعب دور أساسي يتقدّم على الآخرين بكونها قادرة على النقاش مع الحزب وباسيل، والأمر ذاته بالنسبة للقوى الأخرى؛ مثل القوات وجنبلاط والتغييرين".
ولم يتسنّ الحصول على تعليق قطري رسمي بشأن هذه المعلومات حتى الآن.