أصدر المحقق الخاص، الذي عيّنته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تقريراً شديد الانتقاد لطريقة تعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي مع المزاعم التي ربطت ترامب بروسيا عام 2016، وكتب التقرير بذلك نهاية عملٍ دام لأربع سنوات، الإثنين 15 مايو/أيار 2023، بعد خسارة المحقق الخاص لقضيتين جنائيتين رفعهما في المحكمة، حسب ما نشرته صحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
إذ أكّد المدعى العام الفيدرالي السابق لولاية كونيتيكت جون دورهام على انتقاداته السابقة في تقريره المكون من 306 صفحات؛ حيث سبق أن حمّل مكتب التحقيق الفيدرالي مسؤولية ارتكاب الأخطاء في عدد من النقاط.
وقال إن المكتب تحرك سريعاً لتعقب معلومة غامضة حول اتصالات محتملة بين مساعد في حملة ترامب وبين السلطات الروسية، وذلك في يوليو/تموز عام 2016، على الرغم من أن المكتب لم تكن لديه أي معلومات تؤكد وجود اتصال من هذا القبيل في ملفاته بحسب التقرير. ويُذكر أن المفتش العام بوزارة العدل قد عثر على عيوب مشابهة في تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2019، لكنه توصّل إلى أن فتح التحقيق كان أمراً مبرراً.
انتقادات لتقرير مكتب التحقيقات الفدرالي
وخلص التقرير إلى أن المكتب كان حذراً ومتشككاً في تعامله مع مزاعم التأثير الأجنبي على حملة هيلاري كلينتون، وذلك بدرجةٍ أكبر من حذره وتشككه في المزاعم المرتبطة بحملة ترامب.
إذ ذكر التقرير أن المكتب لم يسع بقوة لملاحقة الأدلة في واقعتين شهدتا تخطيط حكومات أجنبية -حسب المزاعم- للمساهمة في حملة هيلاري الرئاسية من أجل كسب النفوذ؛ فضلاً عن أن سرعة فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي لتحقيق في حملة ترامب "بناءً على معلومات استخباراتية أوّلية، وغير مُحللة، وغير مؤكدة هو أمر يعكس اختلافاً واضحاً عن نهج تعامل المكتب" مع تلك المزاعم الأخرى بحسب التقرير. وأوضح التقرير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قدّم إحاطات استخباراتية لحملة هيلاري، في نهجٍ قال التقرير إنه تعارض مع انعدام الإحاطات المقدمة لحملة ترامب.
كما خلص التقرير إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يحلل المعلومات التي تلقاها بعناية، وخاصةً تلك المعلومات التي وصلته من شخصيات ومجموعات ذات انتماءات سياسية؛ مما أطال أمد التحقيق وتسبب في تعيين المحقق الخاص روبرت مولر. وقال دورهام إن مكتب التحقيقات اعتمد بدرجةٍ مفرطة على معلومات التحقيقات التي وصلته من خصوم ترامب السياسيين.
بينما تلقى المدعى العام ميريك غارلاند التقرير بعد ظهر يوم الجمعة، 12 مايو/أيار، وقدمه إلى الكونغرس دون تعديلات. وذكر غارلاند ذلك في خطابه إلى المشرعين، دون أن يدلي برأيه الخاص حول تلك النتائج.
ولم يوصِ دورهام بأي تعديلات سياسية كبيرة في تقريره الذي قال إنه مبنيّ على أكثر من 480 مقابلة، ومراجعة أكثر من 6 ملايين صفحة وثائق، و190 مذكرة استدعاء، وغيرها من الإجراءات القانونية. كما قال إن التقرير مصمم لمساعدة قيادة الوزارة في تحديد آلية تُتيح لمكتب التحقيقات الفيدرالي "العمل بصورةٍ أفضل وأكثر موثوقية"، وذلك عند الاستجابة للاتهامات المدفوعة سياسياً في المستقبل.
ويُذكر أن ترامب تنبّأ من قبل بأن تحقيق دورهام سيكشف الستار عن "جريمة القرن"، وهي مؤامرة من مسؤولي الاستخبارات وتطبيق القانون لتقويض حملته الرئاسية لعام 2016. لكن نتائج التحقيق جاءت أقل من تلك التوقعات بكثير، حيث قال التقرير: "خلصنا إلى أن الوزارة ومكتب التحقيقات الفيدرالي أخفقا في الوفاء بمهمتهما الضرورية، التي تتمثل في الإخلاص الصارم للقانون".
وكان دورهام قد حصل على إقرارٍ واحد بالذنب في عام 2020 من محامي مكتب التحقيقات الفيدرالي، كيفين كلينسميث، الذي اعترف بتعديل رسالة بريد إلكتروني لمذكرة تطلب موافقة المحكمة على مراقبة أحد مستشاري السياسة الخارجية السابقين لترامب. وقد حُكِمَ على السيد كلينسميث بقضاء عامٍ تحت المراقبة القضائية.
وفي التقرير، قال دورهام إن عدة عوامل كانت السبب وراء خسارتيه القضائيتين، ومنها الأحكام الصادرة قبل المحاكمة لتقييد الأدلة التي يمكنه تقديمها. وقال كذلك إن "هيئات المحلفين عموماً قد تدخل قاعة المحكمة بوجهات نظر مسبقة قوية خلال القضايا الجنائية المرتبطة بمواضيع سياسية"، وهو الأمر الذي قد يؤثر على نتيجة المحاكمة أكثر من الأدلة.
بينما كتب ترامب على منصته الاجتماعية الخاصة Truth Social: "واو! بعد بحثٍ مكثف، خلص المحقق الخاص جون دورهام إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ما كان ينبغي له أن يفتح تحقيق ترامب-روسيا من الأساس! ويُمكن القول بعبارةٍ أخرى إن الشعب الأمريكي قد تم خداعه، كما يجري خداعه الآن على يد هؤلاء الذين لا يريدون تحقيق العظمة لأمريكا!".
وفي تقريره، سلّط دورهام الضوء على تحليل استخباراتي روسي مزعوم ادعى أن هيلاري كانت تخطط "لتشويه سمعة دونالد ترامب، عن طريق إثارة فضيحة تزعم وجود تدخل من الأجهزة الأمنية الروسية". وأوضح التقرير أن مكتب التحقيقات كان بإمكانه استخدام ذلك التحليل للتعامل بتشكيك أكبر مع المعلومات التي ربطت حملة ترامب بروسيا. وعندما أجرى المحققون مقابلةً مع هيلاري للحديث عن الموضوع، أفاد التقرير بأنها قالت إن الأمر "يبدو أشبه بحملات التضليل الروسية، لكنني أتفهم أن عليكم ملاحقة كل معلومةٍ تصلكم".
يُذكر أن دورهام اتهم -في محاكمتين عام 2022- أفراداً من حملة هيلاري لانتخابات 2016 بتقديم معلومات مضللة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك في محاولة لدفع المكتب إلى التحقيق في المزاعم التي تربط ترامب بروسيا.