حذّر رواد أعمال مصريون من أن الغموض الذي يُخيّم على سعر الصرف يخنق الأعمال التجارية، ويعيق قدرتهم على التخطيط والاستثمار، بالتزامن مع تعرُّض البلاد لأسوأ أزمة عملات أجنبية تمر بها منذ سنوات، حسب ما ذكرته صحيفة Financial Times البريطانية الثلاثاء 15 مايو/أيار 2023.
إذ أدت سلسلة عمليات تخفيض قيمة العملة منذ مارس/آذار العام الماضي إلى خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بمقدار النصف، لكنها فشلت في تعزيز تدفقات النقد الأجنبي على البلاد رغم ذلك. ومن المتوقع خفض قيمة الجنيه مرةً أخرى بحسب تصريحات خبراء الاقتصاد وقادة الأعمال. وفي الوقت ذاته، أدى نقص الدولارات إلى ظهور سوق سوداء للعملة الأجنبية.
أزمة العملات الأجنبية في مصر
حيث قال أدهم نديم، الذي يرأس شركة Nadim Group العائلية لتصنيع الأثاث، إنه يواجه مشكلات في استيراد مدخلات التصنيع الضرورية كالمفصلات والإكسسوارات والدهانات.
كما أردف قائلاً: "إذا كنت أخطط للشراء في غضون شهرين مثلاً، فسيعطيني الجميع أسعاراً تخمينية بناءً على توقعهم لسعر الدولار في السوق السوداء مستقبلاً. وستصبح المشكلة أكبر إذا كان المشروع يمتد لستة أو 10 أشهر".
بينما تحدّث المستثمر المصري الرائد في السياحة والعقارات سميح ساويرس إلى قناة العربية السعودية الشهر الجاري، قائلاً إن وضع سعر الصرف يُثنيه عن مواصلة الاستثمار في مصر.
فيما زادت أزمة العملة من الضغوط المفروضة على القطاع الخاص، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع معدل التضخم بعد بلوغه 31.5% في أبريل/نيسان، فضلاً عن وصول سعر الفائدة إلى 19%.
كما صرّح مصرفي مصري بارز لصحيفة Financial Times البريطانية قائلاً إن هناك الكثير من النقد الأجنبي في البلاد، سواء من السياحة أو المصادر الأخرى، لكن الناس يحتفظون بالدولارات لأنهم يتوقعون بيعها بقيمةٍ أكبر بعد التعويم المقبل.
يُذكر أن مصر اتفقت على حزمة قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول، ووافقت القاهرة بموجب الاتفاق على الانتقال إلى نظام سعر الصرف المرن وتقليل بصمة الدولة في الاقتصاد. وخرج الصندوق مؤخراً ليقول إن مصر "جادة" بشأن إجراء التغيير.
تحكم الدولة في قيمة الجنيه المصري
الحكومات المصرية لطالما كانت مترددةً في السماح لقوى السوق بتحديد قيمة الجنيه، وتفضل توظيف موارد النقد الأجنبي لدعم قيمة العملة المحلية والحفاظ على استقرارها مقابل الدولار. ويتمثل الهدف من ذلك في تجنب صدمات التضخم، التي تنتج عن الهبوط الحاد في قيمة العملة المحلية.
حيث أقر تقرير مصرف Goldman Sachs في الشهر الجاري بالمعضلة التي تواجهها القاهرة. حيث جادل بأن المكاسب قصيرة الأجل لخفض قيمة العملة "ليست واضحة" على صعيد زيادة الصادرات وتدفقات رأس المال. حيث ستعتمد المكاسب على تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الأوسع، ناهيك عن وجود تهديد "بمفاقمة ضغوط التضخم المرتفعة بالفعل".
لكن التقرير ذكر أن ارتفاع أسعار السوق الموازي سيُسفر عن "تشوهات اقتصادية غير مستدامة ستجعل الخفض الدوري لقيمة الجنيه أكثر أرجحية على المدى المتوسط، بغض النظر عن انتقال السلطات لنظام سعر الصرف المرن كلياً من عدمه".
يقول خبراء الاقتصاد إن البنك المركزي أراد بناء احتياطي من العملات الأجنبية قبل الانتقال إلى سعر الصرف المرن. حيث كشفت الحكومة في فبراير/شباط عن قائمة تضم 32 شركة حكومية تخطط لبيعها، لتفتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص عبر بيع حصص الأقلية بشكلٍ أساسي. وتُعَدُّ دول الخليج الغنية بالنفط السوق الرئيسي المستهدف لحملة الخصخصة المذكورة.
لكن التقارير أفادت بأن ذلك البرنامج لا يزال معلقاً، في ظل الخلافات حول سعر الصرف المستخدم في تقييم الأصول المصرية، وكذلك الحجم الصغير للعديد من الحصص المعروضة التي لن تمنح المشترين سيطرةً إدارية.
بينما يقول خبراء الاقتصاد إن السبيل الرئيسي لحل هذه الأزمة على المدى البعيد يتمثل في زيادة الصادرات. حيث أوضحت هايكه هارمغارت، المديرة الإدارية لمنطقة جنوب وشرق المتوسط في البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية: "يحتاج البلد إلى الانتقال لنموذج قائم على التصدير حتى يحصل على عائدات مستدامة بالعملة الأجنبية. ومن أجل حدوث ذلك، يجب أن يحصل القطاع الخاص على مساحة أكبر للتنفس والنمو".
حيث أعرب نديم عن اتفاقه مع الرأي القائل إن التركيز يجب أن ينصب على الصناعة لتعزيز الصادرات وخلق الوظائف. وقال: "لم تكن الصناعة أولوية. ونحن نواجه أصعب فترة تمر علينا منذ بدء عملياتنا قبل 45 عاماً. إذ نقف اليوم في مواجهة ضبابٍ كثيف".