نقلت وكالة رويترز عن مصادر عدة تنتمي لطرفي الصراع في السودان، تفاصيل جديدة للساعات الأولى من اقتحام قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، لمقر قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان داخل قيادة القوات المسلحة السودانية، ومدى اقتراب "الدعم السريع" من إزاحة البرهان عن منصبه، أو التعرض للاغتيال في الأيام الأولى للقتال، الذي اندلع يوم 15 أبريل/نيسان 2023، بجانب تكتيك السيطرة على أجزاء من العاصمة.
إذ قال أحد حراس البرهان الشخصيين لوكالة Reuters الأربعاء 10 مايو/أيار 2023، إنه عقب اقتحام قوات الدعم السريع لمقر القيادة العامة، حمل البرهان رشاش كلاشنيكوف وفتح النار بنفسه على المهاجمين، قبل أن يسحبه الأمن إلى مكان آمن.
وذكر الحارس، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن أكثر من 30 حارساً من حرس البرهان قد قتلوا في المعركة التي تلت ذلك، قبل انسحاب مقاتلي قوات الدعم السريع من مقر إقامة قائد الجيش في العاصمة.
فيما قالت مصادر أخرى، إنه لما اندلع الصراع في الخرطوم قبل شهر تقريباً، وصارت القوات المسلحة السودانية وأسلحتها الثقيلة في مواجهة قوات الدعم السريع التي نشأت من بيئة صحراوية سريعة الحركة ولكنها مسلحة بأسلحة خفيفة، بدا كأن الأمر سيكون قتالاً من جانب واحد.
لكن قائد الجيش، سرعان ما وجد أن القوتين الجوية والمدفعية وحدهما غير كافيتين لإيقاف قوات خصمه، التي تمكنت من اقتحام مقر إقامة البرهان في قلب مقر قيادة الجيش، خلال الساعات الأولى من الصراع الذي اندلع في الساعات الأولى من يوم 15 أبريل/نيسان، وفقاً للمصادر.
ولم يتسنَّ لـ"رويترز" الوصول إلى ممثلين عن الجيش وقوات الدعم السريع للتعليق على هذه الأخبار بشأن أحداث المقر الرئاسي، ولا ما ورد بشأن خطط الجانبين.
تكتيك "حميدتي" في القتال
وسلطت الوكالة الضوء في تقريرها على التكتيك المفضل لخصم البرهان، الجنرال حميدتي، وهو القتال من مسافة قريبة، واستغلال مكامن القوة التي تتميز بها قوات الدعم السريع.
ووفقاً للتقرير فإنه بعد قرابة شهر من بدء القتال، وعلى الرغم من الضربات الجوية شبه اليومية، لم يتمكن الجيش من طرد قوات الدعم السريع من العاصمة، فقد اتخذ رجالها مواقع لهم في مناطق سكنية وفي المقرات التابعة لعدة مؤسسات رئيسية.
على مدار العقد الماضي، تنامت قوات الدعم السريع لتتحول من قوة رثّة الحال من مقاتلي الصحراء إلى ما يكاد يكون جيشاً موازياً له قواعد في العاصمة -وإن تخلوا عنها بسرعة عند بدء القتال-، ولديه إمدادات كافية لإجبار البرهان على إجراء محادثات بلا أملٍ حقيقي في بلوغ انتصار سريع.
جيش موازٍ
دفع الصراع السودانيين العاديين -الذين نزحت أعداد كبيرة منهم إلى خارج العاصمة، ولجأ بعضهم للأصدقاء والعائلة في المناطق الريفية، بينما عبر آخرون الحدود إلى الدول المجاورة- إلى التساؤل عن كيفية السماح لهذه القوات المنافسة للجيش بالتحول إلى حقيقة واقعة على مدى السنوات العديدة الماضية.
تحدثت وكالة Reuters إلى حسين أحمد، المواطن السوداني الذي كان واقفاً في طابور طويل أمام أحد المخابز، فقال مستنكراً: "لماذا ترك الجيش حميدتي يصبح جيشاً موازياً ويهدد عامة الناس.. أين كان قادة الجيش؟".
تسعى قوات الدعم السريع إلى استدراج الجيش إلى حرب المدن، التي يتوقع أن يكون لمركباتهم المسلحة تسليح خفيف فرصة أفضل فيها ضد دبابات الجيش وطائراته الحربية.
إذ قال أحد جنود قوات الدعم السريع عند نقطة تفتيش في الخرطوم: "نريد أن يقاتلنا البرهان وقواته وجهاً لوجه، وليس بالضربات الجوية والطائرات المسيرة.. عليهم أن يتحلوا بالشجاعة".
اللجوء إلى المنازل
في غضون ذلك، انتشر مقاتلو قوات الدعم السريع من قواعدهم في العاصمة، التي تتعرض للضربات الجوية، ولجأوا إلى منازل طردوا سكانها منها. ويقول بعض السكان إنهم يوقفون سياراتهم بالقرب من المنازل للحيلولة دون استهداف الجيش لها بالضربات الجوية.
وفي حين أن حميدتي لديه عشرات الآلاف من القوات في الخرطوم، فإن قوات البرهان الأكبر عدداً منتشرة في جميع أنحاء البلاد ونادراً ما تنتشر في العاصمة، مما يعطي خصومهم الفرصة للتمركز واتخاذ مواقع دفاعية.
احتل رجال حميدتي مباني حكومية، منها مقر وزارة الداخلية ومراكز الشرطة، واستولوا على إمدادات كبيرة من الوقود من مصفاة النفط بالعاصمة، وكذلك البنوك. ونشرت قوات الدعم السريع قناصة على أسطح المنازل. واستولى آخرون على منازل في إحدى المناطق الراقية.
ولتشديد السيطرة على الخرطوم، أقامت قوات الدعم السريع كمائن تفتيش في جميع أنحاء المدينة، يتفحصون فيها بطاقات الهوية ويفتشون السيارات والأمتعة.
إذ قال سكان إن مقاتلي قوات الدعم السريع يفتحون الهواتف المحمولة للبحث عن أي تواصل لصاحب الهاتف مع الجيش. واتهم سكان العاصمة رجال الدعم السريع بممارسة النهب، لكن القوات أنكرت ذلك.
حرب استنزاف
إلى ذلك، قالت مصادر مقربة من حميدتي، إن حميدتي يعوِّل على حرب استنزاف طويلة تُتيح له الفرصة كي يصبح زعيماً سياسياً من خلال المفاوضات.
وأسفرت المعارك منذ منتصف أبريل/نيسان عن مقتل ما لا يقل عن 500 شخص وإصابة الآلاف وتعطيل إمدادات المساعدات، ودفع 100 ألف لاجئ للفرار إلى خارج البلاد، وتحويل المناطق السكنية بالخرطوم إلى مناطق حرب.
تعهد حميدتي بالقبض على البرهان أو قتله، وانتهك الجانبان أكثر من هدنة لوقف إطلاق النار.
لم تتمكن وكالة Reuters من تحديد المكان الذي استقر فيه حميدتي حالياً، ولم يُعرف إذا ما كان البرهان لا يزال يستخدم مقرات الجيش قاعدةً لعملياته. ولم يكشف أي من الجانبين عن عدد القتلى من مقاتليهما.