تشهد بريطانيا، السبت 6 مايو/أيار 2023، حدثاً تاريخياً، حيث سيتوج الملك تشارلز الثالث ملكاً على بريطانيا، في حفل يشارك فيه أفراد العائلة الملكية باستثناء ميغان ماركل، وحشود من بريطانيا وشتى أنحاء العالم توافدت على لندن لمتابعة الحفل، في أكبر احتفال رسمي تشهده البلاد منذ 70 عاماً، وضمن مراسم تتسم بالأبهة والفخامة، ويعود تاريخها إلى ألف عام.
وسيفتتح هذا اليوم التاريخي بـ"موكب الملك"، الذي سيتوجه إلى ويستمنستر من قصر باكنغهام، في عربة ستسير حوالي كيلومترين. ومن المقرر أن يبدأ الاحتفال عند الساعة 11,00 (10,00 ت غ)، ويستمر نحو ساعة، تحت إشراف كبير أساقفة كانتربري جاستن ويلبي، الزعيم الروحي للكنيسة الأنغليكانية، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ومن المزمع أن يعكس الاحتفال، الذي ستتخلله موسيقى كلاسيكية ومؤلفات موسيقية أكثر حداثة، "دور الملك اليوم والتطلع إلى المستقبل، مع التجذر في التقاليد والعظمة التاريخية"، بحسب ما أفاد القصر.
وتولى تشارلز حُكم بريطانيا خلفاً لوالدته الملكة إليزابيث، عقب وفاتها في سبتمبر/أيلول، وسيصبح في سن الرابعة والسبعين أكبر ملك بريطاني يضع على رأسه تاج سانت إدوارد، المصنوع قبل 360 عاماً، عندما يجلس على كرسي العرش الذي يعود إلى القرن الرابع عشر في كنيسة وستمنستر في لندن.
وتحت أنظار نحو مئة من رؤساء الدول وكبار الشخصيات، ومنهم السيدة الأمريكية الأولى جيل بايدن، سيُتوج تشارلز على غرار 40 من أسلافه في كنيسة وستمنستر، التي شهدت جميع مراسم التتويج بالبلاد، منذ وليام الفاتح في عام 1066، كما ستتوج زوجته الثانية كاميلا (75 عاماً) ملكة قرينة خلال المراسم التي تستمر ساعتين.
ورغم أن المراسم تضرب بجذورها في التاريخ، فإن القائمين عليها سيحاولون تقديم صورة لنظامٍ ملكي وأُمة يتطلعان إلى المستقبل.
إذ قال رئيس الوزراء ريشي سوناك "لا يمكن لأي دولة أخرى أن تقدم مثل هذا العرض المبهر، المواكب والاحتفالات والمهرجانات في الشوارع، إنه تعبير عن الفخر بتاريخنا وثقافتنا وتقاليدنا، دليل حي على الطابع الحديث لبلدنا وطقوس نعتز بها، تولد من رحمها حقبة جديدة".
ورغم حماسة سوناك فإن التتويج سيجري وسط أزمة غلاء وتشكيك شعبي في دور الملكية وأهميتها، خاصةً في أوساط الشبان.
وستكون المراسم على نطاق أصغر من تلك التي أقيمت لتتويج الملكة الراحلة إليزابيث في عام 1953، لكنها ستهدف مع ذلك إلى أن تكون مبهرة، حيث ستضم مجموعة من الرموز التاريخية من كرات ذهبية وسيوف مرصعة بالجواهر، إلى صولجان يحمل أكبر قطعة ألماس مقطوعة وعديمة اللون في العالم.
وبدأ عشرات الآلاف منذ الصباح الباكر في التدفق على ذا مول، وهو طريق واسع كبير يؤدي إلى قصر بكنغهام، بينما مر أمامهم جنود بالملابس الرسمية وفرق موسيقية عسكرية.
وجاءت راشيل بيزلي، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 45 عاماً، من منزلها في سويسرا مع زوجها وطفليها.
وقالت بينما كانت واقفة بجوار ابنها الذي ارتدى قناعاً لوجه تشارلز، وابنتها التي كانت تضع عصابة رأس بألوان العلم البريطاني "إنها لحظة تاريخية، أردنا أن نكون هنا لنشهدها ونخلق بعض الذكريات".
وبعد المراسم الكنسية، سيغادر تشارلز وكاميلا في العربة الملكية الذهبية، البالغ وزنها أربعة أطنان، والتي صممت لجورج الثالث، آخر ملوك المستعمرات البريطانية في الولايات المتحدة، عائدين إلى قصر بكنغهام، في موكب يمتد طوله إلى ميل، ويضم 4 آلاف جندي من 39 دولة بالزي الرسمي الاحتفالي.
وسيكون ذلك أكبر عرض من نوعه في بريطانيا منذ تتويج الملكة إليزابيث.
احتجاجات في حفل التتويج
في بداية المراسم، سيتوجه تشارلز وكاميلا من قصر بكنغهام إلى كنيسة وستمنستر في عربة اليوبيل الماسي الحديثة، ومن المقرر أن تبدأ المراسم الكنسية في الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت غرينتش.
وسيمران بالحشود المبتهجة، وكذلك باحتجاج يقول المناهضون للملكية إنه سيكون أكبر احتجاج من نوعه ينظمه الجمهوريون، وسيكون هناك أكثر من 11 ألف شرطي متأهبين للقضاء على أي محاولة لعرقلة المراسم.
وبعد وصول الملك إلى الكنيسة، سينطلق نشيد "الكاهن الصادق" لهاندل، كما جرت العادة في كل حفل تتويج منذ عام 1727، ولكن ستكون هناك عناصر جديدة، مثل نشيد من تأليف أندرو لويد ويبر، المشهور بعروضه في مسارح وست إند وبرودواي، بالإضافة إلى جوقة إنجيلية.
وسينظم قداس وسيقدم زعماء دينيون تحية "غير مسبوقة"، وسيتولى حفيد تشارلز الأمير جورج وأحفاد كاميلا دور الوصفاء.
ولن يكون هناك دور رسمي لنجل تشارلز الأصغر، الأمير هاري، بعد خلافه الكبير والعلني مع العائلة المالكة، ولا لشقيقه الأمير أندرو، الذي أُجبر على ترك الواجبات الملكية بسبب صداقته مع الممول الأمريكي الراحل جيفري إبستين، المدان بارتكاب جرائم جنسية.
وسيتربع الملك على كرسي سانت إدوارد، وسيؤدي اليمين ليحكم بالعدل ويدعم كنيسة إنجلترا، التي يتولى منصب رئيسها الفخري قبل الجزء الأكثر قداسة من المراسم، عندما يمسح رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي على يديه ورأسه وصدره بالزيت المقدس، الذي تمت مباركته في القدس.
وبعد تقديم رموز ملكية لتشارلز، سيضع ويلبي تاج القديس إدوارد على رأسه، وسط صياح الحضور "حفظ الله الملك"، وبعد ذلك سيقدم ابنه الأكبر ووريثه الأمير وليام التحية راكعاً أمام والده، وواضعاً يديه بين يدي الملك متعهداً بالولاء له.
الولاء للملك تشارلز
وسيدعو رئيس الأساقفة جميع الحاضرين في الكنيسة، وفي جميع أنحاء البلاد لقسم الولاء لتشارلز، وذلك في تقليد جديد يحل محل التكريم الذي كان يؤديه كبار الدوقات.
وبعد العودة إلى قصر بكنغهام، سيظهر أفراد العائلة المالكة في الشرفة كما جرت العادة، بينما تحلق طائرات عسكرية في السماء، وستستمر الاحتفالات غداً الأحد، بإقامة حفلات في الشوارع على مستوى البلاد، وحفل موسيقي في منزل الملك بقلعة وندسور.
وقال أندي ميتشل (63 عاماً)، وهو مدرس ترك منزله في ساعات الصباح الأولى ليأتي إلى لندن "إنه لَأمر رائع أن ترى الجميع متأنقين من أجل المشاركة، إنه شيء يدعو للفخر. أكثر ما يقلقني هو أن يفقد الشبان الشغف بكل هذا، وألا تكون الأمور على هذا المنوال في المستقبل".