على الرغم من أن الكرملين قد أمضى العام الماضي في طمأنة الروس بأن النصر حتمي في الحرب على أوكرانيا، فإنه قد بدأ الآن يكثف جهوده لدفع الناس إلى خفض سقف توقعاتهم بشأن الحرب، واستعان بخطة طوارئ للتخفيف من تأثير الهزيمة المذلة إن وقعت، حسب ما نشره موقع The Daily Beast الأمريكي.
تأتي هذه المزاعم بناءً على ما ورد في دليل توجيهات أعدته الإدارة الرئاسية الروسية حديثاً ووزعته على جيش الدعاية التابع للكرملين، إذ احتوى الدليل على بعض التعليمات المفاجئة، مثل: لا "تقللوا من شأن" الهجوم المضاد الوشيك لأوكرانيا، ولا تنشروا أفكاراً يُفهم منها أن كييف "لم تحسن الاستعداد" لشنِّ هذا الهجوم.
وجاء ذلك في تقرير لمنصة الأخبار الروسية المستقلة Meduza، التي تقول إنها حصلت على نسخة صادرة حديثاً من الدليل، وتحدثت إلى مصادر مقربة من الكرملين حول هذا الموضوع، ونقل الموقع الإخباري الروسي عن المصادر قولها: "إذا لم ينجح الهجوم، فمن الممكن القول: (إن الجيش [الروسي] قد تصدى ببراعة لهجوم من قوات أعلى تجهيزاً من قواتنا)"، ومن ثم يصبح هذا "الانتصار" أكثر إثارة لإعجاب الناس.
روسيا تواجه "الغرب بأكمله"
لكن الأهم من ذلك، بحسب المصادر، هو التعامل مع الهزيمة إن وقعت وتمكَّن الجيش الأوكراني من استعادة الأراضي والانتصار في ساحة المعركة "بمساعدة عسكرية من الولايات المتحدة وأوروبا"، إذ يفترض بالمصادر الروسية أن تقول حينها إن خسائر روسيا كانت متوقعة، لأن قواتها كانت تواجه "الغرب بأكمله"، وقد صمد الجيش الروسي و"نجا بأقل قدر من الخسائر".
أما إذا بدأ أي مواطن روسي في التساؤل عن الأموال الهائلة التي أنفقتها الحكومة على الأراضي الأوكرانية التي هاجمتها وأعلنتها "جزءاً من روسيا" ثم فقدتها في هذه الهزائم، فقد أوصى الدليل التوجيهي بأن يتجنب مسؤولو دعاية الكرملين الحديثَ عن هذا الموضوع.
وبدلاً من ذلك، يجب على خبراء التلميع الإعلامي التابعين للكرملين أن يطلبوا من الأبواق التابعة لهم أن تُنتج المواد الإعلامية وتبث التقارير عما بذلته روسيا في تطوير المدارس ورياض الأطفال والمستشفيات.
وقال مصدر مقرب من الإدارة الرئاسية الروسية: "من الواضح أن روسيا ستواجه مشكلات اقتصادية، وأسباب ذلك معروفة، فالإنفاق على (العملية العسكرية الخاصة) لن يتوقف"، والأموال ستوجَّه إلى "المناطق الجديدة" التي سيطرت عليها روسيا، بدلاً من أراضيها القديمة، ومن ثم سيشعر الناس حتماً بأن الحكومة قد أهملتهم، لذا "من الأفضل ألا يُكشف إلا عن قدر معين من الأموال التي تُنفق على [المناطق الجديدة]".
من جهة أخرى، فإن التوجيهات الجديدة للكرملين تنطوي على تناقض هائل مع ما كانت تروجه منذ عام واحد فقط، لما كان المروجون يتحدثون بلا هوادة عن أن روسيا ستولد من جديد قريباً لتعود قوة عظمى جبارة تسيطر على مساحات شاسعة من أوكرانيا.
في ذلك الوقت، كانت تداعيات الحرب لا تزال بعيدة عن أغلب الروس، أما الآن، فقد تغير ذلك، وصار حتى سكان سانت بطرسبرغ وموسكو مستنفرين لهجمات الطائرات المسيرة الأوكرانية، و"الحمام الأوكراني الحامل للقنابل".
في غضون ذلك، أعلنت بعض المدن الروسية عن إلغاء احتفالاتها المعهودة بيوم النصر في 9 مايو/أيار، بداعي المخاوف الأمنية. وقال حاكم المنطقة الحدودية الشهر الماضي: "لن نقيم استعراضات احتفالية حتى لا نستثير العدو إلى مهاجمة التجمع الكبير من المعدات والأفراد العسكريين في وسط بيلغورود".
والأمر ذاته يسري كذلك على العاصمة موسكو، فقد قررت السلطات أن تتخلى عن الموكب التقليدي للاحتفال بيوم النصر، وورد أنها تخشى أن يرفع بعض الأشخاص صوراً لجنود روس قُتلوا في أوكرانيا، ومن ثم صرف أنظار الناس إلى الخسائر الفادحة التي تتعرض لها روسيا هناك.