كشفت وثائق البنتاغون المسربة أن بكين استأنفت أعمال بناء منشأة عسكرية صينية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، كما حذرت الوثائق من أن "المنشأة" هي "جزء رئيسي" من خطة بكين لإنشاء قاعدة عسكرية في الإمارات، الشريك الأمني لواشنطن، بحسب ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن المنشأة "متصلة على الأرجح بالطاقة والمياه البلدية"، و"تم الانتهاء من بناء محيط مسور لموقع تخزين لوجستي لجيش التحرير الشعبي الصيني"، كما أشارت إلى أن الأنشطة في ميناء بالقرب من أبوظبي من بين العديد من التطورات في الإمارات التي يشارك فيها الجيش الصيني، وتراقبها المخابرات الأمريكية بدافع القلق من أن الإمارات تعزز علاقتها الأمنية مع الصين على حساب المصالح الأمريكية.
كما أثارت مشاهدة أفراد الجيش الصيني حول مواقع بناء حساسة أخرى في الامارات قلق المسؤولين الأمريكيين.
وتقول المستندات المسربة إن المسؤولين العسكريين الصينيين يطلقون على هذه المبادرة اسم "المشروع 141". ويقع ميناء خليفة على بعد أقل من 100 كيلومتر عن قاعدة الظفرة الجوية التي تشغلها القوات الأمريكية.
وتندرج جهود بكين في الإمارات في إطار حملة طموحة من قِبل جيش التحرير الشعبي الصيني، لبناء شبكة عسكرية عالمية تضم ما لا يقل عن خمس قواعد خارجية، وعشرة مواقع دعم لوجستي بحلول عام 2030، بحسب إحدى الوثائق التي تحتوي على خريطة تتضمن المرافق الأخرى المخطط لها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وجميع أنحاء إفريقيا.
تأتي عمليات الكشف في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة والصين، حيث يتنافس البَلَدان على النفوذ والموارد العالمية.
قلق أمريكي من توسع الصين
ويتفاوت القلق بشأن تصرفات الصين في الإمارات بين المسؤولين الأمريكيين، حيث يرى البعض أن النمو الصيني يمكن إدارته، بينما يراه البعض الآخر تهديداً كبيراً يستدعي ضغطاً أكثر قوة من الولايات المتحدة.
فيما قال مسؤول كبير في إدارة بايدن، تحدَّث بشرط عدم الكشف عن هويته: "هناك بعض الأشخاص في الإدارة الذين يعتقدون أن الإمارات قرَّرت بشكل أساسي العمل معنا، لكنني لا أعتقد ذلك"، مضيفاً أن قادة الإمارات "يعتقدون أن الصين مهمة للغاية في الوقت الحالي، وأن أهميتها تتنامى في الشرق الأوسط".
الشرق الأوسط نقطة محورية
وأصبح الشرق الأوسط نقطة محورية، خاصة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، حيث أبرمت بكين صفقات تجارية، وتقيم علاقات سياسية أوثق في منطقة كانت تهيمن عليها الولايات المتحدة سابقاً.
رفض ممثل الإمارات الإجابة عن أسئلة بشأن وثائق الاستخبارات، قائلاً: "سياستنا هي عدم التعليق على المواد خارج السياق، التي يُزعم أنه تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية"، في إشارة إلى اعتقال مكتب التحقيقات الفيدرالي لمشتبه به في قضية التسريب.
وقال ليو بينغيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، إن مخاوف الولايات المتحدة بشأن المنشآت العسكرية الصينية في الخارج ليست في محلها، كما أضاف ليو "من حيث المبدأ، تقوم الصين بتطبيق القانون، والتعاون الأمني مع الدول الأخرى على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة"، مضيفاً: "تدير الولايات المتحدة أكثر من 800 قاعدة عسكرية في الخارج، الأمر الذي تسبب في قلق العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم"، مشيراً إلى "أنها ليست في وضع يسمح لها بانتقاد الدول الأخرى".
يصر المسؤولون الأمريكيون على أنهم لن يسمحوا ببدء تشغيل قاعدة صينية في الإمارات، قائلين إن مثل هذه المنشأة ستعرض الأنشطة العسكرية الأمريكية الحساسة في الشرق الأوسط للخطر، من جانبه قال مسؤول ثانٍ كبير في إدارة بايدن: "الإمارات شريك وثيق، ونحن منخرطون بانتظام مع قيادتها العليا في عدد من الأمور الإقليمية والعالمية". وأضاف هذا الشخص أنه "لا توجد مؤشرات حالية" على أن قاعدة صينية ستكتمل دون زيادة كبيرة في النشاط تمر بدون ملاحظتها.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت الإمارات أنها أوقفت البناء الصيني في تلك المنشأة، بعد أن جادل المسؤولون الأمريكيون وحذروا أبوظبي من أن بكين تعتزم استخدامها لأغراض عسكرية.
فيما قال مسؤولون مطلعون إن إدارة بايدن قلقة أيضاً من ملاحظة وجود أفراد من جيش التحرير الشعبي في قاعدتين عسكريتين في داخل الإمارات، حيث يشغل الحليف العربي طائرات بدون طيار وأنظمة دفاع صاروخية باليستية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الجيش الصيني قد شارك في بناء وتوسيع مهبط للطائرات جنوب الساحل من أبوظبي، رغم أن البعض في واشنطن يؤكدون أن وجود أفراد الجيش في مواقع البناء الصينية لا ينذر بالخطر في حد ذاته، مشيرين إلى وجودهم في مواقع البناء الصينية في البلدان الأخرى، التي ليس لها بصمة عسكرية فيها.
الصين توسّع نشاطات التجسس
من جانبها، قالت كاميل لونز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن توسيع حضور الصين في موانئ العالم يجعل من السهل عليها جمع المعلومات الاستخبارية عن التحركات والأنشطة العسكرية الأمريكية في تلك المناطق.
فيما تقول جاكلين ديل، من معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن إنشاء الصين قاعدة ومنشآت مرتبطة بها في الإمارات سيعقّد قدرة الولايات المتحدة على العمل.
حيث تقع قاعدة الظفرة الجوية، إحدى أكبر القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، على بعد حوالي 50 ميلاً من ميناء خليفة، وأضافت الباحثة: "إذا كانت لدينا قوات في المنطقة ونحاول نقلها أو استخدامها، فسيكون لدى الصين قاعدة يمكن من خلالها المراقبة وربما التدخل"، وسيكون لهم نفوذ أكبر لدى الحكومة المحلية.
يشار إلى أن الصين تقود مشاريع كثيرة في دول مختلفة عبر العالم، تحاول من خلالها فرض توسعها، لكن معظم هذه المشاريع لم تحمل الأهمية نفسها في واشنطن مثل أنشطة الصين في الإمارات؛ لأن تلك الدول المضيفة ليست قريبة من الولايات المتحدة.
منذ 2012، كانت الإمارات ثالث أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في العالم، وقد قاتلت قواتها المسلحة إلى جانب القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا، كما تستضيف البلاد 5 آلاف جندي أمريكي في قاعدة الظفرة، وسفناً حربية أمريكية في ميناء المياه العميقة بجبل علي.
ويقول رياض قهوجي، رئيس شركة إنيجما للاستشارات الأمنية، ومقرها دبي، إن الإمارات بدأت تتطلع إلى وقت قد تنافس فيه الصين الولايات المتحدة، بل وتتفوق عليها كقوة عسكرية "لقد نجح الصينيون في أن يحلوا محلكم في كل شيء آخر، فلماذا لا يتم ذلك فيما يتعلق بالأمن؟"
وقال عبد الخالق عبد الله، المحلل السياسي الإماراتي، إن الإمارات بدأت في استكشاف شركاء أمنيين آخرين، بعد ما رأوا أنه رد أمريكي بطيء على الهجمات الصاروخية ضد أبوظبي من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
وكشف سفير الإمارات بالولايات المتحدة، يوسف العتيبة، الخميس، أن العلاقات الإماراتية الأمريكية تمر باختبار ضغط، مضيفاً أن بلاده منفتحة على الانخراط في أنشطة دفاعية مع جميع الشركات والدول، لكنها قلقة حيال واشنطن.
وجاءت تصريحات المسؤول الإماراتي في وقت اتخذت فيه الإمارات موقفاً غير داعم لواشنطن ودول غربية، بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ امتنعت مؤخراً في مجلس الأمن عن التصويت ضد موسكو.