حالات فردية أم استهداف ممنهج؟ تزايد الاعتداءات على الأئمة في الجزائر يثير التساؤلات حول الهدف منها

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/27 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/27 الساعة 11:40 بتوقيت غرينتش
أئمة المساجد في الجزائر يواجهون الضغوط - الأناضول

أثارت الانتهاكات المتكررة ضد بعض أئمة المساجد في الجزائر في الأيام الماضية حالة من الجدل بين الجزائريين، خاصة أنها تمسّ فئة تتميز بنظرة احترام في نظر الشعب الجزائري.

يأتي هذا وسط تساؤلات عمن يقف وراء تلك الاعتداءات اللفظية والجسدية، لتتعالى الأصوات بضرورة التدخل لمنع مثل هذه التجاوزات التي يرى البعض أنها بمثابة انتهاك للقيم الجزائرية والمرجعية الدينية في البلاد.

"عربي بوست" حاول الوقوف على حيثيات وخلفيات هذه الاعتداءات، والأسباب الكامنة وراءها من المعنيين والقائمين على شؤون الأئمة وموظفي القطاع.

اعتداءات متزامنة

أحدث الاعتداءات المسجلة تلك التي أشارت إليها مديرية الشؤون الدينية لمحافظة تيزي وزو بالجزائر، يوم الإثنين 24 أبريل/نيسان الجاري، في خبر مفاده الاعتداء على إمام مسجد آيت لعزيز بدائرة عين الحمام، أحمد طيبي، ليكون الحالة الرابعة التي تتعرض إلى اعتداءات بـ4 محافظات مختلفة في ظرف أسبوع. 

وأشارت المديرية إلى أنه تم نقل الإمام المعتدى عليه إلى المستشفى المحلي بدائرة عين الحمام، حيث أجريت له عملية جراحية ناجحة، ما جعل حالته الصحية تستقر.

بالتزامن مع هذه الحادثة، تم تسجيل اعتداء آخر في محافظة تلمسان، حيث تم الاعتداء على إمام مسجد علي بن أبي طالب، بحي العربي بن مهيدي.

تحظى مساجد أثرية في الجزائر بتصاميم ورونق خاص - عربي بوست
تحظى مساجد أثرية في الجزائر بتصاميم ورونق خاص – عربي بوست

إخافة الأئمة الجزائريين

"عربي بوست" تواصل مع رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية بالجزائر، جمال غول، الذي تساءل في خضم الحديث عن اعتداءات طالت عدة أئمة، حول إن كانت حوادث فردية أم منظمة ومقصودة.

ويرى غول أن الاعتداءات تعددت، بما يجعل الأئمة ورسالتهم في خطر حقيقي، على حد تعبيره، مضيفاً "أكثر ما نخشاه أن يكون المقصود منها هو ضرب رسالة الإمام، من خلال تخويفه بمختلف الاعتداءات".

وأشار المتحدث إلى أن حماية الإمام ورسالته أضحت أولوية يجب توفيرها؛ كونها تمثل حماية المجتمع الجزائري المعتدل في دينه، على حد قوله.

اعتداءات ممنهجة

من جهته، اعتبر رئيس نقابة الأئمة الجزائريين، الشيخ جلول حجيمي، الانتهاكات الحاصلة في حق عدة أئمة ممنهجة.

وأكد أنه يصعب تحديد الرقم النهائي لعدد الاعتداءات التي تطال الأئمة في الجزائر، لكنه أشار إلى وجود العديد من الاعتداءات اللفظية والجسدية منذ بداية العام، موضحاً أنه يصعب تحديد العدد الدقيق لوجود اعتداءات لم يتم الإعلان عنها.

وذكر لـ"عربي بوست" أن الهدف منها هو زرع البلبلة في المجتمع الجزائري، سيما أن جلها موجهة ضد أبناء المرجعية الوطنية، ومن طرف مخالفيها من الحاملين لأفكار غريبة عن المجتمع الجزائري، على حد قوله.

وحذر حجيمي من أن هذا التغول من شأنه تشكيل خطر على المجتمع، موضحاً أن أفكاراً كهذه "قادمة من وراء الحدود، وتقوم على تكفير الآخرين وإخراجهم من الملة، في حين أن المرجعية الوطنية معروف عنها تحليها بقيم التسامح والتعاون والهدوء في الطرح".

وحذر الإمام من أن تجاوزات كهذه تهدف لضرب قداسة الأئمة في المجتمع الجزائري، المعروف عنه تقديسه لكل ما هو مرتبط بالمسجد.

وأشار إلى أن الهدف من وراء ذلك يكمن في ضرب المرجعية، وخلق جو من الاستفزاز والبلبلة، وعدم الاستقرار وسط المجتمع الجزائري، وهو ما يمثل طريقاً للفوضى، في وقت يستدعي الحفاظ على القيم والثوابت.

أسباب الاعتداءات

عدد رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية بالجزائر، لـ"عربي بوست"، الأسبابَ المحتملة التي تقف وراء هذه الاعتداءات.

ووضع جمال غول تشويه الصورة الأصيلة في مجتمعنا في احترام الإمام وتقديره وتكريمه في خانة أهم الأسباب التي جعلت الاعتداءات تطال الأئمة.

وتابع قائلاً: "إضافة إلى ذلك، يستهدف المعتدون تخويف الأئمة للتخلي عن دورهم الإصلاحي، وضرب وتكسير القدوات في المجتمع لتخريب القيم المجتمعية الأصيلة". 

مقترحات لحماية الإمام من الاعتداءات 

ودعا رئيس نقابة الأئمة، جلول حجيمي، رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون للتدخل، بجانب فتح تحقيق شامل، وتفعيل قانون حماية الإمام بشكل يمكّن من القضاء على هذه التجاوزات نهائياً.

وأبرز حجيمي أن فتح تحقيقات سيمكن من الوقوف على طبيعة التجاوزات ومَن يقف خلفها، وتحديد أفكار المعتدين وانتماءاتهم وحتى أهدافهم.

كما طالب بإعادة النظر في طريقة اعتماد الجمعيات الدينية، سيما بعدما استغل بعضها وجودها في التشويش على النشاط المسجدي، وهو ما يقتضي مراجعة طبيعة الاعتمادات والنشاط.

وأبرز نقيب الأئمة الجزائريين أن تفعيل قانون حماية الإمام يعد حجر الزاوية في القضاء على حالات الاعتداء، من خلال الضرب بيد من حديد كل من يتجاوز في حق الأئمة سواء لفظياً أو جسدياً.

بدوره، يرى جمال غول أنه يجب تغليظ العقوبات، وتسليط أقساها لتكون رادعة ردعاً حقيقياً، وتفعيل قانون حماية الإمام، وإصدار النصوص المكملة لتطبيقه وجعل العقوبات رادعة.

تعرض عدد من الأئمة في الجزائر إلى اعتداءات تكررت مؤخرا - عربي بوست
تعرض عدد من الأئمة في الجزائر إلى اعتداءات تكررت مؤخرا – عربي بوست

واقترح رئيس مجلس الأئمة التأطير الكامل والكافي  للمساجد، والقضاء على العجز في القائمين المساجد، الذي بلغ نسبة مرتفعة تصل إلى 50%، فله علاقة بتشكيل حماية للأئمة وَفقه. 

ودعا المتحدث وزارة الشؤون الدينية الجزائرية إلى التكفل المعنوي والمادي بالمعتدى عليهم، والتأسيس كطرف في القضاء لملاحقة الجناة، وتقديم نصوص قانونية تعزز حماية الإمام.

وشدد الشيخ جمال غول على أن "الإمام لن يهون على حرائر وأحرار الجزائر، الذين يقدرون إمامهم الذي يتقدمهم في أعظم ركن من أركان دينهم، ويعلمهم وأولادهم القرآن". 

وختم تدخله "لن ينجح أعداء الجزائر، لطالما تكسرت أمواج باطلهم على أسوار فضائل مجتمعنا الأصيلة".

أحكام قضائية مختلفة على المعتدين

اختلفت الأحكام على معتدين تعرضوا لإمامي محافظة تلمسان وتيزي وزو، حيث كشفت محكمة مغنية بمحافظة تلمسان، غربي الجزائر، عن وقائع حادثة الاعتداء على إمام مسجد علي بن أبي طالب بحي العربي بن مهيدي بتلمسان.

وأكدت المحكمة في بيان اطلع "عربي بوست" عليه، أن نتائج التحقيق الابتدائي المُنجز من طرف مصالح أمن دائرة مغنية، وبعد إخضاع المدعو "س، م" للفحص الطبي من طرف طبيب الأمراض العقلية، أثبتت في تقريرها أن المعني بالأمر مُختل عقلياً وغير مسؤول جزائياً عن أفعاله.

وأضاف البيان "وعليه تم إخطار قاضي التحقيق بالملف، والذي أمر بوضعه بالمؤسسة الاستشفائية للأمراض العقلية بسيدي الشحمي بوهران، بموجب أمر مؤرخ في 2023/04/25 وتم تنفيذه بنفس اليوم".

من جهته، أصدر مجلس قضاء تيزي وزو بياناً حول قضية الاعـتداء على إمام بدائرة عين الحمام، الذي أشار إلى أنه تم تقديم المشتبه فيه أمام نيابة الجمهورية وفقاً لإجراء المثول الفوري. 

وأكد البيان الذي يحوز "عربي بوست" نسخة منه، إدانة المتهم بـ4 سنوات حبساً نافذاً، مع إيداعه بالمؤسسة العقابية، وغرامة مالية قدرها 100 ألف دينار جزائري (1000 دولار).

القانون يفرض أقسى العقوبات على المعتدين على الأئمة 

أوضح المحامي والمختص القانوني، عامر رخيلة، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن الاعتداءات على الأشخاص مادياً، والتبعات اللفظية الماسّة بالموظف أفعال مجرمة قانوناً.

وأضاف أن الإمام باعتباره يؤدي رسالة في منبر له حرمته، خصّه المشرع الجزائري بحماية خاصة، وهو ما يجعل المعتدين تحت طائلة القانون الخاص بالموظف، وكذا قانون العقوبات.

ويرى رخيلة أن هذه الظاهرة التي برزت مؤخراً في شكل استعمال العنف ضد الأئمة أو الخطباء أو المؤذنين، تعكس كبتاً في أسلوب التعبير عن الاختلاف في المواقف الفكرية، ليصبح الاختلاف الفقهي أو الاختلاف حول فتوى أو تفسير معين اعتداء لفظياً، وقد يصل للاعتداء المادي من طرف إما متعصبين لمذاهب محددة، أو حتى من بعض معادي الدين، على حد تعبيره.

تحميل المزيد