تجدد القتال في السودان، الثلاثاء 25 أبريل/نيسان 2023، على الرغم من إعلان الطرفين المتحاربين وقف إطلاق النار، وذلك في الوقت الذي قال فيه مبعوث من الأمم المتحدة إن الهدنة صامدة في بعض الأماكن، إلا أنه لا توجد مؤشرات على استعداد أي من الجانبين للتفاوض بجدية.
وأضاف المبعوث فولكر بيرتس أمام مجلس الأمن الدولي أن ذلك "يشير إلى أن كلاً منهما يعتقد أن بإمكانه تحقيق نصر عسكري على الآخر… هذه حسابات خطأ".
فيما أشار بيرتس الذي تحدث في اتصال بالفيديو من بورتسودان إلى أن وقف إطلاق النار "يبدو صامداً في بعض الأماكن حتى الآن، لكننا أيضاً نسمع أنباءً مستمرة عن قتال وتحرك للقوات".
ووصف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش العنف والفوضى في السودان بأنهما "يفطران القلب". وقال إن الصراع على السلطة يضع مستقبل السودان في خطر، وقد يسبب معاناة تستمر أعواماً، وانتكاسة للتنمية تستمر عقوداً.
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في 15 أبريل/نيسان. ووافق الطرفان على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة بدءاً من أمس الثلاثاء بعد مفاوضات توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية.
ونقلت الأمم المتحدة المئات من موظفيها وأسرهم من الخرطوم إلى بورتسودان.
وتعتزم الأمم المتحدة تأسيس مركز في بورتسودان لمواصلة العمل في الدولة التي يحتاج نحو 16 مليوناً من سكانها -أي ثلث تعدادها- إلى مساعدات إنسانية حتى من قبل اندلاع العنف.
تجدد الاشتباكات في السودان رغم الهدنة
يأتي هذا في وقت وافق فيه كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة اعتباراً من أمس الثلاثاء، بعد مفاوضات توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية، لكن مراسلاً لوكالة رويترز أفاد بإمكانية سماع دوي إطلاق النار والانفجارات بعد حلول الليل في مدينة أم درمان، الواقعة قبالة العاصمة الخرطوم على الجانب الآخر من النيل، حيث استخدم الجيش الطائرات المسيرة لاستهداف مواقع قوات الدعم السريع.
واستخدم الجيش الطائرات المسيرة أيضاً في محاولة لإبعاد مقاتلي قوات الدعم السريع عن مصفاة تكرير في بحري، المدينة الثالثة الواقعة عند التقاء النيلين الأبيض والأزرق.
إطلاق سراح مسجونين
في علامة أخرى على تدهور الوضع الأمني، قال الوزير السابق أحمد هارون المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، إنه سُمح له ولمسؤولين آخرين بمغادرة سجن كوبر.
وعقب أنباء عن عمليات هروب من السجن في الأيام القليلة الماضية، قال هارون إن الأوضاع في سجن كوبر تدهورت بشدة، وقال متظاهر كان مسجوناً هناك في تسجيل صوتي نُشر في وقت سابق إن السجناء أُطلق سراحهم بعد أسبوع دون ماء ولا غذاء.
وخدم هارون والمسؤولون الآخرون الذين غادروا السجن تحت قيادة الرئيس السابق عمر البشير، الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، وأطيح به في انتفاضة شعبية عام 2019. واتهمت المحكمة الجنائية الدولية هارون بتنظيم ميليشيات لمهاجمة المدنيين في إبادة جماعية في دارفور عامي 2003 و2004. ولم يتضح مكان البشير حتى الآن.
ومن ناحية أخرى، قالت منظمة الصحة العالمية إن أحد طرفي الصراع سيطر على منشأة صحية حكومية في الخرطوم، وعبرت عن مخاوفها من مخاطر بيولوجية محتملة بسبب مسببات الحصبة والكوليرا الموجودة بمخازن المستشفى.
وأثار نزوح موظفي السفارات ومنظمات الإغاثة من السودان مخاوف من تعرض المدنيين غير القادرين على مغادرة البلاد لخطر أكبر إذا انهارت الهدنة الهشة، ومدتها ثلاثة أيام تنتهي يوم الخميس.
فيما قالت متحدثة باسم البيت الأبيض أمس إن فريق الأمن القومي التابع للرئيس الأمريكي جو بايدن مستمر في الحديث مع القادة العسكريين المتناحرين في السودان للعمل من أجل إنهاء القتال وتقديم الدعم الإنساني.
وأصابت الاشتباكات المستشفيات ومرافق أساسية أخرى بالشلل، وأجبرت العديد من الأشخاص على البقاء في منازلهم في ظل نقص إمدادات الغذاء والمياه، ومع انتشار الجثث في الشوارع، قالت منظمة أطباء بلا حدود إنها لم تتمكن من إدخال إمدادات جديدة ولا مزيد من أطقمها إلى السودان.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن نقص الغذاء والماء والدواء والوقود أصبح شديداً للغاية مع ارتفاع أسعار السلع، وأضاف المكتب أنه اضطر لتقليص أنشطته لأسباب تتعلق بالسلامة.
وتوقعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يفر مئات الآلاف إلى البلدان المجاورة.
"لماذا يتخلى عنا العالم؟"
وبينما تسارع الحكومات الأجنبية لإجلاء رعاياها من السودان، يقول من لا يملكون مكاناً آخر للفرار إليه إنهم يشعرون بأن العالم تخلى عنهم، وتساءلت سمية ياسين (27 عاماً): "لماذا يتخلى عنا العالم وقت الحرب؟"، واتهمت القوى الأجنبية بالأنانية.
ومنذ اندلاع الاشتباكات، فرّ عشرات الآلاف من الناس إلى تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
ومع مغادرة المدنيين للخرطوم في سيارات وحافلات، صارت شوارع العاصمة شبه خاوية، وانحسرت فيها مظاهر الحياة اليومية العادية مع بقاء الموجودين في المدينة داخل منازلهم بينما يتجول المسلحون في الخارج.
وقالت الصحفية الفرنسية أوجستين باسيلي في مكالمة هاتفية أثناء محاولتها عبور الحدود إلى مصر: "لم يتبق شيء في المتاجر، لا مياه ولا طعام. وبدأ الناس يخرجون مسلحين بالفؤوس والعصي".
حرب السودان
ومنذ أن اندلعت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان لجأت القوات شبه العسكرية إلى الأحياء السكنية، ويحاول الجيش استهدافهم من الجو، وعرقلت الحرب انتقال السودان إلى حكم ديمقراطي مدني.
وأدى الصراع إلى تحول مناطق سكنية إلى ساحات حرب، فيما تسببت الضربات الجوية والقصف المدفعي في مقتل 459 شخصاً على الأقل وإصابة ما يزيد على أربعة آلاف آخرين وتدمير مستشفيات، والحد من توزيع المواد الغذائية في بلد يعتمد ثلث سكانه البالغ عددهم 46 مليون نسمة بالفعل على المساعدات.
وقال مسؤول بمركز الرومي الطبي في أم درمان إن قذيفة أصابت المستشفى أمس الثلاثاء وانفجرت داخله، ما أدى لإصابة 13 شخصاً.