بعد ساعات من بدء الهدنة التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في السودان، عاد الرصاص ليدوي الثلاثاء 25 أبريل/نيسان 2023، في سماء العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، وسط اتهامات متبادلة بخرق "الهدنة الهشة"، بينما تسارع الدول لإجلاء رعاياها من السودان.
ابتداء من منتصف ليل الإثنين-الثلاثاء، دخلت الهدنة التي أعلن وزير الخارجية الأمريكي عنها بين طرفي النزاع في السودان حيز التنفيذ، بعد عشرة أيام من المعارك الدامية، ويستمر وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد ابتداء من منتصف ليل 24 نيسان/أبريل، ويستمر لمدة 72 ساعة، وفق ما أوضحه المسؤول الأمريكي.
"هدنة هشة" في السودان
أعلن الجيش السوداني، فجر الثلاثاء، موافقته على هدنة إنسانية لمدة 72 ساعة، بشرط التزام قوات الدعم السريع "بوقف كافة الأعمال العدائية".
حيث قال الجيش في بيان: "بناء على وساطة سعودية أمريكية لوقف القتال الدائر بالبلاد وتخفيفاً على مواطنينا ولدواعٍ إنسانية، وافقت القوات المسلحة على هدنة لمدة 72 ساعة تسري اعتبارا من منتصف هذه الليلة (الإثنين/الثلاثاء)".
أضاف البيان: "بشرط التزام المتمردين بوقف كافة الأعمال العدائية والالتزام بمتطلبات استمراريتها". وأعرب عن تمنّيه "أن يسهم ذلك في تهيئة الظروف الإنسانية المناسبة لمواطنينا والمقيمين بالبلاد".
من جهتها، أعلنت قوات الدعم السريع في بيان عن "هدنة مخصصة لفتح ممرات إنسانية وتسهيل تنقل المدنيين"، فيما لم يذكر الجيش حتى الآن أي شيء حول هذا الموضوع.
لكن قوات الدعم السريع قالت إن طيران الجيش لا يزال يحلّق في مدن الخرطوم الثلاث، وأضافت: "التزمنا بشروط الهدنة لفتح ممرات إنسانية للمدنيين والمقيمين الأجانب.. كسر الهدنة يؤكد وجود أكثر من مركز قرار داخل قيادة الجيش"، مجددة التزامها بالهدنة الإنسانية المعلنة لـ 72 ساعة.
كما تحدثت تقارير إعلامية عن تجدد الاشتباكات في العاصمة السودانية الخرطوم، وتحديداً في محيط القصر الجمهوري ومناطق متفرقة في أم درمان.
ممرات إنسانية خلال الهدنة
في حديثه لـ"واشنطن بوست"، قال رئيس الإدارة الأهلية بدارفور، صلاح الدين محمد الفضل، إنه على الرغم من تضرر إقليم دارفور الغربي بشدة من أعمال العنف، إلا أن الهدنات استمرت في أربع ولايات من أصل خمس في الإقليم منذ مساء الخميس.
كما أكد أن الجانبين التزما بالاحتفاظ بمواقعهما الحالية، ويعمل القادة الآن على إنشاء ممرات إنسانية لإيصال المساعدات وجمع الجثث. وقال إن زعماء دارفور "لا يريدون الحرب على الإطلاق لأنهم تذوقوها منذ سنوات عديدة".
فيما أوضح أن المبادرة تضم ممثلين عن جميع القبائل والمجتمع المدني، مضيفاً: "نحاول تعميم هذه المبادرة في جميع أنحاء السودان".
شهدت دارفور بعض أكثر المعارك وحشية في الأسبوع الماضي؛ حيث قتل أفراد الدعم السريع ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة بالرصاص، ونهبوا المستودعات التي تحتوي على المواد الغذائية والأدوية والمساعدات الأخرى.
فيما بدأ السكان المحليون في تشكيل مجموعات أهلية ضد اللصوص؛ مما أثار مخاوف من أن المنطقة يمكن أن تنقسم تحت سيطرة فصائل مختلفة. ولا تزال منطقة دارفور تتعافى من عقدين من الحرب التي انتهت باتفاق سلام عام 2020.
مواصلة إجلاء الرعايا الأجانب
من جهة أخرى، تواصلت عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الأجانب من السودان؛ حيث قالت الحكومة البريطانية إنها ستبدأ إجلاء مواطنيها من السودان الثلاثاء بعد موافقة طرفي الصراع الدائر هناك على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة.
كما أفادت بريطانيا بأن طائرات عسكرية سوف تغادر من مطار خارج الخرطوم وستكون متاحة لمن يحملون جوازات سفر بريطانية. وستعطى الأولوية للأسر التي تضم أطفالاً ولكبار السن ومن يعانون من ظروف صحية.
بينما قال وزير الخارجية جيمس كليفرلي عبر تويتر: "بدأنا الاتصال بالرعايا مباشرة ونحدد لهم مسارات لمغادرة البلاد".
كما قالت وزارة الخارجية إنه ينبغي على البريطانيين عدم التوجه إلى المطار قبل أن يتم الاتصال بهم، وحذرت من أن الوضع لا يزال مضطرباً؛ ما يعني أن عمليات الإجلاء يمكن أن تتغير في أي وقت.
فيما قال إينياتسيو كاسيس، وزير الخارجية السويسري، إن بلاده تترقب الفرص لإجلاء مواطنيها المتبقين في السودان، لكنه أقر بأنه قد لا يكون ممكناً إخراج من يحملون الجنسية السودانية.
حيث أغلقت سويسرا بالفعل سفارتها في الخرطوم وأجلت الموظفين وعائلاتهم، مستفيدة من هدوء في القتال بين الفصيلين المتناحرين في السودان. ووصل من تم إجلاؤهم إلى بيرن في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء.
كما قال الوزير في المطار: "هناك فرص ويتعين أن يستعد الراغبون في مغادرة البلاد والذين بوسعهم المغادرة، الذين لديهم تصريح بذلك"، مضيفاً أن سويسرا تتعاون مع الدول الغربية الأخرى بشأن إمكانية إعادة المزيد من المواطنين.
تابع: "الأمر ليس سهلاً جداً لأنه لا يُسمح لحاملي الجنسية المزدوجة بمغادرة البلاد بسبب جنسيتهم السودانية، وسنرى ما سيحدث". وقال إن من بين حوالي 100 سويسري ما زالوا في البلاد، تحمل الأغلبية جوازات سفر سودانية.
أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الثلاثاء، اكتمال إجلاء جميع المواطنين اليابانيين الذين أبدوا رغبة في مغادرة السودان، وذلك ضمن عمليات إجلاء دولية مكثفة بعد اندلاع العنف في الدولة الإفريقية.
حيث أبلغ كيشيدا الصحفيين أنه بالإضافة إلى 45 شخصاً غادروا في وقت متأخر من ليل أمس الإثنين على متن طائرة عسكرية يابانية، فقد غادر ثمانية آخرون بمساعدة فرنسا ومجموعات أخرى.